قبل فترة طويلة قرأت في مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" موضوعا عن أجمل عشر مناطق في العالم كان من بينها ولاية كيرلا (في الجنوب الغربي للهند).. ولهذا السبب لم أتردد في زيارتها خلال جولتي الأخيرة في الهند التي بدأت من عاصمتها في الجنوب، وانتهت في دلهي وتاج محل في الشمال! وفي الحقيقة؛ حتى قبل أن تهبط طائرتنا في ترافندرم (عاصمة الولاية) بدت الأرض تحتنا خضراء نظرة تغطيها غابات كثيفة من نخيل النارجين. ولكن ما ان خرجنا من المطار حتى لاحظت حجم المفارقة بين جمال الطبيعة وبؤس الحال.. بين سحر المكان وتخلف البنية التحتية.. فالمياه والخضرة والجو الحسن لا تكاد تنفصل عن الفقر والبساطة والبيوت المتواضعة.. لم أتعجل في استنتاج الأسباب، ولكنني تعجلت في اختصار إقامتي في ترافندرم للقيام بالرحلة التي جئت من أجلها أصلا.. للقيام برحلة بحرية في مياهها الخلفية التي تعد عامل الجذب الأول فيها - ويمكنك رؤيتها بإدخال الجملة التالية في صور جوجل (backwaters of kerala)! والمياه الخلفية تركيبة جغرافية نادرة لا تعثر عليها في غير الهند.. فهي شبكة متواصلة من الأنهار والبحيرات التي تمتد لمسافة 900 كيلومتر قرب البحر.. وقبل أن يكتشف السياح جمال كيرلا كانت مياهها الخلفية تستخدم لنقل البضائع والمحاصيل والبشر على طول الساحل الغربي للبلاد.. وشيئا فشيئا تحولت قوارب الشحن الى بيوت عائمة يتم تأجيرها على السياح مع قائد وخادم خاص.. وهذه البيوت العائمة (التي يمكنك أيضا رؤيتها بإدخال هاتين الكلمتين Houseboats) أصبحت اليوم عماد السياحة في الولاية وتتراوح مستوياتها بين "خمس نجوم" وأخرى لا تستحق حتى.. "ربع نجمة"!! وتواجد "المياه الخلفية" بمحاذاة البحر هو بحد ذاته أعجوبة طبيعية لم أكن لأصدق بوجودها لو لم أشاهدها بنفسي. فهذا الكم الهائل من المياه العذبة يتواجد خلف البحر بمسافة قصيرة ولا يفصلها عن مياهه المالحة غير برزخ ترابي - يضيق ويتسع أحيانا - ولكن دون أي فجوة تسمح باختلاط البحرين بحيث يظل هذا عذب فرات وذاك ملح أجاج.. خلال إبحارنا فيها كنا نسمع صوت البحر وهدير الأمواج بوضوح، في حين كان بيتنا العائم ينساب فوق مياة داخلية هادئة تحيط بها الأشجار من كل جهة.. كنا نرى قرى جميلة يعتمد سكانها إما على زراعة الأرز (من الجهة الداخلية للمياة العذبة) أو صيد الأسماك (من الجهة المحاذية للبحر)!! ورغم أن الرحلة ذاتها استغرقت ثماني ساعات إلا أنها بدت لي قصيرة من فرط جمالها وتنوعها ومرورها بمختلف التقلبات الجوية (ما بين مطر وغيم وغروب ساحر).. وما زادها متعة استئجارنا لبيت عائم اشتمل على غرفتي نوم ومساحة للجلوس ودور علوي مفتوح - ناهيك عن الطباخ والخادم.. خطئي الوحيد كان الإبحار في "المياة الخلفية" من الجنوب للشمال - وليس العكس.. فحين تبدأ رحلتك من الشمال تعثر على خيارات أكثر وأفضل بخصوص البيوت العائمة. غير أننا كنا محظوظين بالعثور على قارب تابع للفندق أبحر بنا من "كولام" في الجنوب (حيث لم أشاهد أكثر من ثلاثة قوارب متواضعة) حتى مدينة "أليبي" في الشمال (حيث شاهدت مئات القوارب الفخمة)!! .. باختصار؛ تملك ولاية كيرلا جمالا ساحرا ومناطق خلابة، ولكن ينقصها الكثير من البنية التحتية والخدمات الضرورية للسائح - لدرجة كدت أندم على زيارتها لولا تحقيق حلمي بالإبحار في مياهها الخلفية والقيام بواحدة من أجمل الرحلات في حياتي.. .. لا تنسى إدخال الجملتين السابقتين في محرك جوجل!