في مواجهة الأزمات الطارئة تكون الحلول سهلة مهما كانت تلك الأزمات صعبة, لكن إذا أمكننا تصور المتغيرات العلمية والاقتصادية الشاملة وأضيف لها صعوبة الظرف الاقتصادي الطارئ فإن بمقدورنا تصور العبء الحكومي والاجتماعي الذي على الطرفين الدولة والناس أن يتحملاه ولزمن ليس بالقصير حتى يتم التواؤم مع ما بعد نقلة التحولات.. إنهما متلازمان الأمر الذي لم تعف معه القوة العسكرية المتفوقة إلى حد قدرة الأهداف الاستراتيجية عبر القارات الاتحاد السوفيتي من السقوط.. لقد اضطرت موسكو أن تدفن أفكار ماركس للمرة الثانية حيث كانت في المرة الأولى مدفونة كمرئيات في ثنايا كتاب رأس المال قبل أن يشعل بها لينين العالم في ثورة بشرت في بداياتها أنها كونية.. ولم تعف دولا في شرق آسيا عرفت بالنمور أن تنام في حظائر الأرانب ولو مؤقتا .. منطقتنا ولا خيار في ذلك هي محط اهتمام عالمي شرس وهي إلى جانب كونها مستودع ثروات تتناوش نيران الصراعات داخلها وحولها بعض مدخرات ذلك المستودع وربما في بعض المواقع أتت عليه كله.. إنه من الصعب لا أن تبشر ولكن أن ترفع الأجفان المسترخية نحو واقع القفزات العلمية الهائل محفوفة بتكدس الرأسماليات, وتجمع مفاضلة المعروضات على رصيف بيع واحد في سوق العولمة ومعها قوانين التجارة العالمية خصوصا داخل شعوب مازالت تفكر ببناء أساسيات التنمية, لكن داخل أمة تجاوزت هذه المرحلة مثلما في بلادنا فإن الأمر أقل خطورة, ومهمة محاولات الوصول إلى ما هو قريب من تفوق النخبة الدولية أمر رغم صعوبته ليس بالمستحيل مثلما هو الحال عند الآخرين, والمهمة في مثل هذا الواقع لن يقوم بها طرف واحد.. لن تواصل الحكومة ما عودت عليه المواطن من أن يكون موضع رعاية في كل شيء, والأمر لا يتعلق بعجز طرف من شقي المهمة ولكنه يتعلق بتضخم حجم المهمة.. بتغير نوعيات الأدوار, وقد تحمل المواطن الخليجي والسعودي في المقدمة الكثير من تهم التدليل والاسترخاء بانتظار أن يعمل الآخرون من أجله.. لقد وصفوه بالإنسان النفطي الفارغ من إرادة العمل.. حتى ديانته.. قالوا انها البتروإسلام وكانت الظروف العالمية علميا واقتصاديا بالدرجة الأولى قبل الظروف المحلية تسمح بأن يتجاهل الإنسان كل ذلك الذي كان يقال, لكن المداخل الضيقة للانزلاق نحو القرن الواحد والعشرين باتت تتطلب أن يتفهم المواطن لماذا هو مطالب اقتصاديا بدفع بعض عبء التكلفة في مرافق الخدمات التي سخروا في الماضي وقالوا إن أي اهتزاز في أسعار بترول المستقبل سيجعلكم عاجزين عن تكاليف صيانتها.. المهمة في الواقع لا تعني مواجهة سعر متذبذب الآن ومتدن في السابق لأسعار البترول, ولكنها تعني أن تصاعد أسعار البترول إذا تحقق لن يكون كافيا لمواجهة متطلبات طاقة أكفأ في الأداء الوطني اقتصاديا وعلميا . لقد أفرغت الدولة فائض الثروة في عصر وجود الفائض داخل محتوى القدرات الأهلية على شكل قروض زراعية وصناعية ومعمارية وليس هذا هو كل المطلوب الآن.. إن ذلك المطلوب يعني التحول إلى واقع علمي واقتصادي أكفأ ومازلنا الأقل سعرا في تقييم تكاليف الخدمات.. لقد تطرق الأمير سلمان بن عبدالعزيز في حواره مع رئيس مجلس النواب التونسي إلى نقطة بالغة الأهمية في مجال رعاية الدولة بعناية وحزم لهدفها الكبير في ايجاد وطن لا يتعثر بسلبيات الآخرين.. وذلك حين مررت الدولة الكثير من العواصف العربية العاتية لئلا تقامر برصيد المواطن البشري والاقتصادي, وسايرت ظروف التكوين الاداري والتعليمي الصعبة قبل أن تشعر بالارتياح من وجود مؤسسة للشورى ذات حيوية هامة في دراسة الأنظمة وتأهيل القرار إلى جانبه كفاءات المؤهلين من الخبراء, واعتنت بالصرف على شواهد الحضور المادي الحضاري بعناية مماثلة حتى أمكن لمجتمع شبه الأمية المطلقة أن يكون الأفضل بين كل البتروليين العرب وغيرهم.. هذه الرؤية ليست تركيبا لفظيا في التعليق على ما حدث, ولكنها عند الأمير سلمان تتواصل مع منطق تخطيط استراتيجي حين أضاف بأنه لا ينزعج كثيرا إذا نسي ما حدث من ازدهار لئلا يتوقف عنده ولكنه يبتهج دائما بسعادة التذكر بأن لدى الدولة الكثير من برامج الإعداد العلمي والاقتصادي والحضاري الذي يجب أن يتواصل به تقدم حياة المواطن وقوة الموقع الذي يعيش فيه.. إن الأمير سلمان لا يصل الماضي بالحاضر وهو كل قدرة الاضاءات فيه فذلك يعني التوقف ولكنه يتحدث عن جهود الحاضر التي هي اضاءات المستقبل مما يعني أن تصاعد مهمة البناء وفق ضرورات المتغيرات الدولية يعني مباشرة خطوات جديدة تستدعي وجود المجتمع داخلها مثلما هو الحال في كل المجتمعات النابهة الجديرة بدخول القرن الواحد والعشرين, ولا تقتصر هذه الخطوات على التنشيط الاقتصادي, ولكنها تستثمر أيضا ايجابيات العلاقات عربيا وعالميا .