المرأة تهتم بالمظهر إلى آخر حد.. وأنها لذلك حساسة.. عنيدة وملحاحة.. ومسرفة جداً. تزوجها عن عشق.. كان يعشقها وهي لا تدري.. وحين خطبها رحبوا به.. وقالت أمها: إن أي عائلة لا يمكن أن ترفضه.. لأنه شاب ناجح.. متفوق في الدراسة والعمل.. أما خطيبته الجميلة فقد ترددت قليلاً.. لأنها تعرفه فهو من محيطها.. صحيح أنه ناجح متفوق.. ولكنه - في نظرها - عملي فوق اللازم.. جاد إلى حد الجفاف.. ولا يعرف الأناقة.. والنقطة الأخيرة بالذات تقلقها كثيراً.. فقد جعلت قلبها لا يخفق له.. رغم أن عقلها يرحب به.. ولكنها كانت ولا تزال تحلم بزواج ينبع من القلب والعقل معاً.. بل وتعطي القلب الأولوية.. إن كان لا بد من خيار.. ولكن أمها ألحت عليها بالقبول.. وقالت لها إنك صغيرة في الثامنة عشرة.. لا تفهمين الحياة كما يجب.. ولا تستطيعين الحكم على الرجال ببعد نظر.. في هذا العمر تهملك المظاهر والقشور.. وتغفلين عن الجوهر.. وكلما تنهدت الفتاة قائلة: ولكن يا أمي لا يعرف كيف يلبس.. قالت لها: أمر سهل.. وهذه مسؤوليتك فعملية الأناقة.. وحين تزفر مرة أخرى وتقول: يوه يا ماما.. ولكنه جاف.. لا يبتسم ولا يمرح.. تقول الأم بحزم: بل قولي جاد لأنه ناجح.. هذه ضريبة النجاح.. وكذلك سوء اللباس.. الشاب الناجح غير فارغ لمثل هذه الأمور.. إنها دور زوجته في المستقبل.. ولا يهمك شاب حلو القسمات والبسمات ولكنه تافه!.. عليك بالشاب العاشق للنجاح.. الجاد في الحياة.. هذا الذي تستطيعين الاعتماد عليه بعد الله عز وجل.. الحياة الزوجية يا ابنتي ليست سهرة ليلة تأخذين فيها معك شاباً لمجرد أنه مليح القسمات حلو البسمات، بل هي حياة كاملة وطويلة وفيها الكثير الكثير من العواطف والمصاعب، والتحديات والمصائب، ولن ينفعك إلا الشاب الناجح الجاد، انظري إلى الجوهر لا المظهر، وتحلِّي بعيني زرقاء اليمامة ولا تكوني قصيرة نظر.. ومع إلحاح أمها المصحوب بالإقناع تغلب عقلها على دقات القلب.. كان الشاب الجاد قد حجز للسفر صباح ليلة الزفاف، بعد أن اتفق مع خطيبته باكراً على بلد السفر، لقضاء شهر العسل، ولكنها صباح ليلة الزفاف، قبل السفر بساعات، ألقت نظرة فاحصة على ملابسه الأفرنجية التي رتبتها أمه في شنطته فامتقع وجهها، وقالت له بحزم: - ملابسك هذه لا تصلح! قال: - كيف لا تصلح؟!.. إنها مقاسي. قالت: - لا تُقاس الأناقة بالمقاس.. هذه الملابس أعطها السائق أو ارمها في الزبالة! ضحك يداري حرجه وقال: - تمزحين؟! قالت: - أبداً.. إنني جادة!.. ملابسك هذه لا تصلح نهائياً!.. قال: - هه!.. على كيفك؟! قالت: - على كيفي وكيفك معاً لأننا سنمشي معاً!.. ما هو على كيفك وحدك! صمت الشاب مغتاظاً.. أحس بجرح في كرامته وحبس لحريته.. أحس أنه قد دخل في حياته من يتحكم فيه.. قال منتفضاً: - على أي حال هذه ملابس وقد اخترتها بعناية.. وفري جهودك لملابسك أنت ودعيني في شأني.. قالت غاضبة: - هل تعني أنك سوف تسافر بها؟ قال: - بكل تأكيد.. لم أشترها لأرميها! قالت وقد أحمرَّ وجهها: - لا يمكن!.. لا يمكن أن أسافر معك فيها!!.. تأملها وقد زادت الحمرة في جمالها وقال ضاحكاً وقد أحس أن المسألة بالنسبة لها غاية الجد: - لا حول ولا قوة إلا بالله!.. لا زلنا يا عزيزتي أول يوم زواج!.. أول ليلة! قالت: - ولو - الحق حق! قال: - الحق رأيك؟.. يعني أنا مالي رأي؟ قالت: - لك رأي يا عزيزي.. لكن الملابس اختصاصي. قال: - اختصاصك ملابسك.. لا تفكري أنك تلبسيني على هواك.. أنا كله ولا اللبس المايع!! تأملته.. تذكرت كلام أمها عن الشاب الناجح.. وتذكرت أسلحتها الأنثوية فابتسمت له ابتسامة خلابة وقالت بصوت ودود: - أنت يا عزيزي شاب ناجح وجاد.. ولا وقت لدى الشاب الناجح الجاد للتدقيق في مظهره.. دع هذا الأمر لي.. ولا تفكر في حكاية اللبس المايع.. أبغض ما لي اللبس المايع.. ولكنْ هناك فرق بين الميوعة والبهدلة.. لا مؤاخذة.. لا البهدلة أناقة ولا الميوعة.. هناك ما يناسب عمرك وعمري.. وما يناسب شبابنا وانطلاقنا في شهر العسل.. ثم شبكت يديها في رقبته وقالت وقد لمعت عيناها بجاذبية: - دع القيادة لي واستمتع بالرحلة! لأن الشاب ولكنه قال يلقي آخر حججه قبل الاستسلام: - ولكن لم يبق على السفر إلا ساعات! قالت وهي ترفع إصبعها: - تكفي ساعة لاشتري لك ثلاث قطع.. وفي السفر نشتري معاً كغريبين ضائعين.. استسلم تماماً ومد يده لشنطته لإخراج ملابسه التي تعب في اختيارها فهتفت: - ريح نفسك!.. حتى شنطتك هذي ما تصلح!.. قال ضاحكاً: - كل شيء ما يصلح؟ قالت بإغراء: - المهم أنك تصلح أنت! قال متشككاً: - والله ما أدري أنا أصلح أو ما أصلح! قالت باسمة: - تصلح أوي يا حبيبي!.. ولكن مع بعض التعديلات!! قال: - يعني أنا شقة تحتاج لتعديلات؟! قالت: - وماله؟!.. شقة ممتازة ينقصها بعض الديكور والتعديل.. وهذه مهمتي! قال ضاحكاً وقد أحس أنها ما هي سهلة كما كان يظن عن المرأة وخاصة الصغيرة في السن مثلها: - ديكور ورق جدران ولا جبس ولا رخام؟! قالت: - الديكور الراقي الذي يليق بك.. وبي! قال: - طيب الشنطة وش فيها جديدة وقوية. قالت: - لا يكفي!.. ليست أنيقة. قال متحدياً: - ما عيبها؟ قالت: - شكلها.. لونها.. ماركتها.. كلها.. ما عليش! قال وهو يحك رأسه: - بس!.. ساعة وقلبت الدنيا عاليها سافلها؟ قالت: - سافلها عاليها!.. قلبتها للأعلى! المهم عجل لا يضيع الوقت! هتف باسماً: - الله يحلل رئيسي في العمل.. كان لي رئيس واحد صاروا اثنين.. كنت أفكرك سهلة وبسيطة وناعمة ولكن ما أنت بسهلة والله العظيم.. تخوفين!! قالت: - هذا لأني ناعمة!.. ولا تنس أن للوردة الناعمة.. أشواكها! قال: - الله يستر.. المهم لا تحوليني إلى رجل ناعم لأنك ناعمة! قالت: - فرق بين النعومة والجلافة.. وبين الميوعة والشياكة.. أريدك يا عزيزي شيك! قال ضاحكاً: - كثيرٌ من الشباب شيك بلا رصيد! قالت: - ولكنك لك رصيد!.. ستصبح شيك.. ولك رصيد كبير.. في قلبي.. وفي المجتمع! قال وهو ينظر إلى ملابسه التي بعضها في الحقيبة وبعضها مرمي على الأرض: - وين!.. كنت أفكر أن هذه الملابس آخر روعة!! قالت: - كنت!!.. ولكن حين تلبس ما سوف اشتريه ستعرف ماذا كنت! ٭ ٭ ٭ قصدت به على جناح السرعة إلى معرض ضخم واشترت له أربع قطع وشنطة حقائب وأخرى لليد وقالت سنتشري الباقي من الخارج.. عند المحاسب ذهل الشاب فقد كان المبلغ المطلوب كبيراً.. كبيراً جداً.. ولكنه أمام حرجه دفع للبائع بطاقته وهو يغلي.. حين خرجا بالبضاعة قال لها: - أربع قطع وشنطتين أغلى عشر مرات من عشرين قطعة التي عندي مع الشنط.. قالت: - هذا هو الفرق!.. قال: - هذا أول درس تعلمته منك عن المرأة.. وفي أول يوم زواج.. قالت: - وما هو؟ قال: - هو أن المرأة تهتم بالمظهر إلى آخر حد.. وأنها لذلك حساسة.. عنيدة وملحاحة.. ومسرفة جداً.. وأضاف وهو يفكر في المستقبل: - والمشكلة الخصلة الأخيرة! قالت في نفسها: «ما بعد شفت شيء.. وما بعد جاك شي»!!