بصفتي السفير الجديد لجمهورية كوريا لدى المملكة العربية السعودية منذ سبتمبر 2010، فقد اتيحت لي الفرصة بزيارة المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية في أبريل 2011. وهناك تعلمت عن الثقافات المتنوعة والغنية بمناطق المملكة المختلفة وأدركت أن شعب المملكة العربية السعودية يتمتع بقدر كبير من الفخر بثقافاتهم التقليدية كما أن لدي الكثير من الاحترام والتقدير للقيادة وللرؤية الثاقبة لخادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، لإقامة المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية في كل عام وذلك ليس بغرض التطوير والمحافظة على الثقافات التقليدية فحسب، بل لدعوة دولة أجنبية للمشاركة في ذلك المهرجان بهدف التحسين والتوعية بالحدث. وبزيارتي للمهرجان، فقد فكرت كثيراً في الطريقة التي أصبح واضحاً لي بأن الثقافات التقليدية بالمملكة مشابهة كثيراً لتلك التي بكوريا، حيث بدأت كوريا في أواسط القرن التاسع بالتواصل مع التجار المسلمين العرب. ومثلما هو الحال بالنسبة لشعب المملكة، فإن الكوريين يحبون إرتداء الملابس البيضاء (مما جعلهم يتمعتون بمسمى «الشعوب ذوي الملابس البيضاء»). وكما هو الحال في الإسلام، فإن واحدة من أهم القيم للمجتمع الكوري هو القيام بواجب الرعاية لوالديك واحترام كبار السن. وبالإضافة لذلك، فإن المساكن الكورية التقليدية مقسمة إلى قسم للنساء وقسم للرجال كما هو الحال بالمملكة فضلاً عن تخصيص جزء خاص بالضيوف حيث يرحب أهل البيت بالضيوف كما هو الحال في المجلس ويعامل الضيوف بغاية الاحترام والكرم. وأخيراً وليس آخراً، فإن دولتينا كليهما، لديهما حماس للتعليم المتميز والمحبة القوية لكرة القدم. وحتى مؤخراً، فإن كوريا كانت محافظة كثيرا عندما يأتي الحديث عن النوع (نساء / رجال). وقبل قرن مضى، فإن الذكور والإناث في سن ال (7) سنوات لا يختلطون ببعضهم ولا يجلسون مع بعضهم بعضاً وعندما تخرج النساء من منازلهن، فإنه عليهن أن يلبسن ملابسهن بطريقة مشابهة للحجاب والتي يطلق عليها «SSu-gae-chi-ma» وهو عبارة عن قطعة قماش لغطاء الرأس يغطي معظم أجزاء الرأس والوجه ما عدا العينين. وعليه، فإنه حتى بداية الثمانينات، فإن الأولاد والبنات من طلاب المدارس المتوسطة، يتلقون تعليمهم في مدارس منفصلة. وهذا أدى بدوره لقيام العديد من جامعات البنات بحيث لا يسمح للرجال بدخول تلك الجامعات (ليس هناك جامعات «مخصصة للرجال» تمنع النساء من التقديم لها. وعليه كانت هناك أصوات تقول في بعض الأحيان بأن مثل هذه الجامعات المخصصة للنساء تتسبب في إحداث تفرقة لها نتائج سلبية تجاه الرجال). وحتى الزواجات التي تتم، تكون عموماً نتاجاً لترتيبات بين العوائل في الأيام القديمة. وربما يكون بسبب هذه القيم العامة والتقاليد المتشابهة بين شعبينا، أنه منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا في عام 1962، فإن علاقات الصداقة والتعاون الثنائي بين بلدينا قد استطاع النمو بشكل مزدهر. وقد لمست هذه التبادلات على نغمة عالية في غضون السبعينات عندما كانت العديد من الشركات الكورية والعمال الكوريين قد جاءوا للمملكة للعمل في المشاريع الإنشائية. وفي ذلك الوقت فقط، بدأت المملكة وبشكل مكثف في تأسيس البنية التحتية للدولة وأن الفرص التي أتاحتها للعمال الكوريين، قد ساعدت في جعل كوريا بلداً صناعياً. وفي الحقيقة، عندما ينظر الكوريون إلى الماضي ويتذكرون عملية النمو الاقتصادي لكوريا، فإن ذكريات العمل بالمملكة العربية السعودية، تظل عزيزة وغالية عليهم. والآن، فإنه الوقت المناسب لبداية فصل جديد في علاقاتنا. وإذا كانت تبادلاتنا السابقة قد تركزت حول الطاقة، الإنشاءات والتجارة الاقتصادية، فإنه من الضروري لبلدينا اليوم العمل بجد واجتهاد لتنويع روابطنا عن طريق الدخول إلى مجالات أخرى مثل الأمن القومي، الثقافة، التعليم، الفنون والآداب والرياضة على أمل أن تكون السنوات الخمسون المقبلة، فرصة تتمكن فيها أجيالنا القادمة من التمتع بمزيد من التواصل القريب والغني بين بلدينا الصديقين. ولعل الخطوات الأولى نحو فصلنا الجديد قد آن أوانه حيث قدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الدعوة الكريمة لجمهورية كوريا للمشاركة في المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية بمناسبة الاحتفال بالعيد الخمسين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا. وبغاية السعادة والفرح، كانت حكومة جمهورية كوريا قد أعدت العدة لهذا المهرجان وذلك بالتعاون مع المختصين واستشارتهم في مجال الثقافة الكورية. وبناءً على ذلك، فإنه في الجناح الكوري بالجنادرية، سوف يتمكن أصدقاؤنا السعوديون ليس فقط من الإطلاع على تاريخ علاقات البلدين، بل أيضاً ستتاح لهم لمحات موجزة عن طبيعة كوريا، تاريخها، ثقافتها، عاداتها، التعليم والرياضة والمستقبل الكوري: كل ذلك يحصل عليه باستخدام آخر ما تم التوصل إليه من تقانات. وبالإضافة لذلك، فإنه سوف يتم عرض المهرجان لكوريا بواسطة وسائل الاعلام الكورية مما يمكن الكوريين في بيوتهم في كل مكان من حصولهم على الفرصة لمعرفة وإدراك عمق الثقافات التقليدية بالمملكة العربية السعودية. إنني آمل كثيراً في أن تتيح هذه الفرصة لشعبي البلدين، خاصة الأجيال القادمة، فرصة الفهم الأكبر عن «الثقافات التقليدية» لكل من بلدينا. كما أنني آمل أيضاً في زيادة التبادلات بين شباب البلدين بحيث إنه قد يأتي اليوم في القريب العاجل، والذي يكون فيه ممكناً مشاهدة سعوديين بشكل روتيني في شوارع كوريا وفي ذات الوقت، نشاهد العديد من الكوريين في شوارع المملكة مثلما شاهدنا ذلك ذات مرة خلال حقبة السبعينات والثمانينيات من القرن الماضي. * سفير كوريا الجنوبية لدى المملكة (رقم الصورة)