حين بدأت رحلتي من ولاية كيرالا (في الجنوب الغربي للهند) لاحظتُ أن عددا كبيرا من أبنائها يتحدثون اللغة العربية.. ويعود السبب الى ان اقتصاد هذه الولاية يعتمد بشكل كبير على تصدير العمالة لدول الخليج - لدرجة سألني أحد المسؤولين إن كنا سنعاني من اضطرابات شبيهة ببقية الدول العربية خشية انحسار التحويلات المالية التي تصلهم منا !! ورغم أنني طمأنته على استمرار نزيفنا المالي .. ورغم أن كيرالا تتمتع بموارد طبيعية وجمال خلاب (لدرجة يسميها بقية الهنود: بلاد الله الخاصة).. إلا أنها ماتزال من أقل الولايات حظا في النمو والتطور وجودة البنية التحتية!! وبعد الإبحار في "المياه الخلفية" غادرت كيرالا إلى بومبي (أو مومبي) أكبر مدن الهند وأكثرها تطورا وحيث يعيش أكبر عدد من الأثرياء ونجوم السينما.. وتعد بومبي (وليس هوليود) عاصمة السينما في العالم كون الهند تحتل المركز الأول من حيث عدد الأفلام التي ينتج معظمها في هذه المدينة .. لدرجة أصبح يطلق عليها لقب "بوليوود"!! غير أن الواجهة الراقية لمومبي تخفي خلفها أحياء فقيرة لا تتصور وجودها في أكثر الدول تخلفاً.. فهناك مثلا حي المعدمين Dharavi Slum حيث صوّرت أجزاء من فيلم المليونير المتشرد (ويمكنك مشاهدته بإدخال الكلمتين الأخيرتين في صور جوجل)... وهناك أيضا حي الغسالين حيث يعتاش الفقراء على غسل ملابس الفنادق والشركات والمستشفيات والطبقة الثرية (ويمكنك مشاهدته بإدخال هذه الجملة Dhobi laundry)!! ومن مومبي ذهبت الى العاصمة دلهي حيث تختلط كافة الأجناس واللغات الهندية وتوجد أكبر نسبة من المعالم الوطنية. ورغم كرهي للعواصم ( لأسباب شرحتها في مقال بعنوان: لا تذهب للعاصمة ) إلا أنني ذهبت لدلهي لسببين : الأول لأن طائرتي تغادر منها، والثاني لأنها أقرب مدينة كبيرة الى "تاج محل"... وعلى بعد 200 كيلومتر جنوب دلهي توجد مدينة "آجر" العاصمة القديمة للإمبراطورية المغولية التي حكمت الهند حتى تاريخ الاحتلال البريطاني .. والمدينة بحد ذاتها قذرة ومتهالكة وحين تدخلها لأول مرة لا تصدق أنها تضم ثامن أعجوبة في العالم وأحد أروع نماذج الفن الإسلامي (تاج محل).. ورغم أن معظم السياح يأتون إليها لبضع ساعات فقط (لرؤية تاج محل) إلا أنني قضيت فيها ثلاثة أيام التقطت خلالها 166 صورة للمبنى على أمل التوصل لسر جاذبيته الآسرة .. ليس هذا فحسب ؛ بل شاهدته من مختلف المواقع والجهات وخلال أوقات اليوم المختلفة - بما في ذلك ليلة البدر حيث يشع المرمر الذي بني منه بلون أخضر فاتح! أما عن أطرف موقف تكرر معي في جميع المدن فهو أن الباعة وأصحاب التكاسي (حين يريدون لفت انتباهي إليهم) يزمون شفاههم للخارج ويطلقون صوت قبلات مرتفعة.. في البداية أصابني هذا التصرف بالحيرة والارتباك (خصوصا أنني لست وسيماً لهذه الدرجة) حتى أدركت أنها وسيلة مناداة شائعة لديهم، مثلما نفعل نحن حين ننادي الشخص الغريب بكلمة "هيييه" "يالاخوو"!! أما إن سألتني عما كرهته في الهند فهو - بالإضافة الى انعدام حس الدعابة لدى الهنود - إدمان السائقين على استعمال أبواق السيارات بلا داع وبشكل دائم ومستمر (وأنا الذي كنت أظن أن لا أحد يتفوق على أشقائنا المصارية في ضرب البواري)!! أضف لهذا عدم التقيد بالمواعيد وعدم الحضور أحيانا (وأنا الذي كنت أظن أن لا أحد يتفوق علينا في هذه العادة السيئة)!! أما الثالثة فوجود "أطفال شوارع" يعيشون على الأرصفة ولا تعلم إن كان لهم أهل أصلا (فرغم نسبتهم القليلة إلا أن أعدادهم تظل كبيرة في بلد كالهند)!!