عدد من الدول العربية تحت م بعض مناسبات أن أزورها مرات متلاحقة في العام, وكان يلفت انتباهي ذلك الحجم الهائل من أهميات وعود حل مشاكلها القائمة حينما تنشره صحفها من عناوين إلى الحد الذي كنت أتخوف معها أن نكون دولة ثانوية, اداريا واقتصاديا بالنسبة لها, لكن مع توالي الملاحظة وجدت أن العناوين المثيرة تتوالى بينما لا يتغير من الواقع الاقتصادي والاداري إلا ما تسمح به اجراءات محدودة قد يكون أصحاب القرار معذورين في محدوديتها لأنه ليس في أيديهم ان يفعلوا أكثر من ذلك.. لكن لماذا تضخيم الحلم في أذهان الناس؟.. لماذا إرباك الأمل والعقل بما لن يكون في مقدور الواقع أن يتزين به داخل ثقة الناس.. لقد توصلت إلى حقيقة طريفة وهي أن أولئك كانوا يتحدثون إلى وسائل الإعلام أكثر مما كانوا يتحدثون إلى الناس, ووسائل الاعلام قادرة على انعاش الأحلام بينما أصحاب المعاناة أو المرئيات أو الأفكار أو المتاعب من الناس يبحثون عن لغة تتناول وبشكل مباشر كل ما يعنيهم.. هذا التباين بين الأحلام المسموعة والمكتوبة وبين الواقع هو الذي أوجد العبارة الشهيرة "كلام جرايد" تعليقا على كل خبر غير صادق أو وعد مشكوك في توفيره.. ولذا عندما أقول إن الأمير عبدالله بن عبدالعزيز قد تحدث للناس في حفل المنطقة الشرقية.. فإن بداهة استقبال العبارة تعني ممارسة عادية وتقليدية.. هذا صحيح عندما لا يكون الحديث يعني مضامين ومصالح وقضايا وشؤونا وخدمات تتعلق بواقع الناس القائم ومستقبلهم.. إن ما أعنيه هو أنه تحدث للناس فيما يمثلونه من أفكار ومرئيات ومصالح ومعاناة وعلاقات.. انه لم يتخاطب مع أحلام وردية زاهية أو وصفات تطويرية للمستقبل مستحيلة, وإنما كان كمن يعقد مؤتمرا مع الناس يوضح لهم فيه ان استراتيجيات عمل المستقبل تنصب على معالجة ما يفكرون به من طموحات أو هموم.. هذا رائع تفتقر له لغة التفاهم بين أصحاب القرار في عالمنا العربي وبين الناس, والأمير عبدالله يبرزه كسلوكية حكم لم تكن أبدا بعيدة عن واقع الطموحات والهموم التي يتحرك بها الناس سواء في حياتهم اليومية أو في خطط رعاية مستقبلهم القادم.. في حفل رعاية الموهوبين منذ بضعة أشهر في الرياض ويوم أمس الأول في المنطقة الشرقية تناول الأمير عبدالله بواقعية نحن الأحوج اليها في الوقت الراهن وغيرنا يتعطش إلى شيء منها في هذا الحاضر القلق, تناول عدة محاور أصبحت حديث المجالس فيما قاله عنها.. مركز المرأة في عضوية المجتمع.. صرامة الأداء الحكومي لإنجاز خطط تعديل الوضع الاقتصادي الذي ان كان أفضل من الآخرين فإن طموحات الخطط ترشحه أن يمثل أفضلية أقوى وأبعد.. تكرار مبدأ أن غاية كل عمل حكومي اداري اقتصادي ليس إلا من أجل خدمة المواطن اقتصاديا واجتماعيا .. الأساس في أداء المسؤولية هو تغليب المصلحة العامة على المصلحة الذاتية الخاصة, ولا مكان لأي أداء يهدف إلى خدمة ما هو ذاتي خاص.. التعليم ليس برمجة لمحو الأمية والتأهيل الوظيفي, ولكنه أصبح مسالك وجسورا لاختصار أزمنة قادمة للوصول إلى واقع حضاري وعلمي لا يخاف تصاعد الأهميات الحضارية الدولية ولكنه يزاملها ويتبادل الاستفادة معها.. إن الحديث للناس هو أمر في منتهى البساطة, لكن يجب أن تتوفر الكفاءة العقلية البعيدة النظر القادرة على جعل الحديث مضامين تنموية واجتماعية وادارية تهم الناس ويفكرون بها, ويتم طرحها معهم بواقعية واعية أبدع فيها الأمير عبدالله لأنها في الأساس تشكل مضامين أفكاره..