عندما رأت صحيفة «المسلمون» النور اختلف عليها الكل، المهني وغير المهني، لم يحتفل به بها حتى التيار الإسلامي، الذي وجد فيها «نشازاً» عن الخط السائد في الخطاب الإسلامي المعتاد، ولا تُذْكَر «المسلمون» إلا ويذكر الدكتور عبدالله الرفاعي الذي عاصرها في أكثر من مرحلة، وتوفيتْ وهو على رأس الهرم فيها.... الدكتور الرفاعي لا يتفق اثنان على رأي واحد فيه، بل إنك تعجز عن تصنيفه، هو إعلامي مهني وأكاديمي وبينهما صنع لنفسه إطاراً لا يصلح أن يسكنه إلا هو، ينتقد كثيراً ويخرج عن النص أكثر.... اقترب من الشيخ ابن باز لفترة ونشر فتاوى سياسية له كانت حديث المجتمع آنذاك وما كان ذلك ليتحدث به الشيخ لولا عبدالله الرفاعي نفسه. طفولتك، وأماكن النشأة.... ماذا منحتك للمستقبل؟ - الرياض التي نشأت فيها كانت تضج بالحراك الإنساني الممتلئ بالطموح والتطلع إلى مستقبل مشرق. كل هذا ممزوج بروح المحبة والألفة والتعاون، فقد كانت الرياض الورشة الوطنية الأولى في النهضة السعودية المباركة، وقد انعكس هذا كله علينا. حياتنا مليئة بالطموح والتحدي والتطلع للمستقبل بكل بساطة أو سذاجة الطفل، تغذيها باستمرار أريحية مجتمع ونقاء مجتمع الرياض الحديث الذي عكس بجدارة فكرة التوحيد. الحياة في الرياض - على رغم صعوبات التحديث - جميلة وبسيطة وناعمة، لم نعرف الحدود في علاقاتنا الاجتماعية، عدا ما حرّم الله. فترة المراهقة.... هل مرّت بسلام؟ - مراهقتي عادية مثل كثير من أقراني، انشغلنا بالطموحات البعيدة فكانت مراهقة بعضنا متأخرة، وأصْدُقك القول بأنني كثيراً ما أندم على ضياع تلك المرحلة سوى ومضات لا تكاد تُذْكَر، وعلى رغم الفرص التي أتيحت لي من خلال الاتصال المبكر بالعالم الخارجي فقد خرجت من عالم الرياض، وأنا في ال17إلى بريطانيا. هكذا من الرياض إلى لندن ومن بعدها إلى القاهرة وقد كان للتحصين الجيد وكذلك محدودية المعرفة - بما يرهق المراهق - دور في مرور مراهقتي بسلام. دراستك الجامعية في العلوم الإدارية، والدراسات العليا في الإعلام.... ما الذي تغير في بوصلتك؟ - بل هو عَوْد إلى مسار رغبت فيه في المرحلة الجامعية، وشاء الله أن أدرس الإدارة، (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)، ولهذا قصة ظريفة تبين أهمية الإرشاد الأكاديمي في المرحلة الثانوية، سجلت كغيري في قسم الإعلام - جامعة الملك سعود (الرياض سابقاً). وعند بدء الدراسة لم أجد اسمي ضمن المقبولين بسبب عدم حضوري للمقابلة الشخصية وهو ما لا أعرف عنه شيئاً، وطلبوا مني أن أحاول بعد فصل دراسي في البداية. فقررت أن أمضي هذا الفصل في القسم الملاصق للإعلام، وهو قسم الآثار وعند تسجيل الجدول الدراسي اختلفتُ مع المشرف لرفضه الجدول الذي صممته وفق رغباتي، وقد كان هذا حقاً للطلاب، عندها قررت أن أتحوَّل إلى كلية العلوم الإدارية، وقد كانت من كليات القمة، وعندما سجلت فيها على أساس فصل دراسي واحد فقط. أعجبتني الحال فدرست في تخصص الإدارة، وبعد تخرجي وعندما سنحت لي فرصة دراسة الإعلام في جامعة الإمام اغتنمتها، وفي «الدكتوراه» جمعتُ بين تخصصي الإدارة والإعلام فأنا من القلائل الذين درسوا التخصصين واحترفوا العمل فيهما إن لم أكن الوحيد بفضل من الله وتوفيقه، وإلا أنا في الأصل خططت ودبرت لدراسة الصحافة فلله الحمد والمنة. جامعة الإمام والتهم لماذا تتكاثر التهم على جامعة الإمام؟ - هذا طبيعي، ولا سيما أنها جامعة امتد فضلها وأثرها ليشمل الكون كله، فجامعة بهذا الحجم لا بد من أن يكون لها منافسون ومحبون وكارهون، ولكن من غير المقبول أن تكال عليها التهم جزافاً، والمؤلم أن نُظْلَم من ذوي القربى ومن أهل مهنة. الأصل قيامها على النزاهة والصدقية وتحري الدقة. ولعل في ما نُشِر في صحيفتكم «الحياة» أخيراً - عندما نسبتْ أحدَ الإرهابيين إلى الجامعة، وهو ما ثبت أن الأمر على غير كل ذلك - دليل على ما تعانيه الجامعة من ظلم، وللأسف نجد من بعض السعوديين من يغرر بالصحافيين الغربيين ويقدم لهم معلومات مغلوطة عن الجامعة وعن مجتمعنا ومؤسساته. وأنت صاحب هجرتين، بين الإدارة والإعلام.... كيف تقوّم الإدارة الإعلامية؟ - أجَدْنا جمعَ المال ولم نحسن الإدارة، سعينا لأصحاب المال، طمعاً في أموالهم، فأكلونا كما أكل الثور الأبيض، قضوا على ما لدينا من فتات وتقاليد مهنة، فنحن استسغنا حواشي العمل الإعلامي وتجنبنا الخوض والإبحار في العمل الحقيقي، وهو البحث عن المعلومة التي تهم الجمهور مهما صغرت، ومن ثم تدقيقها وتوثيقها، ومن ثم نشرها حتى يستطيع اتخاذ القرار المناسب، لهذا أصبح إعلامنا (هشك بشك). في صحافتنا، الصحافي المتعاون أكثر نشاطاً من الصحافي المحترف.... لماذا؟ - هذه ثمار الشللية وصحافيي (البشكة)، حتى المتعاون ما أن يُضَمّ ويصبح من أهل الحظوة يقل نشاطه ويحصر طموحه في أن يتألق ويتأنق لصاحب الكرامة. وأنت تدخل الصحافة محرراً.... هل تخيلت يوماً ما أنك ستصبح رئيس تحرير؟ - لا شك، فالخيال والطموح موجودان، ولكن ظروفي الأسرية منعتني من أن أخطو الخطوة الأولى بالسفر إلى لندن في مقر «المسلمون» في 1985، وجعلتني لا أفكر جدياً في السعي لتحقيق الحلم، ولكنها مشيئة الله التي قرّبت البعيد. كيف تنظر الآن إلى كرسي رئاسة التحرير بعد أن غادرته؟ - لا أزال أطمح في العمل المهني من خلاله، فهو مكان تكليف لا تشريف وهو مِنْ أشرف المواقع التي يستطيع الإنسان خدمة الناس لا يبز القائم عليه سوى أهل العلم. هل صحافتنا هي السلطة الرابعة في مجتمعنا؟ - أجمل ما يميز صحافتنا أن طموحها أكبر من واقعها المهني فتجدها تسعى لتكون السلطة الأولى مرة واحدة. لماذا تخصصت في الصحافة الإسلامية؟ - أنا لم أتخصص في الصحافة الإسلامية، ولكن حُصِرت فيها. ألا يزعجك مصطلح الصحافة الإسلامية؟ - يزعجني بشدة، فهو مثال صارخ على تناقض مَنْ سوّق له، فهذا المصطلح وما يماثله تكريس لمبدأ علماني، ومن جانب آخر أسس لمنهج تصنيف الناس الذي اكتوينا بناره ولا نزال. ما الفرق بين تجربتك في مجلة «الدعوة» وتجربتك في «المسلمون»؟ - كمَنْ يشرب من بئر، ومن يشرب من بحيرة عذبة متعددة الموارد. الفرق بين ضيق ذات اليد وسعة الرزق، الغريب أن سعة الأفق والمرونة الإدارية والبيئة الداعمة للطموح جمعت التجربتين. كيف تقرأ مراحل المسلمين بين عصرك وعصر «طاش» وعصر «قبضايا»؟ - مرحلتي تأسيس لمدرسة مختلفة كلياً عما سبقها تجمع بين المهنية والتنوير القائم على فهم دقيقٍ لحاجات مجتمعنا الحقيقية وفق رؤية مستقلة تبرز حقيقة المنهج الديني السعودي المميز بالتمسك بالثوابت المقررة لأهل السنة والجماعة الرافضة للغلو والتطرف المنهج الذي لا يمكن أن يحول بين التطور وإعمار الأرض. المنهج الذي قامت عليه الحضارات الإسلامية. ما الجديد الذي أتيت به لصحيفة «المسلمون»؟ - المقاربة المهنية لواقع الأمة والشفافية في الممارسة ارجع ل «المسلمون» ستدهش عندما تجدنا نغرد خارج السرب. طرحنا بوضوح خطورة التحزب الديني والأطروحات الفكرية التي اختطفت منهجنا وسوّقت لمناهج الخوارج والمعتزلة وحذّرنا من انجرار شبابنا نحو العنف والتكفير. وفتحنا موضوع السلام، وبيّنا اتجاه حركة حماس والسلطة الفلسطينية للفتنة، ومن الجانب المهني لم تنقل وكالات الأنباء عن أي وسيلة إعلامية عربية وإسلامية كما نقلت عن «المسلمون» حتى اليوم، فنحن كنا نصنع الأخبار ونبحث عن المعلومة وندققها ونوثقها ونقدمها للقارئ في قالب جميل، فترة زمنية لا تتجاوز السنوات الخمس، مليئةً بالأحداث والنجاحات والإخفاقات. عملك مستشاراً في الشركة السعودية بعد إغلاق الصحيفة.... هل كان جبراً للخواطر؟ - الأمير أحمد بن سلمان - رحمه الله تعالى - ومن ثم الأمير فيصل بن سلمان، ومن خلفهما الأستاذان هشام حافظ - رحمه الله - وأخوه محمد حافظ، لا مكان عندهم لجبر الخواطر في مجال العمل، وهذا من أسرار نجاحات الشركة، فما بالك وأن هذه المرحلة استمرت أكثر من ست سنوات. الأكاديمي والإعلام من خلال تجربتك... لماذا يفشل الأكاديمي في المؤسسات الإعلامية؟ وهل للتنظير سبب في ذلك؟ - التركيز على الدراسات الفلسفية والتعالي على الممارسة المهنية والطموح غير الواقعي من أهم أسباب الفشل، وهناك سبب خفي يتمثل في الكيد المهني. الآن، لا تكاد الصحف تحظى بشيء من اهتمامك.... هل هو طلاق منك لها؟ - انشغلت باستدراك ما فاتني من البحث العلمي وعندما حصلت على الأستاذية ثقلتْ همتي وانشغلت بتأسيس كرسي علمي، يعنى بدراسات الإعلام الجديد، إلى جانب إشرافي عليه. القنوات الفضائية الإسلامية.... هل سحبت البساط من الصحافة الإسلامية؟ - أي قنوات تقصد قناة الحضرة أم قناة إسلام مودرن أم قناة الأندية الصيفية، فأي بساط سحب بعد «المسلمون»؟ لا توجد صحافة تعنى بهموم المسلمين الحقيقية، ما لدينا اليوم أشبه بالصحف الحائطية (مع فارق التأثير) لا يرقى للمهنة الجليلة التي تسمى صحافة. كيف ترى وتيرة الحدة الإعلامية في برامج الفتاوى في مختلف القنوات؟ - لا تكاد تجد فيها فقهاً، إنما هي توجه سياسي وحلول اقتصادية حالمة وإبحار في علم الاجتماع والنفس كالحاوي كل شيء، وكل الحلول موجودة إلا الفقه وهو ما يفسر حال الإرباك والفوضى التي تعيشها الأمة في هذا الجانب. المؤسسة الدينية عندنا... لماذا لا تهتم بالإعلام كثيراً؟ - الآن اختلفت الحال. فالاهتمام موجود، ولكن إجادة التعامل مع الإعلام تحتاج إلى الكثير، وأنا على يقين بأن الجيل القادم من العلماء سيجعل الإعلام أحد مرتكزات نشاطه وحتى يتم ذلك أرى أنه من الضروري أن يعاد بناء الدوائر الإعلامية في تلك المؤسسات من خلال شعبة الخبراء في مجلس الوزراء، وبهذه المناسبة ونحن في عصر الإعلام، ألم يحن الوقت ليكون الإعلام ضمن تشكيلة الشعبة؟ كيف ترى قدرة المشايخ على اكتساب المهارات الإعلامية؟ - المقدرة تتوافر لكل إنسان، لكن تبقى القناعات، وهذه تحددها المعارف والحاجات والإمكانات. ألا تشعر بأن الإعلام حرق كثيراً من المشايخ بسبب قلة الوعي الإعلامي عندهم؟ - حرقهم وحرق غيرهم من الوجهاء والزعامات وأساطين المال. الإعلام يحرق كل من يتعالى عليه وكل من يستسهله، وهذا ليس خاصا بالمشايخ. هل تتوقع أن بعض صحافيينا يتصيد أخطاء مشايخنا ويفتعل المشكلات بينهم؟ - من أعراض هزالنا الصحافي تحيز الصحافي وسيطرة صحافة الرأي على صحافة المعلومة، وهذه الأعراض يمكن أن يبصرها الكفيف لدى بعض الصحافيين ولدى بعض وسائل الإعلام. لماذا قسم الإعلام بالجامعة الأكثر تميزاً بالمخرجات من قسم جامعة الملك سعود؟ - لأنه كان - وما زال - يعلي شأن المهنة الإعلامية، ويبدو أن الأحكام المسبقة لدى الناس بأن جامعة الإمام ليست سوى شيخ ولغوي كان له دور في هذا التميز، وهو ما نجده في الأقسام الأخرى الحديثة في الجامعة، فقد تكون انعكاساً إيجابياً لعقدة النقص. كيف ترى فتح باب الدراسة في الإعلام للبنات في جامعة الإمام؟ - هذا من الفتوحات العظيمة ودليل على أصالة ومعاصرة هذه الجامعة التي لا تغرب عنها الشمس. كيف تبدو الصحافة السعودية أخيراً؟ - منها من شاخت وهي ما زالت فتية وأخرى ثائرة على مجتمعها تدعو للتحرر و»الدمقرطة»، وإذا حصحص الحق رأيت منها(شنشنة وهسهسة)، حتى أضحت أكثر ضيقاً وتنمراً من تلك الآفلة، وثالثة تحاول وتحاول، ولكن انقضاء العصر الذهبي للصحافة الورقية لا يساعدهم. الجيد أن حراكاً ما زال يصدر من صحافتنا، وهذا - بحد ذاته - مكسب. هل ما زالت ساحتنا الصحافية قادرة على إنشاء صحف جديدة؟ - الصحافة الحقيقية ما زالت حاجة للمسؤول قبل الناس، وهذه لن ترى النور، ونحن نضع الصحافة صلب نظام المطبوعات ولن ننعم بممارسة إعلامية حقيقية في ظل الاحتكار بجميع أشكاله وتحت مظلة أباطرة المال. صعوبة الحصول على ترخيص إعلامي.... هل إيجابياته أكثر من سلبياته؟ - من يرى في هذا الوضع إيجابية فعليه أن يتقي الله ويراجع نفسه. كل المحاذير التي يوردونها مردود عليها من خلال تجربة مطبوعات الشركة السعودية و«الحياة»، ثم إن اكتمال أنظمة البلاد كفيلة بممارسة إعلامية منضبطة. وزارة الثقافة والإعلام.... هل لا تزال تفرض سيطرتها على الصحف أم فقط هي واجهة؟ - الوزارة الحالية مثالية إلى حد كبير، الأمر منوط بالممارسة وموقف الرأي العام هل تؤيد إلغاء وزارة الإعلام؟ - وجود الوزارة من عدمه ليس مهماً، إنما المهم الغرض منها، الدور التنظيمي لقطاع الإعلام أمر لا بد من وجود من يقوم به، أما أن تقوم بالإدارة المباشرة فضررها أكبر من نفعها. وكالة الأنباء السعودية.... هل من وصفة سحرية لإنقاذها؟ - أن تقتصر على الأخبار الرسمية الخاصة بالسياسة العامة للدولة والمراسيم والأوامر السامية وكل ما يتعلق بالمقام السامي على غرار صحيفة «أم القرى» أما الأخبار العامة سواء الحكومية أم غيرها فتترك لوسائل الإعلام. كيف ترى تفاعل الإعلام السعودي مع الحدث العالمي؟ - للأسف تفاعل التابع، بل إن بعض وسائلنا تغط في العسل. هل هناك فرص إعلامية سانحة لم يستثمرها الصحافي السعودي كما يجب؟ - الصحافي السعودي يفتقد البيئة المهنية السليمة حتى يتمكن من الاستثمار الأمثل للفرص المتاحة يحتاج إلى أن يعيش العمل الصحافي الحقيقي أولا. الأجور والحرية والسلم النقابي.... هل هذا كل ما يجب أن يطمح إليه الصحافي؟ - وجود الممارسة الحقيقية للصحافة كفيل بتغير الواقع الشاذ الذي يعيشه الصحافي السعودي قبل كل شيء، فلا بد من أن يوفر له الأمان، وهذا يوفر الاستقرار الذي يُنتج الإبداع الحضاري وهو أهم ما يميز المنتج الصحافي. المؤسسات الإعلامية ... كيف ترى بنيانها؟ - هو مصمم للأشخاص والمستثمرين والملاك وليست للمهنة الصحافية. هيئة الصحافيين السعوديين هيئة الصحافيين السعوديين... ما شهادتك عليها؟ - «شاهد ما شاف حاجة»، للأسف أجمل ما فيها مبناها، على رغم تحويل بعضهم لها إلى ما يشبه المُلك الخاص، وبهذه المناسبة أقترح ضم الجمعية لهيئة الآثار إنْ قبلت. برأيك... أيهما أصعب في الشرق الأوسط انتهاك حقوق الإنسان أم تفعيل دور مؤسسات حقوق الإنسان؟ - الإنسان ذاته. صدقية الخبر تعتمد على الجهة الغربية التي تصدره... هل ما زالت الثقة معدومة في الناطق العربي؟ - الثقة تأتي عندما يكون هذا العربي صادقاً، وكذلك عليه أن يكون نظيفاً. حرية الإعلام العربي... هل هو وَهَم كبير؟ - نعم، وهَم بحجم وهَم الإعلام العربي نفسه. أكرر ما لدينا. سمّه ما شئت مؤسسات ترفيه، علاقات عامة، مؤسسات استرزاق وانتفاع، للأسف بعض ما لدينا ليست سوى مؤسسات تستتر بالإعلام. برأيك.. هل يجب أن تكون هناك خطوط حمراء في الإعلام والصحافة؟ - كل إعلام لا بد له من خطوط حمراء وليس سجادة حمراء، ومن أهم الخطوط التي يتجاوزها إعلامنا فقط من دون غيره من إعلام الأمم الأخرى ثوابت الأمة. تعاني الصحافة العربية أمراضاً عدة... هل تظن أن الرقابة الذاتية إحداها؟ - الصحافة العربية ببحثها عن النفعية فرضت الرقابة الذاتية وربطتها بجلب المصلحة ففقدت النزاهة والموضوعية والشفافية. من يسقط في هذا الشرط الأساسي لمهنة الصحافة يفقد المناعة ويصبح فريسة سهلة لكل شيء. ما العائق الأكبر الذي يقف في طريق الصحافي العربي؟ - أهم ما نواجهه من عوائق هو انحسار واضمحلال المهنة الصحافية. لا بد من أن نعترف بذلك أولاً نحن أصحابَ المهنة، ومن ثم نفكر في إعادة تأسيس مهنة قادرة على النهوض بالأمة من واقعها المزري حتى ينطلق الصحافي العربي ولديه القدرة على مواجهة جميع العقبات وتجاوزها كغيره من الصحافيين الغربيين، بل أنا على يقين بأنه سيكون أكثر نزاهةً ومسؤوليةً لما يحمله من قيم عميقة لا تتوافر لكثير من الغربيين. السلطة السياسية، و»التابو» الديني طوق من نار يخنق الرأي العربي... كيف ستتخلص الصحافة العربية منه؟ - بترسيخ القيم المهنية الحقيقية للمهنة الصحافية المنطلقة من كون الإعلام تعبيراً حقيقياً عن قيم وطموحات الأمة، بل هو خط الدفاع الأول للحماية من خلال رصد كل ما من شأنه أن يقلل من رفعتها وعلوها إعلام يسمو بها لا يدخلها في مزيد من الإرباك ويستنفذ طاقاتها ويسلمها للآخر كما هي الحال اليوم في كثير من وسائل إعلامنا. الأمن القومي، والمصلحة العامة وسقف الحرية الإعلامية.... هل اجتماعها معاً معادلة صعبة؟ - ليست صعبة على الذين يعلمون ويفهمون، وهذا لن يكون من دون مهنة صحافية راسخة - كما سبق وذكرت-، المهنية الحقيقية تجعل الصحافي يدرك حقيقة الأمن القومي ويحسن تقدير المصلحة العامة ويفرض احترام الحرية ولو بعد حين، وأول خطوات المحترفين من أهل الصحافة أن يحسن استثمار ما يعطى له من مساحة. التسويق السياسي للديموقراطية بالمفهوم الأميركي... هل فتح إعلامنا المصراعين له؟ - هذا دليل صارخ على ما يعيشه «إعلامنا هذا» من تخبط وتبعية ونفعية ومنافقة عملية وصبيانية فجّة. تجربة النسخة العربية من الإعلام الغربي المرئي منه والمقروء... هل تجدها ناجحة؟ - نجحت في ملء الجيوب ونجحت أكثر في تضييع ما بقي لدينا من كرامة إنسانية، فأصبحنا مسخاً بين الأمم، وهذه التجربة ستكون مسؤولة عن نموذج أكثر اضطراباً وتشوهاً، أكثر قابلية للاستقطاب وأكثر قدرةً على التدمير. كيف تقوّم الاهتمام العالمي لدور الصحافة الإلكترونية؟ - ليس اهتماماً. إنما هو (تسونامي) هائل سيغيّر تاريخ الإعلام والاتصال الإنساني إلى الأبد. حصار ما يكتبه المدونون، ومحاسبتهم واعتقالهم... هل تشغل هذه القضايا فكركم؟ - نعم، تجب محاسبة كل من يسيء إلى الآخرين ولا يلتزم بقيم النشر العالمي وأعرافه، ومع ذلك أنا لا أرى الاعتقال والمحاسبة إلا من خلال القضاء، وهذا الأمر ينطبق على الصحافيين لندع القضاء يتعامل مع ما ينشر وفق قواعد القذف ليحاسبهم وفق الدستور. لماذا دعوتَ لمراجعات في الفقه السياسي والفكري؟ - لأنه يحتاج إلى مراجعات كثيرة جداً، وما هو موجود لا يقوم على أسس فكرية تخصنا. مرجعية كثير مما يُطرَح - على رغم جاذبيته - نتاج لعصر التيه في بدايات القرن العشرين، نحن بحاجة إلى مشروع وطني لتنقية منهجنا القائم على الدين الحق دين الرحمة المهداة محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - مما خالطه من خبث. وهذا لا مجال فيه لأصحاب الأهواء وأهل الشهوات. ماذا بقي من أيامك مع المجاهدين الأفغان؟ - ذكريات وصلات جميلة، على رغم الانتكاسة التي تجرعتها الأمة وتحولها إلى مقبرة كبرى لأحلام كثير من شبابنا وعقولهم وأجسادهم. هل كان الجهاد الأفغاني لعبة ومُرِّرتْ علينا؟ - بدأ جهاداً، فحوّله بعضنا لتجارة بخسة وأحلاماً شيطانية خطط لها مبكراً. الأحداث منا يدفعهم صغار العقول من الحزبين الذين طالما حلموا بوطن يلم شتاتهم، فأثّروا فيهم وقدّموا شبابنا - ولا يزالون - قربانا لسذاجة أفكارهم الشهوانية فاستوى المشهد الأفغاني على سوقه فبرز اللاعب المحترف وانتهت اللعبة. السية الذاتية: الشهادات - بكالوريوس في الإدارة - جامعة الملك سعود.1402. - ماجستير صحافة من قسم الإعلام - جامعة الإمام-1406ه. - دكتوراه في إدارة المؤسسات الإعلامية - جامعة الإمام 1411ه. - أستاذ كرسي دراسات الإعلام الجديد بجامعة الإمام في الرياض. الخبرات الإعلامية - احترف العمل الصحافي منذ عام 1983. عمل في: - صحيفة «الرياض». - مجلة «الدعوة» السعودية. - صحيفة «الشرق «الأوسط. - رئيس تحرير صحيفة «المسلمون» الدولية حتى توقفها عن الصدور 1998. - مستشاراً عاماً للمجموعة السعودية للنشر ولرئيس مجلس الإدارة حتى عام 2004. المؤلفات - تنظيم المؤسسات الصحافية. - التخطيط للعمل الصحافي. - أسس تقويم وتحفيز الصحافيين. - التدفق الإخباري بين الصحف في العالم الإسلامي. - (أيام مع المجاهدين الأفغان) 1985. - (مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري) 1997.