خلال العامين الماضيين ومنذ أن تم تعييني سفيراً لكوريا لدى المملكة العربية السعودية كنت أواجه هذا السؤال باستمرار: ما هي الأسباب الرئيسية لنجاحات كوريا؟ وقد كان جوابي دائماً على هذا السؤال وما زال هو نفسه، إنها رؤية القيادة الكورية، والحكومة المسؤولة والمنظمة بصورة جيدة، وطموح التطوير لدى الشعب الكوري. وقد وجدت خلال هذين العامين أن السعودية وكوريا لديهما الكثير من السمات المشتركة. فقد أعجبت كثيراً برؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود فيما يتعلق بإصلاح التعليم من خلال تطوير الموارد البشرية وتحويل الاقتصاد السعودي إلى أن يكون اقتصاداً مبنياً على المعرفة والجهود المبذولة من المسؤولين السعوديين لجعل رؤية خادم الحرمين الشريفين المتمثلة بوجود حكومة فاعلة حقيقة واقعة، وموجة التعليم الكبيرة التي تشهدها المملكة والطموح والدافع لدى السعوديين بالتطوير واهتمام السعوديين بالثقافات الجديدة وغير ذلك. صحيح أن العلاقات بين كوريا والسعودية ليست بعمق تلك العلاقات وقوتها بين السعودية والدول المتقدمة، إلا أنني أرى أن الروابط بين بلدينا تنمو وتتعزز بسرعة كبيرة وذلك بسبب الجينات الثقافية المتشابهة بين شعبينا. وصحيح أن هناك فروقاً واضحة في الشكل بين شعبي البلدين إلا أنه لدى شعبينا سمات كثيرة مشتركة. فعلى سبيل المثال كل من الشعبين يحرص على بر الوالدين، وكلا الشعبين يتصف بالتكافل والتماسك العائلي، وكلا الشعبين يتصف بالسرعة والاستجابة الفورية والمتمثلة بعبارة "يللا يللا" العربية وعبارة " بسرعة بسرعة" الكورية. وكلا الشعبين يتصف بالهدوء والسهولة وهي هنا تتمثل بعبارتي "شوي" و "إن شاء الله" عند الشعب السعودي، وكلا الشعبين لديهما روح الدعابة والمرح "النكتة"، وكلا الشعبين لديهما ثقافة المجتمع "الأمة" وكلا الشعبين يساعد الفقراء "الزكاة". لقد انطلقت خطط التنمية الاقتصادية في كوريا في عام 1962 وهو نفس العام الذي شهد إقامة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وكوريا. فقد نجحت كوريا في تحقيق أعلى درجات التكنولوجيا الصناعية خلال السنوات الخمسين الماضية، إلا أن هذه النجاح لم يكن على حساب الثقافة والقيم الكورية. وهنا أعتقد أن تجربة كوريا في التطور يمكن أن يكون مثالاً يحتذى للدول النامية بحيث تطور صناعاتها دون المساس بالقيم والعادات والتقاليد. إن المجتمع السعودي مجتمع شاب بالنظر إلى تركيبته السكانية. ونحن نرى أن الجيل السعودي الشاب يبدي اهتماماً كبيراً بقصة النجاح الكورية وكذلك بالثقافة الكورية. فلقد قام حوالي 160000 مواطن سعودي بزيارة الجناح الكوري في مهرجان الجنادرية في فبراير الماضي حيث استمتعوا بالفولكلور والفن الكوريين وبالتراث والثقافة وكذلك بالتكنولوجيا الكورية الحديثة. كما يجدر الإشارة إلى أن أكثر من 200 طالب سعودي يدرسون الآن في الجامعات الكورية ضمن برنامج الملك عبدالله للمنح الدراسية. أضف إلى ذلك أن العديد من الطلاب السعوديين يتعلمون اللغة الكورية ويحضرون المحاضرات التي عادة ما تكون تطوعية من بعض زوجات الدبلوماسيين الكوريين في الرياض. وبالنظر إلى الذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا فإنني آمل أن يرسي بلدانا أسس التطور والإزدهار المشترك خلال الخمسين سنة القادمة. وكنقطة بداية قامت الحكومة الكورية وبنجاح بتنفذ برنامج تقاسم المعرفة مع وزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية وذلك في العام 2010 من أجل نقل المعرفة والخبرة المتعلقة بتطور كوريا. كما ستستأنف الرحلات الجوية بين عاصمتي بلدينا خلال شهر نوفمبر الحالي مما يمكن كل زائر من زيارة بلد الآخر بيسر وسهولة وبالتالي آمل أن نتعلم أكثر من بعضنا وعن بعضنا وأن نتشارك المعرفة والخبرات بصورة أكبر. إنني آمل أن أرى الشباب في كلا البلدين يعملان جنباً إلى جنب لخدمة وتطوير البلدين قريباً. وكسفير لكوريا، سوف أبذل قصارى جهدي لبناء جسر يفتح "طريق حرير" جديداً بين بلدينا وشعبينا في القرن الحادي والعشرين. إنني أتطلع إلى استمرار اهتمام الشعب السعودي بكوريا وحبه لها. * السفير الكوري لدى المملكة