تحملت وزارة الشؤون البلدية والقروية منذ نشأتها -وبشكل تراكمي- الكثير من المهام والمسؤوليات التي تفوق أعباء أكثر من وزارة، وهو ما جعلها اليوم في "وجه المدفع" أمام أي تقصير، أو تهاون، أو تدنٍ في مستوى الخدمة، وهو ما يعبِّر عنه بعض المواطنين كثيراً من أن "البلدية مقصرة"، وأنها "معقدة"، وغيرها من الألقاب التي تحمَّلها هذا الجهاز ولا يزال، دون تفكير في إعادة تنظيمه من الداخل، بما يضمن توزيع المهام والصلاحيات، وتطبيق الأنظمة دون اجتهادات فردية. نحتاج إلى تحديث الأنظمة و«إعادة توزيع» الصلاحيات و«توحيد الإجراءات» للحد من الاجتهادات الفردية وعلى الرغم من أن المملكة تعمل حالياً على تحديث بنيتها التحتية، واستثمار إمكاناتها الطبيعية والسياحية، وهو ما تتحمله بالدرجة الأولى وزارة البلديات، إلاّ أن الوزارة لا تزال تعاني من "ثقل المسؤولية"، وتحديداً في إدارة هذا الكم الهائل جداً من المشروعات، وتطبيق الأنظمة، وتطوير الموارد البشرية، والتداخل مع عدد من الجهات الحكومية، ومما زاد هذه الأعباء الكثافة السكانية الهائلة، والنمو المتسارع للقرى والمحافظات. وتتناول ندوة الثلاثاء واقع الخدمات البلدية في المملكة، من خلال عدة محاور تنظيمية، وفنية، واستثمارية، وجودة وتطوير، ولكن الأهم في ذلك هو ضرورة تخلص الوزارة من الواقع البيروقراطي الممل، وتأخر تنفيذ المشروعات، إلى جانب العمل على مسايرة التطورات المتلاحقة التي تشهدها المملكة حالياً، خاصة في ظل توفر ميزانية هي الأعلى في تاريخ المملكة. العمري: بعض عقود البلدية مدعاة للتأخير ونفتقد دعم المراقبين مادياً.. واقع الأنظمة في البداية تحدث "الربدي" عن أبرز ملامح نظام البلديات والمجالس البلدية الحالي، وقال: إن أنظمة البلديات لازالت أقل من المطلوب لتلبية احتياجات المجتمع، كما أن نظام البلديات يعد قديماً وبحاجة إلى تحديث بشكل مستمر لوجود تطورات في كثير من شؤون الحياة؛ مما يتطلب مواكبة هذا التطور على مستوى الأنظمة، سواءً أنظمة البناء أو التخطيط العمراني، أو التخطيط الاستراتيجي وتخطيط المدن ونمط الخدمة المقدمة للمواطن، سواءً في مجالات التراخيص أو التعاملات الإلكترونية التي تعد أمراً ملحاً، رغم وجود بعض الصعوبات والعوائق في العمل البلدي مقارنة في بعض القطاعات الحكومية الأخرى. تفسيرات مختلفة وأضاف:"إن هذه الأنظمة مازالت تفسّر من قبل موظفي الأمانات والبلديات كلاً حسب قدرته ومعرفته في هذا الأمر، فليس هناك أنظمة حدّية تجعل الموظف يعمل وفق نمط معين؛ ولذلك هناك اجتهادات فردية"، مشيراً إلى أن الضغط الشعبي على متخذ القرار وتعارض المصالح يؤديان أحياناً إلى اتخاذ القرار الخاطئ. وعلّق "الدهش" على هذه الجزئية، قائلاً: إن الجوانب السلبية التي نشأت عن تأثير الضغط الشعبي وتعارض المصالح جاءت بسبب عدم وضوح الأنظمة، وعدم وجود الخطط الإستراتيجية طويلة الأمد لدى متخذ القرار، وبالتالي ينشأ هذا الخلل في القطاع البلدي أو غيره من القطاعات الأخرى، مع عدم وجود وعي لدى بعض موظفي الدولة بدورهم الوطني بالتماس ما يخدم المجتمع. ويضيف "الربدي" أن النظام يظهر أنه عام لكافة المناطق، وإن كانت تختلف في ظروفها، مطالباً بنظام شامل ومتكامل مقنن بوصف دقيق آخذ بالاعتبار اختلاف بيئات المملكة وطبغرافيتها، وأن يكون نظاماً مانعاً للاجتهادات الفردية والقرارات الخاطئة التي تُكبدنا الكثير من الوقت والمال. وقال: "يجب أن لا ننسى أن البلديات هي الأرضية التي تقوم عليها معظم الخدمات، فإذا صلح نظام البلديات واتضحت معالمه استفدنا منه كثيراً؛ باعتبار أن القطاع البلدي في كل منطقة هو الذي يوجه التنمية ويقودها مع الشركاء سواءً كانوا الحكوميين أو القطاع الخاص". وطالب "الدهش" بضرورة أن تقوم كل بلدية بطباعة ما يخصها من الشروط والمتطلبات لمن يرغب الحصول على التراخيص أو الخدمات، إما عبر لوحات لتكون بارزة في مقار تلك الجهات، أو عبر كتيبات لتخفيف العبء على طالبي الخدمة وحتى لا يكون المواطن ضحية للمزيد من إضاعة الوقت والجهد والحد من تلك الاجتهادات. د. الهزاع: ضعف الأداء البلدي ناتج من تعطيل بعض الخبرات داخل الأمانات مشروعات بلدية متعثرة! وحول المشروعات البلدية المتعثرة، وقلة جودتها التي تعاني منها معظم مدن ومحافظات المملكة، قال "الربدي": "على الرغم من الدعم الحكومي للقطاع البلدي، إلاّ أن هناك مجموعة من المعوقات التي ساعدت على بطء التنفيذ، أو تعثر المشروعات وعدم مطابقتها للمواصفات، وفي النهاية أصبحت رديئة، ومن ثم فإن الخاسر الوحيد هو الوطن والمواطن؛ لأن هناك تأخير مع ضعف يساوي عمراً افتراضياً قصيراً لتلك المشروعات، وهنا يكون الرابح الوحيد في هذه المعادلة المقاول والمقاول فقط!". وأضاف:أن من أهم أسباب تعثر المشروعات البلدية وتدني مستوى جودتها، هي: كثرة أعمال المقاولين في وقت واحد، وعدم وجود مواصفات فنية أو قلتها أو ضعفها، إلى جانب قلة أو انعدام الرقابة، وتصنيف المقاولين ونظام العطاءات الذي ينص على أن العطاء للأقل، كذلك عدم الشعور بالمسؤولية الوطنية، وفقدان المقاول المحترف الذي يحترم عمله. عقود البلدية وقال "العمري" إن بعض عقود البلدية مدعاة للتأخير في التنفيذ، كما أن هذه العقود تولد شبه ميتة، وبشروط غير جادة، فعلى سبيل المثال لو أخذنا عقداً لتنفيذ سفلتة طريق مسافته كيلوات محدودة سوف نجد أن مدة التنفيذ ثلاث سنوات، فهل من المعقول أن يأخذ مشروع صغير بهذا الحجم كل هذه المدة التي من الممكن أن يتم من خلالها بناء مدينة كاملة، أعتقد أن ذلك غير منطقي وغير معقول!. ممر المشاة في طريق الملك عبدالله في الرياض واجهة حضارية من أمانة منطقة الرياض وبين "العمري" أنه سبق أن ناقش مع أحد المقاولين المكلف بتنفيذ أحد المشروعات الصغيرة والمؤثرة على حركة المرور في أحد الطرقات الرئيسة، وهو عبارة عن (دوّار) وذكر له المقاول أن مدة تنفيذ المشروع ثلاث سنوات، وأن الفرصة أمامه طويلة وسوف يقوم في آخر شهر في مدة العقد من إنهاء المشروع، مشيراً إلى أن النسبة الكبرى في هذا التأخير تقع على عاتق ومسؤولية الأمانات والبلديات، كما أن أغلب مشروعات الأمانات والبلديات يغلب عليها "الارتجالية". التنسيق في التنفيذ ويشير "د.الهزاع " إلى ملاحظة عدم وجود التنسيق بين الجهات الحكومية المقدمة للخدمة عند تنفيذ المشروعات، فما أن ينتهي تنفيذ ذلك المشروع بشكل متكامل يلاحظ قيام جهة أخرى بأعمال الحفر وإزالة السفلتة والأرصفة وغير ذلك. وقال "الدهش" إن من أسباب هذا التأخير هو إسناد أكثر من مشروع للمقاول في المدينة الواحدة في آن واحد؛ ولذلك تجده كل فترة ينتقل من مشروع إلى آخر وتجد هذا المقاول حينما تعترضه أي عقبة مع الجهات مقدمة الخدمية مثل مصلحة المياه أو الصرف الصحي أو الكهرباء أو الاتصالات فهو يعتبر هذه الإشكالية مع تلك الجهة فرصة للمزيد من التحجج بإطالة مدة التنفيذ وفرصة للبحث عن مشروعات أخرى. د. الخميس: إقحام البلديات في كثير من المهام التنموية صعّب مهمتها الميدانية رضا المواطن! وحول أسباب عدم رضا المواطن عن الخدمات البلدية المقدمة أكد "الربدي" أن المواطن هو أساس ومحور التنمية؛ لأن جميع القطاعات الخدمية والتنموية تستهدف خدمة هذا الإنسان، فإذا غاب المواطن عن اتخاذ القرار أو أُبعد متخذ القرار عن المواطن فإن الهوة تتسع مع الزمن، وهذا ما يحصل في العمل البلدي. وأضاف: أن تعارض المصالح بين الأنظمة البلدية ومطالب بعض المواطنين تزيد من الهوة بينهم، مشيراً إلى أن من أكثر الأشياء التي تؤجج المواطن على البلديات تفشّي البيروقراطية والروتين وبطء الخدمة وعدم وضوح الأنظمة واللوائح للمواطن، والأهم في ذلك التفاوت في تطبيقها داخل المنطقة الواحدة وخارجها مما يوحي للمواطن أن هناك ازدواجية في المعايير وانتقائية في تطبيق اللوائح. وعلق "الدهش" على أن وجود هذا التضارب في المصالح جاء بسبب أن المواطن يركز على مصالحه الخاصة، وأن وجود هذا التضارب مع المصالح العامة؛ بسبب أن البلدية -من وجهة نظره- لم تساوِ بين الناس، إضافة إلى عدم وضوح ووجود نظام صارم!. قياس الرضا وعن قياس مستوى رضا المواطن عن الخدمات البلدية، قال: "الربدي" خلال جولتي في كثير من مناطق المملكة وجدت أن البلديات قامت بالكثير، لكنها لم تحقق الكثير أيضاً من متطلبات المواطن الأساسية، مشيراً إلى أن أكثر ما يزعجنا رداءة التنفيذ، حيث يعتبر كما أشرت خسارة مضاعفة على الوطن والمواطن، موضحاً أن ما نسمعه خلال المقابلات مع المواطنين وما نشاهده على أرض الواقع أن الخدمات البلدية المقدمة لم تصل إلى حد الرضا لدى شريحة كبيرة من المواطنين، وهذا يجعلنا نوجه رسالة مفادها "أين الخلل؟، وما هو الحل؟". ويرد "د.الخميس" على هذا التساؤل بأن الحل يكمن في التخلص من إشكالية إقحام البلديات بالكثير من المهام التي تجعلها تحيد عن تحقيق أهدافها وتطلعات الجمهور بالشكل والجودة المطلوبة، مقترحاً أن تتم تجزئة أعمال ومهام واختصاصات البلديات إلى العديد من الوكالات التي تناط بها الأعمال وفق الأنشطة المتجانسة. عدم منح أي مقاول أكثر من عقد للحد من المشروعات المتعثرة حالياً توحيد الإجراءات وقال "د.الخميس" إن الخدمات البلديات في معظم مناطق المملكة لديها تفاوت واختلاف في التطبيقات؛ مما يستدعي العمل على توحيد الإجراءات بين المناطق، وفق معايير معتمدة وواضحة للجميع بشكل لا يسمح بوجود أي نوع من التفاوت في الفهم أو التطبيق. وفي ضوء الإشارة إلى تفشّي البيروقراطية والروتين وعدم وضوح الأنظمة واللوائح داخل البلديات، تساءل "د.الهزاع" قائلاًً: هل يعلم أو اطّلع موظف الأمانة أو البلدية على الفرق بين العقوبة الإدارية والعقوبة الجنائية والأنظمة واللوائح التي تحكمهما؟، وهل يعلم أن هناك فرقاً بين العقوبة الإدارية والعقوبة الجنائية، فقد يصدر عن موظفي البلديات بعض المخالفات والتجاوزات التي تدخلهم تحت طائلة العقوبات الجنائية؟، فليس بالضرورة أن يكتفى بالعقوبة الإدارية فقد يصاحبها عقوبة جنائية وما فيها من عقوبات شديدة ورادعة، كما أن إثبات الجرم فيها قد يكون أسهل من غيره، وأن الإدعاء بعدم المعرفة بأحكام هذا الأنظمة واللوائح لا يعفي الموظف من طائلة العقوبات. البيروقراطية البلدية تعطل تنفيذ مشروع استثماري ب 42 مليون ريال محاباة وتمييز وفي جملة الملاحظات الهامة التي طرحها "د.الهزاع" الإشارة إلى وجود المحاباة لبعض الأشخاص عند الحاجة لنزع الملكيات للمصلحة العامة، وقال: هل أوامر نزع الملكية صدرت للمصلحة العامة أم صدرت للتطبق على البعض دون البعض الآخر؟، مشيراً -من وجهة نظره- إلى التفرقة بين الأحياء، فمنها ما يحظى بخدمات متكاملة فيما تعيش أحياء أخرى أوضاعاً مأساوية نتيجة غياب التنظيم والسفلتة والإنارة والنظافة!. ضعف الأداء البلدي وحول أسباب ضعف الأداء البلدي في بعض جوانبه، قال "الربدي" رغم ضخامة القطاع البلدي وأهميته، فليس هناك تناسب بينه وبين ما يجده من دعم في المجال الوظيفي والفني والمالي، إضافة إلى ضعف الكادر الوظيفي سواءً الفنيين أو المهندسين أو الإداريين، مما جعل هذا القطاع طارداً، وذلك لضعف الحوافز والمميزات متمنياً أن يأتي اليوم الذي يفاخر فيه موظف البلدية بانتسابه للعمل في هذا القطاع!. الربدي: نظام البلديات قديم.. وغياب التنسيق زاد من «البيروقراطية» والهروب من المسؤولية ويضيف "د.الهزاع" أن من أسباب ضعف الأداء ملاحظة تعطيل بعض الخبرات داخل بعض الأمانات والبلديات من مهندسين وفنيين وإداريين دون معرفة الأسباب، مما يطرح تساؤلاً لدى المواطن عن سبب هذا الإقصاء لهذه الكوادر المؤهلة. تداخل الخدمات وحول التداخل في مشروعات وزارة النقل والنطاق البلدي، قال "الربدي": لاشك أن لدى وزارة النقل مشروعات عملاقة وكبيرة وجزء منها داخل المدن ويتداخل مع أعمال البلديات، وهذا حاصل في كثير من المدن بالمملكة، خاصة مع طفرة الخير والبركة، غير أن هناك ضعفاً في التنسيق بين الوزارتين مما يؤخر تنفيذ بعض المشروعات، أو يرفع من تكاليف نقل الخدمات التي تعترض تلك المشروعات، وهذه المشكلة ليست مع وزارة النقل والبلديات فقط، بل هناك تقاطع مصالح بين كثير من القطاعات المقدمة للخدمة، داعياً وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى تبني تكليف فريق عمل داخل كل منطقة مهمته التنسيق مع وزارة النقل بشكل دائم لمتابعة تنفيذ مشروعاتها داخل المدن وتذليل ما يواجهها من عقبات. التنسيق مع وزارة النقل وحول مراقبة البلدية لمشروعات وزارة النقل المنفذة داخل المدن، قال "د.الهزاع" لا أعتقد أن هناك آلية واضحة وصريحة بين هاتين الجهتين؛ لأنه لا سلطة لجهاز إداري على آخر؛ نظراً لأن كل جهاز يتمتع بالاستقلالية والمرجعية الخاصة به. وقال "العمري" إن هناك تداخل في المسؤوليات داخل المدن؛ مما أوجد مشاكل وإعاقة لبعض المشروعات والتملص من المسؤوليات في بعض الأحيان، مثل كارثة السيول التي أغرقت بعض الأنفاق في مدينة الرياض، حيث تبرأت منها الأمانة وتبرأت منها الهيئة العليا وتبرأت منها وزارة النقل لكن في النهاية أكتشف أنها ضمن مسؤولية وزارة النقل؛ ولذلك فإن تداخل المسؤولية يوجد عدة مشاكل، وبالتالي لو تم سحب مسؤولية جميع الطرق الداخلة في نطاق المدن من وزارة النقل إلى مسؤولية البلديات لكان من الأفضل لكي تكون مسؤولية واحدة على وزارة واحدة. غياب التنسيق ويرى "العمري" أن غياب التنسيق بين القطاعات الحكومية مقدمة الخدمة أدى إلى المزيد من إضاعة الوقت والجهد على المواطن؛ عند رغبته الحصول على التراخيص التجارية أو تراخيص البناء، داعياً الأمانات إلى إحداث مكاتب تنسيق لجميع ممثلي القطاعات المعنية بتقديم الخدمة على غرار المطبق بمدينة الرياض لتوفير الوقت والجهد. ويشير "د.الهزاع" إلى أن هناك تنازعاً في الاختصاص بين البلديات ووزارة التجارة "حماية المستهلك" فيما يتعلق بالمخالفات، مقترحاً أن يكون هناك دليل يحدد الجهة المختصة بمباشرة مخالفات الأنشطة التجارية حتى لا تكون مسؤولية المخالفات ككرة النار تتقاذفها الجهات الحكومية تجنباً للمسؤولية. سلبيات متعددة وعن مستوى الخدمات البلدية المقدمة للمواطن، قال "العمري": تعتبر متأخرة عن مسايرة النمو السكاني، حيث إن هذا النمو قد سبق الخدمات البلدية، مشيراً إلى أن معدل النمو السكاني في المملكة عالٍ ولا يتماشى مع الدراسات. من جهة أخرى يشير "الدهش" إلى أن بعض المسؤولين في الكثير من القطاعات البلدية ليسوا بمستوى المهام الوظيفية، والسبب أن هذا المسؤول لم يتدرج في الوصول إلى تلك الوظيفة، بل تم نقله من قسم إلى قسم آخر مع اختلاف المهام. وقال:"إنه في ضوء ذلك فإن الخدمات المقدمة من البلدية أقل من مستوى نمو المدينة، والإشكالية الأخرى أن المدن تتسع بدون حدود لهذا الاتساع بينما الخدمات محدودة". وأكد "الربدي" أن الخدمات البلدية أقل من طموح المواطن، وأقل أيضاً من طموح المسؤول، خاصة في هذا الوقت الذي لا يعذر فيه أحد بتوفر الاعتمادات المالية. ويشير "العمري" إلى أن غياب الوصف الوظيفي لكل قسم ولكل موظف في البلديات يعتبر مشكلة كبرى يجب على الوزارة أن تراعيها حتى ينضبط الأداء وتتحدد المسؤولية. وحول القيود وعدم المرونة في البلديات وأثرها على استثمار الشباب والشابات للفرص التجارية، قال "د.الهزاع" يجب أن لا ننسى أيضاً أهمية دور الأمانات والبلديات في تحقيق أهداف وبرامج وسياسات وطنية عليا، وفي هذا لإطار قال متسائلاً: هل نتصور أن تكون البلديات سبب في انتشار الجريمة؟، وفي إجابة لهذا التساؤل، قال: "إن ذلك من الممكن أن يتحقق عندما يطرح مثلاً من قبل الدولة فرصة لدعم وتمويل المشاريع الصغيرة الموجهة للشباب ثم يتوقف هذا الطموح لدى الشاب أو الشابة عندما تضع البلديات جميع القيود والاشتراطات في وجهه ليصاب هذا الهدف بالعجز والفشل التام، ثم ينحرف مسار ذلك الشاب لا سمح الله؛ نتيجة ضياع هذه الفرصة وما يتحمله من التزامات شخصية وأسرية، وهنا تكون البلدية مصدر من مصادر انتشار جريمة السرقات والمخدرات وغيرها من أوجه الانحراف السلوكي أو الأخلاقي". دراسات مسحية فيما يقترح "د.الهزاع " للقضاء على هذه السلبيات الاستعانة بالجهات الأكاديمية المتخصصة؛ لعمل دراسة توضح مدى سلبية وإيجابية الأمانات والبلديات على الوطن والمواطن، من حيث التنمية والاقتصاد والصحة العامة والجريمة والغناء والفقر، أو تطرح كمشروع رسالة علمية في الجامعات السعودية، مشيراً إلى أن الباحث يبذل جهد مضاعف لإثبات صحة الدراسة وتطويرها ودائماً ما يبدأ من حيث ما انتهى إليه الآخرين. استشارات أجنبية ويقترح "العمري" لتلافي هذه الإشكالية ضرورة الاستعانة ببعض المستشارين وبيوت الخبرة الفنية والإدارية الأجنبية الذين لديهم رصيد تراكمي من الخبرات والتجارب في تطوير الخدمات، وقال: إن هناك العديد من الشركات السعودية الناجحة قد استعانت بمستشارين وخبراء أجانب وقد ساهم ذلك في تطوير أهداف وبرامج تلك الشركات. دعم التنمية وفي مجال الإفادة من القطاع البلدي في دعم التنمية، قال "د.الهزاع" يفترض أن العمل التنموي ينطلق من البلديات نفسها، متسائلاً: هل من المعقول أن يتم تعيين أشخاص في البلديات لهم باع في الخبرة ولهم باع في التعليم والمعرفة، ثم لا يستطيعون أن يحددوا الهدف التنموي ولا يستطيعون تحقيقه؟، مبيناً إذا كان موظف البلدية لا يدرك الهدف التنموي فالأولى أن يتخلى عن موقعه الإداري ويتركه لغيره وهذا ليس فيما يخص الهدف التنموي فقط، بل دوره في الاقتصاد والصحة العامة. وقال "العمري" لو بدأت وزارة الشؤون البلدية والقروية بتطوير كفاءة الإداريين في الأمانات والبلديات لاستطاعوا إدراك الأهداف التنموية وتمكنوا من تحقيقها. ويضيف "د.الخميس" أن المجال البلدي برمته يمثل احتياج، وأن هذا الاحتياج يجب أن يترجم إلى أرقام لكي تكون هذه الأرقام وسيلة لضبط التخطيط والتنمية السليمة ووضع الخطط المستقبلية، باعتبار أن هذه الأرقام تمثل قراءات مهمة لبناء هذه الأهداف التنموية، وإذا لم يتم توفير معلومات معززة بالأرقام فسوف يكون من الصعب على البلديات استقراء الخطط التنموية المستقبلية. ويعتقد "الربدي" أن البلدية هي الأرضية التي تقوم عليها برامج التنمية كاملةً، وربما أن كثيراً من الأهداف التنموية موجودة في البرامج والخطط لكن الإشكالية أن الموظفين لا يعون البعد التنموي الذي تسعى إلية البلديات، معللاً ذلك انشغالهم في العمل اليومي، وقال:"لو أن نظام البلديات تم تحسينه كاملاً وأصبح أقرب إلى الحكومة الإلكترونية وقلّت عملية المراجعة اليومية كما حصل في بعض القطاعات الحكومية الأخرى". وأضاف: "أود أن أضرب مثالاً وهو أن إدارة الأحوال المدنية نجحت نجاحاً باهراً في خدماتها؛ نتيجة التحول إلى الخدمة الإلكترونية، وكذلك الجوازات رغم أن لديهم سيلاً كبيراً من المعاملات اليومية، أما البلديات ربما لديها أقل معاملات ولو تحولت إلى الخدمات الإلكترونية لتفرغ الموظف الصغير لمهامه وتفرغ كبار الموظفين للتخطيط ورسم الاستراتيجيات وتلافي السلبيات والوصول إلى تحقيق الهدف التنموي كما يجب أن يكون. علاقة سلبية وحول أثر ربط الكثير من مصالح المواطنين بالقطاع البلدي وما ينشأ عنه من آثار سلبية، قال "العمري" لو تم فصل إدارة الأسواق وإدارة رخص المهن عن اختصاص البلديات وألحقت بوزارة التجارة لكان ذلك أفضل؛ لأننا أساساً نحتاج إلى ترخيص وسجل تجاري من وزارة التجارة، فلو أضيفت بعض المتطلبات للرخصة وأضيفت الرقابة أيضاً على المحلات التجارية لوزارة التجارة ربما خففت من العبء على البلديات، ومكنها ذلك من التفرغ لمهامها الرئيسة. وأضاف أن رخصة واحدة بدلاً من عدة رخص من الدفاع المدني ووزارة التجارة ومن البلدية ووزارة النقل، وأحياناً من رعاية الشباب لمحلات الرياضة والأنشطة الرياضية، وكذلك رخصة من وزارة الصحة وغيرها من الرخص المطلوبة من جهات متعددة التي يحتاجها مشروع واحد تؤدي إلى إضاعة الوقت، وإهدار المال، وربما فشل الهدف أو المشروع الاستثمار لهذا المواطن، داعياً إلى التفكير بضرورة اختصار مجموعة تلك المتطلبات التي تفرض على المواطن. ويضيف "د.الهزاع" أن ربط هذه الاختصاصات بوزارة التجارة يجعلنا نحد من مسألة التستر؛ لأنها حينما تربط بوزارة التجارة يجعلنا نحقق مجموعة من الفوائد منها أنها تنحصر لدى جهاز واحد، وإذا كان هناك قلة في الكوادر لدى التجارة فبالإمكان أن يتم عرض الأمر بالخيار لمن كانوا يباشرون هذه الأعمال في البلديات بالانتقال إلى وزارة التجارة ليباشروا هذه المهام، أو يتم استحداث وظائف في وزارة التجارة على نفس التخصصات ويمنحوا دورات تأهيلية لهذه المهام وتستقبل التجارة الطلبات ومن ذلك أنها سوف تشجع على نجاح المشروعات الصغيرة والكبيرة، وكذلك السيطرة والرقابة والقضاء على التستر. الجانب الاستثماري وحول أثر تغليب الجانب الاستثماري في نشاط البلديات على مستوى الخدمات المقدمة للمواطن وبرامج التنمية الأخرى، قال "العمري" لا شك أن تفعيل الجانب الاستثماري مطلب وهدف جيد، لكن لا يجب أن يكون على حساب الخدمات البلدية والخدمات العامة المقدمة للمواطن، مشيراً أن لهذا التوجه أثر سلبي على جميع الخدمات التنموية ومرافق الخدمات العامة إذا لم يراع فيه التوازن بين المصلحة العامة وتنمية موارد البلدية، وكذلك منافسة المواطن والتاجر في عيشه. وأضاف أن هذا التوجه الاستثماري إذا وصل إلى مستوى من النهم فإن ذلك سوف يتعارض بطبيعة الحال مع أهداف البلديات التي يفترض أن تعمل لإيجاد وتوفير المرافق العامة للمواطنين مثل الحدائق العامة والمتنزهات. ويشير "د.الخميس" إلى أن البلديات أثرت بشكل واضح على نظام الاستثمار التجاري سواءً من محلات تجارية أو فنادق أو شقق مفروشة، حيث أصبحت البلديات في وضعٍ تنافسي مع التاجر جعل هذا التاجر من الصعب عليه أن ينافس قطاع حكومي آلت إليه المواقع بالمجان، مقترحاً إعادة النظر في نظام الاستثمارات البلدية مع ضرورة مع مراعاة إيجاد نوع من التوازن مع ما يخدم التاجر المستثمر صاحب العقار أو الأرض، آملاً أن يكون دور البلديات العمل على جذب الاستثمارات وليس منافسة التجار في نشاطهم ومصدر رزقهم. العقود الاستثمارية الطويلة وقال "د.الهزاع " إن توجه البلديات والأمانات نحو تفعيل الهدف الاستثماري بهذا الشكل سوف يحرم الكثير من الجهات الحكومية مقدمة الخدمة للمواطن من الاستفادة من بعض المواقع والأراضي الحكومية، وهنا سوف تقضي البلدية على إمكانية خط الرجعة في استغلال تلك الأراضي لصالح المواطن؛ لأنها ارتبطت بعقود طويلة مع المستثمرين تمتد مددها إلى عشرين عاماً؛ أي قرابة ربع قرن قابلة للتجديد. وأضاف:"إن ذلك لا يعني الوقوف في وجه المستثمرين، بل إن على الأمانات والبلديات أن تساهم في جذب المستثمرين السعوديين، وتسهل من مهمتهم وأن تهيئ لهم البيئة الاستثمارية المناسبة والمحفزة لتطوير مشاريعهم الاستثمارية بما يعود على الجانب الاقتصادي بالمردود الإيجابي دون أن تتخلى عن هدفها الرئيسي وهو المواطن". تداخل الجهات الحكومية في الحفاظ على صحة البيئة أوضح "د.مساعد الضبيب" عميد كلية العلوم الصحية بجامعة القصيم أن العناية بصحة وسلامة البيئة جانب مهم في تحقيق الحماية والأمن الوقائي الصحي للفرد والمجتمع، وكذلك للثروة الحيوانية والسمكية. وقال: إن العناية بالبيئة مسؤولية وإرث كبير موزع على عدة قطاعات ضمن عدد من الوزارات بالمملكة، حيث لم تتضح هوية الجهة المعنية بهذه المهمة بشكل رئيس، بل هناك نوع من التداخل والتقاطع في المهام والاختصاص بين عدد من الجهات المعنية والمهتمة بصحة وسلامة البيئة، مثل الهيئة الوطنية للأرصاد وحماية البيئة، ووزارة الصحة ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة الزراعة، وهيئة الغذاء والدواء وغيرها من الجهات الأخرى. وأضاف: إن قطاع البلديات لا يتوفر لدية حالياً من الوسائل التقنية والبشرية ما يضمن الوفاء بمتطلبات تحقيق البيئة السليمة والآمنة للمجتمع، إذا أخذنا في الاعتبار أن الجهة المعنية بالبيئة في البلديات عبارة عن إدارة لم ترقَ لأن تكون وكالة، بينما أن الوضع البيئي يتطلب أن تكون الجهة المعنية بالبيئة بمستوى وزارة أو على أقل تقدير هيئة عامة مستقلة تعنى بكافة شؤون صحة وسلامة البيئة في المملكة. وأشار إلى أن قضية صحة وسلامة البيئة أمر هام وحيوي جداً يستدعي المزيد من الاهتمام والعناية، والكثير من البحوث، ولن تستطيع البلديات الإلمام بكافة المتطلبات وفق الوضع الحالي، داعياً أمناء ورؤساء البلديات الإفادة من الأكاديميين في الجامعات السعودية المتخصصين بشؤون البيئة في كافة جوانبها واستثمارهم في المشاركة في الندوات وصياغة التوصيات التي تعنى بالجوانب البيئية، وما يكفل التدرج في تحقيق بيئة نظيفة وفق إستراتيجية وطنية تشارك فيها كافة الجهات لتكون ثقافة مجتمع تنطلق من الفصول الدراسية الأولى وأماكن العمل. توصيات ومقترحات * تحديث أنظمة البلديات وتطويرها. * إعادة هيكلة مهام البلديات وفق عدد من الوكالات. * تطوير الموارد البشرية للأمانات والبلديات. * دعم المراقبين مادياً ومعنوياً. * التنسيق مع وزارتي النقل والتجارة حول المشروعات والتراخيص، بما يقلل من البيروقراطية، ويحدد المسؤوليات بدقة. * إعادة النظر في مدد العقود البلدية، خاصة للمشروعات الصغيرة. * عدم منح مقاول أكثر من عقد للتنفيذ، للحد من المشروعات المتعثرة حالياً. * معالجة السلبيات التي تعترض موازنة التوجه الاستثماري بما يحقق مصلحة المواطن والبلديات. * إسناد مهام الحفاظ على صحة البيئة وسلامتها إلى هيئة وطنية مستقلة. المشاركون في الندوة إبراهيم الربدي رئيس المجلس البلدي بمنطقة القصيم عبدالعزيز الدهش رجل أعمال د.علي الهزاع محام ومتخصص في علم الجريمة د.فيصل الخميس أمين عام الغرفة التجارية الصناعية بمنطقة القصيم سليمان العمري رئيس اللجنة العقارية بغرفة القصيم