"يا فرحة ما تمت".. هذا ما نسمعه من موظف جاءت ترقيته بعيداً عن مدينته، إذ ليس أمامه إلاّ أن يختار القبول وتسلم العمل الجديد، أو التنازل عنها ب"إقرار خطي" إذا لم يرغب في الانتقال. ويعاني كثير من الموظفين من أنظمة الترقية، التي ربما أنصفتهم في النهاية، إلاّ أنها جلبت معها التعب والتفكير، فلا حصلت الترقية كما هم يريدون، ولا حصلوا على فرصة البقاء مع أهلهم وذويهم، وقبل ذلك مدينتهم، ليبرز أهمية إعادة النظر في نظام الترقية عموماً، مع وضع الحلول التي من شأنها أن تزيد من استقرار الموظف معنوياً ومادياً. ويبقى تحفيز الموظف حلاًّ منصفاً يزيد من قبول الموظف للترقية خارج مدينته، فإذا وجد -مثلاً- زيادة في الراتب، وكذلك زيادة في البدلات، مع توفير المسكن أو على الأقل ضمان سعر الإيجار، كل ذلك سيساعد على قبول أغلبية الموظفين للذهاب إلى أعمالهم خارج مدينتهم، كما أنه من المهم توفير الفرص الوظيفية في الميزانية العامة للدولة بشكل أكبر مما هو متاح حالياً، كذلك لابد من تعديل نظام "التقاعد المبكر" بحيث يجذب الموظفين إليه، ويسهم في التخفيف من التضخم في القطاع الحكومي، الذي أحد نتائجه قلة أعداد الوظائف المعروضة للترقية. صبر وتضحية وقال "أ.د.محمد الشايع" -عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود ومدير مركز خدمة المجتمع-،: إن الوظيفة هي أحد عناصر الدخل الفردي، التي تخضع للعرض والطلب والتنافس، مضيفاً أن التنافس هو الفيصل في كثير من الأوقات، ويحتاج إلى الصبر والتضحية واستغلال الفرص البديلة، مشيراً إلى أنه في المملكة تعمل الإدارات الحكومية على توزيع الوظائف بناءً على حجم الخدمات المقدمة بالمنطقة، والحاجة لصنع القرار فيها، مبيناً أن بعض الموظفين لا يجدون نفس المراتب في مناطقهم، ليتطلب الأمر الحصول على أخرى وأعلى في إحدى المناطق. وأضاف أن النقل لا يخضع لرغبة الفرد بل لعوامل أخرى، وهي حاجته وراحته النفسية، وكذلك حاجة أسرته لخدماته مع توفر السكن في بلد الإقامة، كذلك ارتباطه بأفراد أسرته من دخولهم للمدارس والجامعات، وهذا ليس من السهولة تغييره وتوفير في لحظات، لذا إما القبول أو الرفض، وهذا يفوّت الفرصة على بعض الناس بالبقاء ورفض الوظيفة. توزيع عادل وأوضح "أ.د.الشايع" أن بيئة العمل والعامل النفسي هي التي تجعل بعض الناس يتخوّف من دخول موظف جديد للمنظومة، ما يلبث أن يتغيّر ذلك ويزول بدخوله بيئة العمل، وهذا قد يحمل أمرا إيجابيا من التجديد وعرض أفكار جديدة، مضيفاً أن الموظف إنسان يخضع لعوامل نفسية واجتماعية وبيئية، وقد تنعكس سلباً عليه بسبب تميزه وعدم قدرته على السفر والقبول بالوظيفة الجديدة، ويزداد الأمر تعقيداً حينما تكون المترقية امرأة، وذلك لحاجتها الماسة للعون والمساعدة وصعوبة تركها لمنزلها وأسرتها، مبيناً أن الترقية حافز بحد ذاتها، وربما تسهيل تنقل الأبناء والبنات في المستوى الجامعي والمرونة في القبول يعد واحد من الحوافز، ذاكراً أنه يفترض توزيع المناطق ووظائفها واحتياجاتها بوضوح، مع وجود عدالة لتلك المناطق، لضمان استمرار نجاح الخدمات واستدامة العمل وتحقيق التنمية لأهدافها وعدالتها. وشدّد على أهمية أن يكون توزيع الوظائف بمنطقية وفق الحاجة، مبيناً أن هذه الآلية ستنعكس على الناحية النفسية والاجتماعية من حيث الاستقرار للفرد وأسرته، وستنعكس على المجتمع باستدامة العمل وتميزه ونجاحه والتنافس بين المناطق وبعضها البعض، لافتاً إلى أن فتح درجات المراتب دون توقف عند الدرجة (15) يدفع الموظف للاستقرار الوظيفي، ولن ينعكس سلباً في حالة عدم ترقيته. تضخم وظيفي وقال "د.إبراهيم بن محمد الزبن" -أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود-: إن ترقية الموظف أحد الحقوق التي يسعى إليها العاملين في القطاعين الحكومي والخاص، باعتبارها مصدر لحصوله على المنافع التي يتحصل عليها سواءً كانت مادية ويترتب عليها زيادة في الأجور، أو معنوية تتمثل بتولي مسؤوليات جديدة أو إضافة صلاحيات تميزه عن الموظفين الآخرين في المؤسسة التي يعمل بها، مضيفاً أنه نظام الترقيات متعلق ببناء هرمي للمؤسسة الحكومية وفقاً لتنظيم قانوني معين يحدد المكانات الوظيفية والصلاحيات الموجبة بالنظام لكل مكانة وظيفية بشكل هرمي تصاعدي، يتدرج بحسبه الموظف إلى أن يصل إلى المناصب القيادية داخل المؤسسة، مبيناً أن هذا النظام يحدد المتطلبات المهنية والشهادات العلمية والدورات التدريبية التي يتم من خلالها تحديد مدى أهلية كل موظف للترقي لوظيفة أعلى، ومتى ما توفرت لدى الموظف هذه المؤهلات فإنه من المتوقع نظاماً أن ينال الترقية المقررة نظاماً. وأشار إلى أنه نظراً للتضخم الوظيفي في القطاع الحكومي في المملكة حيث يعمل أكثر من (70%) من القوى العاملة السعودية في هذا القطاع، فقد أصبح هناك تنافس شديد للحصول على الوظيفة التي تستحق الترقية، فتصبح الوظيفة الشاغرة هدفاً يسعى إليه هؤلاء الموظفين من خلال الحصول على المتطلبات التي ينص عليها النظام لتمكينهم منها. خياران صعبان وذكر "د.الزبن" أنه قد تولد عن ذلك الوضع الوظيفي إشكالات تتنامى مع زيادة أعداد الموظفين الذين ترفع أسمائهم للجهات المختصة للترشيح إلى وظيفة معينة في الغالب، يعلن عنها عن طريق وزارة الخدمة المدنية، وفي بعض الحالات تُحصر هذه الوظيفة على القطاع نفسه لأسباب إدارية تخص هذا القطاع دون غيره، مضيفاً أنه نتيجة لحجم هذا التنافس أصبحت ترقية الموظف على وظيفة داخل المؤسسة التي يعمل بها في نفس المدينة محدودة على عدد بسيط جداًّ من الوظائف، ومع أحقية الموظف للترقية بموجب النظام، فإن المتاح أمام الجهة التي يتبع لها هو الترقي في مكان آخر، قد يكون في نفس المدينة، وقد يكون خارجها، وهو الغالب حالياً، فيكون الموظف في مثل هذه الحالة أمام خيارين إما قبول الوظيفة المعروضة عليه للترقي ويترتب عليها انتقاله خارج مكان إقامته، مما قد يؤثر على استقراره وأسرته اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً!. وأضاف أنه لا يتوقف تأثير الانتقال على الموظف نفسه بل يمتد على باقي أفراد الأسرة، وبالتالي يصبح قرار قبول الترقية من عدمه ليس قراراً فردياً يخص الموظف نفسه، بل يشمل أسرته ككل، وهذا الأمر يجعل قبول الترقية والانتقال للوظيفة الجديدة يصبح قراراً أكثر صعوبةً، مؤكداً على أن الخيار الآخر هو رفض قرار الترقية والتنازل عن حقه النظامي ويترتب على ذلك قضاءه فترة أطول في نفس المرتبة الوظيفية، وأحياناً في نفس المكانة الوظيفية. حوافز مشجعة وأوضح "د.الزبن" أن من العوامل التي يجدر الإشارة إليها في هذا الموضوع، التي قد تدفع بعض الموظفين على قبول الترقية هو نظام الحوافز، الذي قد يصاحب الانتقال من مكان العمل الحالي إلى مكان آخر، حيث تعمل هذه الحوافز كعوامل مشجعة تجعل الموظف يتقبل قرار الترقية مهما كانت نتائجه سواء عليه أو على أسرته، مضيفاً أنه للتغلب على هذه الإشكالات المصاحبة للترقيات التي يتعرض لها بعض الموظفين وخاصةً في القطاع الحكومي، فإننا بحاجة لحلول مناسبة تخفف من حدة هذه المشكلة التي تتضخم يوماً بعد يوم، ذاكراً أن من أبرز هذه الحلول توفير الفرص الوظيفية في الميزانية العامة للدولة بشكل أكبر مما هو متاح حالياً، على أن يبنى ذلك على خطط قصيرة الأجل تُبنى على دراسات واقعية، كذلك التنوع في الوظائف، إلى جانب تعديل نظام التقاعد المبكر بحيث يجذب الموظفين إليه ليسهم في التخفيف من التضخم في القطاع الحكومي، الذي أحد نتائجه قلة أعداد الوظائف المعروضة للترقي عليها في هذا القطاع. عمل اتفاقيات وأكد "د.الزبن" على أن من الحلول عمل اتفاقيات بين القطاعين الحكومي والقطاع الخاص تمكن الموظفين المُتقاعدين مبكراً من الانتقال للعمل في المؤسسات الخاصة التي تستفيد من خبرتهم ومهارتهم، دون أن يؤثر ذلك على المستحقات الوظيفية للموظفين، إلى جانب إتاحة الفرص لهم للعودة لوظائفهم بعد نهاية إعارتهم للقطاع الخاص، مضيفاً أن من بين الحلول النظر في الأنظمة التي تحد من تمكين الموظف من الانتقال للعمل في الدول الخليجية المجاورة أو غيرها من الدول الأخرى، التي توفر له فرص الترقي والحصول على المكتسبات المالية والمعنوية التي يستحقها بموجب النظام، مقترحاً توحيد الأنظمة والإجراءات التوظيفية بين هذه الدول لتحقيق الانسيابية والسهولة في حصول هذا الإنتقال والعودة منه، ذاكراً أن توفير الحوافز المغرية في المناطق الجغرافية غير المرغوبة يُشجّع الموظفين للانتقال إليها في حالة توفر فرص الترقية في هذه الأماكن. مباشرة العمل الجديد خارج المدينة مكلف على الموظفين التشجيع على التقاعد المُبكر يُتيح فرصا وظيفية وترقيات