هل تعجل أحداث غزة المصالحة الوطنية بدون مقدمات وشروط، لأن العدو لا يمكنه وضع حدود لاعتداءاته، فقد فشل بتلقي ضوء أخضر من قبل أمريكا لضرب إيران، فاختار غزة لغرض انتخابي لإبراز زعامة نتنياهو، وتكريس خط التشدد والتطرف للحكومة اليمينية، غير أن الصورة التي رأتها إسرائيل زاهية تغيرت، أي إنه على بساطة ونوعية الأسلحة التي تمتلكها حماس، إلاّ أنها فرضت إطلاق صفارات الإنذار والهروب للملاجئ من صواريخ غزة، وهذا قد يأتي انعكاسه سلبياً لأن الشعب الذي تعود أن يضع أهم أهدافه الأمن، وجد نفسه عرضة للصواريخ، ولهدف ليس أساسياً، بل إن العداء العالمي لضربات الجيش الإسرائيلي، وقتل الأبرياء سيكونان مبرراً لوضع إسرائيل على لائحة الدولة المعتدية.. فقد عرفنا من كل الحروب استطاعة الدول النازية بقوة أكبر من بلد الاحتلال عجزها البقاء على أرضها، وهي تجربة خاضتها إسرائيل مع غزة، والهروب منها نتيجة المقاومة، وهي الآن بحشدها قوة كبرى لزحف بري، قد لا تستطيع تمثيل دولة محتلة، لأن الخسائر ستكون كبيرة، ثم ان الأوضاع العربية، ومع الدول التي وقعت معها وثائق السلام وتبادلها، حل بديلاً عنها دول ترى في إسرائيل عدواً مهما استمرت العملية السلمية، وهذا قد لا يغير من معادلات القوة، لكنه وسيلة للضغط على الحكومات العربية لمواجهة إسرائيل بغير ما جرت فيه العادات السابقة، وحسابات إسرائيل قد لا تستطيع تجاهل مواقف كهذه والدليل أول من بادر بالتهدئة مصر، وهي شريك سلام لا تريد إسرائيل خسارتها في حال انفجر الشارع هناك، وغير المواقف التقليدية التي أعطت العدو التصرف بلا احتجاجات واستنكارات.. غزة لديها الآن بعض السلاح، وليس لديها ما تخسره من خلال تهديم كل مؤسساتها وبنيتها الأساسية، إلى جانب الحصار والتضييق والاستمرار بسياسة الاغتيالات، لكن الإرادة الشعبية تغيرت، واختبار القوة لم يعد خياراً إسرائيلياً حتى لو أضرت بالمنشآت الفلسطينية، لكنها ستجد من يناوشها ويرهب شعبها طالما وصلت الصواريخ، وعلى بساطتها ونماذجها، إلى القدس، وتل أبيب وهو تأثير سلبي على معنويات الشارع، الذي يريد أن يفهم الغايات من تصرف القيادات بما أثبت ضرره أكثر من مكاسبه.. إسرائيل ترى تفضيل التركيز على القوة كبديل للحوار، وترى أن سلة القضية الفلسطينية تتناقص أمام زحف الاستيطان والتأييد الدولي، لكن الصورة ليست بهذه الحقيقة، فوجود المقاومة أياً كان مستواها يؤكد أن الموضوع ليس نزهة عسكرية لتمرينات يؤديها الجنود والضباط الإسرائيليون، فالوصول إلى السلاح من قبل الفلسطنيين والخروج من مقذوفات الحجارة إلى الصواريخ هو تطور جديد ربما يؤذي إسرائيل عسكرياً وسياسياً طالما استمر الزمن بالصراع الطويل..