الترقية طموح كل موظف، ويترتب عليها انعكاسات إيجابية عدة، أبرزها الزيادة المادية في الراتب، والحصول على مزيد من الحوافز، وفتح الطريق أمامه لبلوغ مراتب عليا تؤهله وظيفياً واجتماعياً، وتمنحه مزيداً من الرضا الوظيفي تجاه المؤسسة التي يعمل بها، إلى جانب تقدير اجتماعي من المحيطين حوله.. ولكن هذه الآمال والطموحات عادةً ما تصطدم بمخاوف أن تكون الترقية في موقع بعيد من مقر عمل الموظف وسكنه، وبُعده عن أسرته، وهذا يترتب عليه تبعات سلبية كثيرة، قد تضطره إلى التراجع عن الترقية وبقائه في مرتبته لسنوات عدة، الأمر الذي ينعكس سلباً على أدائه ونفسيته. وحسب ما أوضحته وزارة الخدمة المدنية فإن (30%) إلى (40%) من موظفي الدولة يرفضون الترقية خارج مقر عملهم، وبما أن الوظيفة الشاغرة تتبع للوزارة التي يعمل بها الموظف، فمن الأولى أن تتم ترقيته عليها، حتى لو كانت خارج مقر عمله، هذا الإجراء تم اتخاذه في عدة وزارات منها وزارة الشؤون الإسلامية، وهي وظائف تستثنى كوظائف الدعاة والبلديات، والتي تحور وظائفها حسب الاحتياج ويترقى موظفوها بمقر عملهم، وحالياً يتم دراسة إفساح المجال لهذا الأمر في هيئة الهلال الأحمر، والسؤال هنا: لماذا لا يُعمم هذا الإجراء على بقية القطاعات؟. مباشرة «اليوم الواحد» ثم العودة ب«قرار تكليف» مخالفة صريحة للنظام الشورى يناقش أوصى مجلس الشورى مؤخراً بعدم الموافقة على مقترح تقدم به أحد أعضاء المجلس بشأن حذف الفقرة (ج) من لائحة الترقيات، التي تنص على:"لا يجوز النظر في نقل الموظف المرقى إلى وظيفة أخرى، أو تكليفه بأعمال وظيفة تقع خارج مقر الوظيفة المرقى لها، قبل مضي مدة لا تقل عن سنة من تاريخ مزاولته الفعلية المستمرة لأعمال الوظيفة المرقى لها في مقرها، ولا تحتسب ضمن الفترة المشار إليها مدة الإجازة الاستثنائية أو الغياب بدون راتب وما صاحبها من مبررات"، وجاء الرفض بحجة أن حذفها قد يؤدي إلى خلل في الهياكل الإدارية، وسيؤثر في مناطق المملكة؛ لعدم وجود المؤهلات العلمية والخبرات العملية، وتركز المشكلة في المناطق الأقل نمواً. المشكلة في عدم توفر الوظيفة في مقر العمل أو توفرها ولا تنطبق الشروط أو عدم وجود «شواغر».. لائحة الترقيات في عام 1420ه وجه مجلس الوزراء بإعادة النظر في قواعد الخدمة المدنية، خاصةً ما يتعلق بالترقيات، وبعد الإطلاع على التعديلات التي سبق أن اقترحتها وزارة الخدمة المدنية، وعليه فقد وافق مجلس الخدمة المدنية اقتناعاً منه بما اقترحته وزارة الخدمة المدنية -لائحة الترقيات- حيال تلك المواد، وبما أوصت به اللجنة التحضيرية في هذا الشأن المؤيدة للتعديلات المقترحة، ونظراً إلى أن هذه التعديلات ستساهم بمزيد من التنظيم والتطوير لعمليات الترقية وإجراءاتها، وسوف تساعد كل من الأجهزة الحكومية ووزارة الخدمة المدنية على القيام بتنفيذ قواعد وإجراءات الترقية، وفق أسلوب أكثر سهولة ويسراً، وأقرب إلى تحقيق طموحات الموظف في الترقية، حيث تم العمل بهذه اللائحة اعتباراً من بداية السنة المالية 1421/1422ه. الفصيلي: 40% يرفضون و30% يترقون ولا يُباشرون في أعمالهم الجديدة تعهد خطي وتتضمن المادة العاشرة من النظام: "على إدارات شئون الموظفين أخذ التعهد الخطي وفقاً للنموذج المرفق على جميع المرشحين بالمزاولة الفعلية المستمرة لأعمال الوظيفة التي يرشح لها في مقرها، وفقاً لما نصت عليه الفقرة (ه) من المادة الأولى من اللاّئحة، والاهتمام والتأكيد على تطبيق ما نصت عليه اللائحة فيما يتعلق بذلك، مع اتخاذ الإجراء النظامي المنصوص عليه في الفقرتين (ب-ج) من المادة الثالثة في حالة عدم المباشرة أو حالة طلب النقل، أو التكليف خلال السنة الأولى من تاريخ الترقية". وفي حال رفض الموظف التوقيع على التعهد الوارد في الفقرة (ه) من المادة الأولى من هذه اللائحة، فعلى رئيسه المباشر مع أحد الموظفين اتخاذ محضر لإثبات رفضه للتوقيع، وإرساله إلى إدارة شؤون الموظفين قبل تاريخ المفاضلة، وفي هذه الحالة يعتبر الموظف غير راغب في الترقية، وعلى لجنة الترقيات إدراج اسمه ضمن نموذج رقم (252/2) الخاص بالموظفين الذين لا يرغبون الترقية على الوظائف المدرجة في المحضر. الموظف والجهة الحكومية ويقول "عبد الله الفصيلي" -مدير عام شؤون الترقيات في وزارة الخدمة المدنية-: إن (30%) إلى (40%) من موظفي الدولة يرفضون الترقية خارج مقر أعمالهم، بينما ( 30%) يترقون ولا يُباشرون في أعمالهم الجديدة، مضيفاً أن المشكلات التي تواجه الوزارة في موضوع الترقيات على مستويين، الأول ذو علاقة بالموظف، والآخر ذو علاقة بالجهة الحكومية، مشيراً إلى أن المشاكل التي تواجه الموظف على ثلاثة أقسام: الأول: عدم توفر الوظيفة لترقية الموظف في مقر عمله، فكثيراً من الموظفين يرغبون الترقية في مكان عملهم ولا يرغبون النقل إلى أماكن خارج سكنهم، وهنا قد لا تكون الوظائف متاحة في مقر العمل، لأن الوظيفة توجد حسب الحاجة وليس لأن الموظف أكمل المدة النظامية للترقية، وكذلك تقدم له الوظيفة في مقر عمله، مع العلم أن هناك وظائف موجودة وشاغرة، ولكن في مدن أخرى خارج مقر العمل، ولكن الموظف لا يرغب الترقية عليها، وينتظر وقت طويل حتى تكون هناك وظائف شاغرة في مقر عمله، ذاكراً أنه يوجد وظائف في مقر العمل، ولكن قد يكون المنافسين عليها كُثر، ويكون مسبوقاً عليها، فينتظر الموظف لسنوات طويلة حتى يحصل على الوظيفة ويرقى عليها في مقر عمله. موظفون يقرون خطياً بالترقية في أي مكان ثم يتراجعون وتبدأ «معاملة البديل»! تخصص معين وأضاف أن المشكلة الثانية التي تواجه الموظف تكمن في أن الوظائف تكون شاغرة في مقر العمل ولكن لا تنطبق عليه الشروط، ومثال ذلك الوظائف التي تحتاج إلى تخصص معين كالوظائف الهندسية والتخصصية، مبيناً أنه يفترض على الجهة تنظيم الوظائف وفقاً للحاجة أولاً، وبما يتناسب مع الموظفين الذين أكملوا المدة النظامية وأمضوا مدة طويلة في مراتبهم دون ترقية، وكذلك بهدف تحسين وتصحيح أوضاعهم الوظيفية، وذلك بتحوير مسميات هذه الوظائف أو خفضها بالتنسيق مع وزارة الخدمة المدنية أو رفعها في الميزانية بالتنسيق مع وزارة المالية، لافتاً إلى أن المشكلة الثالثة تكمن في عدم وجود وظائف شاغرة نهائياً، فقد يأتي الموظف ويطلب الترقية في أي مكان، ولكن لا توجد وظائف، وتبقى هذه مشكلة الجهة في عدم توفير وظائف بالتنسيق مع وزارة المالية. موظفون يديرون ظهورهم للترقية خارج مناطق سكنهم التراجع عن الترقية وبشأن التراجع أو العدول، أشار "الفصيلي" إلى أن الجهات الحكومية تعاني من الموظفين الذين يكتبون إقرارات خطية بقبول الترقية في أي مكان، وإذا صدر قرار الترقية خارج مقر العمل يتراجع الموظف ويطلب العدول عن مباشرة الترقية، ثم بعد ذلك تبدأ معاملة جديدة لترشيح من يليه وهنا تأخذ المعاملة وقتاً طويلاً، مضيفاً: "للأسف هناك جهات حكومية لا تتقيد بإلزام الموظف بالمباشرة بعد الترقية مباشرة فعلية ومستمرة، وهذه مخالفة صريحة للنظام الذي ينص على إلزام الموظف بالمباشرة في مقر الوظيفة المرقى لها لمدة لا تقل عن سنة، ولا يجوز نقله أوتكليفه خلالها خارج مقر العمل، إلا في الحالات الضرورية وبعد التنسيق مع وزارة الخدمة المدنية". تساهل واضح وأوضح أن هناك جهات حكومية تتساهل مع الموظفين المُرقين، فمثلاً موظف في الطائف صدر قرار ترقيته على وظيفة في حائل، فيُباشر ليوم واحد في حائل ثم تصدر الجهة قرار بتكليفه بالعمل في مقر عمله السابق، وهذا الإجراء مخالفة صريحة للنظام، ويفتح باب الشكاوي من قبل الكثير من الموظفين، مشيراً إلى أن وزارة الخدمة المدنية لديها آلية لتتبع هذه المخالفات وتسجيلها في سجل الموظف بالحاسب الآلي، مطالباً الجهات الحكومية المخالفة بتصحيح أوضاع الموظفين المخالفين، مبيناً أن هناك جهات حكومية متجاوبة وأخرى غير متجاوبة مع وزارة الخدمة المدنية لحل هذه المشكلة، مضيفاً أن وزارة الخدمة المدنية قد سعت إلى إيجاد الحلول للموظفين الذين تعذرت ترقياتهم، وبناءً على اقتراحها، صدر قرار مجلس الخدمة المدنية عام 1431ه بحل مشكلة "المُجمدين"، والذين أمضوا (12) عاماً فأكثر في مراتبهم دون ترقية؛ بسبب عدم رغبتهم الترقية خارج مقر عملهم، أو بسبب عدم توفر وظائف شاغرة، وذلك برفع وظائفهم في الميزانية وترقيتهم عليها في نفس مقرات عملهم. تعويم الوظائف ويؤكد معظم الموظفين على أحقيتهم في تغيير اللائحة، لكي تتناسب مع متطلباتهم الوظيفية والاجتماعية، من خلال ما يُسمى ب"تعويم الوظائف"، وتمكين الموظف من الترقية وهو في مقر عمله، من خلال مبدأ الأحقية والأفضلية، في ظل التشديد في الإجراءات، لمنع حدوث أية تجاوزات، مع محاسبة من يخل بالأنظمة لتقديم موظف على آخر من باب "الواسطة" أو المعرفة والقرابة، ويرى الموظفون أن ما يدعم توجههم هذا هو أن الموظف المُرقى سيكون داخل محيط وزارته التي ينتسب إليها، إضافةً إلى أنه يمارس ويؤدي عمله الذي يتقاضى مرتباً مقابله. حل أسهل ويقول الموظف "عبد الله الرشيدي": إنه استبشر بمناقشة مجلس الشورى لهذا الأمر مؤخراً، على أمل إصدار توصية بتغيير ايجابي لمصلحة الموظف، تجد القبول لدى مجلس الخدمة المدنية، لكن هذا التفاؤل تلاشى مع عدم الموافقة على مقترح لحذف فقرة تمنع نقل الموظف المترقي إلى وظيفة أخرى قبل سنة من الترقية، لافتاً إلى أن مجلس الشورى أخذ يوصي بمقترحات جادة ومفيدة، موضحاً أن الحل سهل وبسيط، وهو أن تكون المراتب كما الكادر الصحي وكادر التعليم، من خلال أنه كل أربع سنوات يتم ترقيته بنفس الوظيفة. وأكد موظف آخر ينتسب لوزارة الثقافة والإعلام -فضل عدم ذكر اسمه- على أنه يعمل في إحدى قطاعات الوزارة، وموكل إليه أعمال بنفس مقر الوزارة بالرياض، مضيفاً: "بعد استحقاقي للترقية وبعد إكمال المدة تحصلت على ترقية في مدينة جدة، فحسب النظام يترتب علي الانتقال إلى جدة للمباشرة والعمل هناك، رغم ارتباطي ببرامج ومسؤوليات هي أساساً للوزارة"، متسائلاً: كيف لي مواصلة إتمام عملي وبعيداً عن سكني؟. عبئ على الموظف ويوضح الموظف "عبد العزيز اليوسف" أن مسألة الترقية أصبحت تشكل عبئاً على الموظف، باعتبار أنه لا يعلم أين ستتم؟، فهي حسب النظام المعمول به حالياً من الممكن أن تكون في مدينة تبعد عن المقر الذي يسكنه أكثر من (1000كم)، مضيفاً: "الكل يعلم بضخامة مساحة المملكة من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، وأن انتقال الموظف جراء الترقية إلى مقر آخر سيحدث ثغرة وفراغاً في مهام عمله ومكانه، خصوصاً إذا كان ذو منصب، فهناك موظفين لهم تأثير ودور كبير في العمل، كما أن انتقال المتخصص في العمل يسبب ثغرة". ويقول "محمد العبد الله" -موظف في وزارة الصحة يتردد بشكل يومي مسافة (340 كم) من أقصى منطقة القصيم إلى إحدى مستشفيات محافظة المجمعة-: إن الترقية سببت له معاناة كبيرة، من خلال التردد اليومي على مركبته، الأمر الذي زاده إرهاقاً نفسياً أكثر منه إرهاقاً بدنياً. وذكر "سلطان الخمعلي" أن نقل الموظف بعيداً عن جهة عمله الأولى، وبرواتب متدنية لا تفي بمتطلبات التنقل من منطقة إلى أخرى -في ظل ارتفاع الأسعار والإيجارات- فيه من المعاناة الشيء الكثير، مضيفاً: "من الممكن تقبل ذلك في حال كان هناك بدل للسكن".