هل سمعتم من قبل بأوساهيرا تاكيو؟ يُقولون ان ذلك الشاب الياباني ذهب لدراسة علم هندسة السيارات في ألمانيا ولما تعلم كيفية تصنيع السيارة لوحده عاد لبلاده دون أن يسعى لشهادة الدكتوراه والدراسات النظرية. وبعد أن أنهى تركيب أول سيارة يابانية وانطلق أزيز محركها مدويا علّق امبراطور اليابان بأن هذه أجمل موسيقى سمعتها أذناه. إلى هنا تنتهي قصة هذا الشاب والذي تحدث عنه عدد غير قليل من الكتب والمقالات في عالمنا العربي والداعية لأن يحذو شبابنا حذو أوساهيرا ويصنعوا لنا سياراتنا العربية. ولكن يأتي السؤال المهم: هل أوساهيرا شخصية حقيقية أم مجرد قصة خيالية؟؟ منذ قدومي لليابان قبل سبعة عشر عاما وأنا أبحث وأنقب وأسأل اليابانيين المختصين حول هذه الشخصية، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ما سمعنا به في آبائنا الأولين! وفتشت في أكثر من ثلاثين مرجعا علميا باللغة اليابانية حول تاريخ صناعة السيارات في اليابان فلم أجد له أثرا. وتفيد المعلومات بأن أول سيارة بخارية في اليابان ركبها يامابا توراؤو عام 1904م بينما ركب يوشيدا وأوتشياما أول سيارة بمحرك ديزل عام 1907م. وشهد عام 1911 ميلاد أول سيارة صنع محركها بالكامل في اليابان من شركة كايشين المعروفة الآن باسم شركة نيسان في أيامنا هذه والتي صدّرت سيارات الداتسون اليابانية إلى العالم. ولا أعلم من أين أتت قصة أوساهيرا في أدبياتنا العربية والتي اتجه عدد غير قليل منها إلى القفز إلى النتائج وتمجيد الأفراد مع تجاهل وتهميش لعمل المؤسسات والمراحل الإعدادية، ناهيك عن الولع الشديد لدى البعض في تعظيم قدرات الأمم الأخرى وتحطيم منجزات الشباب العربي والتقليل منها. أطرح هذه القضية ونحن نحتفل هذه الايام بتدشين أول مصنع سيارات في السعودية لشركة ايسوزو اليابانية. قد تكون هنالك حاجة لإعادة برمجة نظرتنا إلى أنفسنا ووطنا وقدراتنا، حيث إن هذا المصنع لم يأت به شخص واحد أو أوساهيرا في نسخته السعودية، بل جاء نتيجة تضافر جهود من مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة والأفراد في المملكة وفي مقدمتها هيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية "مدن". وإذا كان أوساهيرا قصة مشكوك في صحتها فلدينا شباب سعودي يعمل في شركة ايسوزو من خريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي والذين درسوا وتخرجوا من جامعات اليابان وعادوا بشهاداتهم ،عكس أوساهيرا، ليعملوا ويسهموا في نقل تقنيات صناعة المحركات وتوطينها سعوديا. ومن خلفهم دفعات أخرى قادمة كانوا في زيارة لمصانع ايسوزو في منطقة كاناجاوا والتي تحرص كغيرها من شركات اليابان في قطاع التقنية العالية على استقطاب هذا الشباب السعودي المتقن للغة اليابانية والمتسلح بأرقى العلوم والخبرات. وإذ كان الحديث عن السيارات وطموح الشباب فلا يجب أن ننسى هنا طلاب جامعة الملك فهد للبترول والمعادن والذين صنعوا أول سيارة شمسية سعودية "وهج" وكذلك المبتعثين السعوديين في جامعة توكاي اليابانية والذين حققوا بطولة العالم للسيارات الشمسية ضمن فريق جامعتهم، وغيرهم من أبناء وبنات هذا الوطن المبدعين في الداخل والخارج والذين يمثلون باكورة نتائج الاستثمار الاستراتيجي في تطوير الموارد البشرية الوطنية والذين يمثل كل واحد منهم حقيقة انجاز وملحمة وطن وليسوا مجرد أساطير تروى. صحيح أننا مازلنا في بداية الطريق فاليوم تجميع لأجزاء سيارة أجنبية وغدا سنصنع سيارة بقدراتنا الذاتية ونصدرها بمشيئة الله ، فهذا نفس الدرب الذي سارت فيه كوريا الجنوبية والصين من قبلنا. وأخيرا وبمناسبة نجاح شبابنا في اقتحام عالم صناعة السيارات فاقترح إحالة أوساهيرا إلى التقاعد. *الملحق الثقافي في اليابان