عصر الفضاء.. عصر الالكترونيات.. عصر جوجل واليوتيوب.. جميعها ألقاب نطلقها على عصرنا الحاضر!! ولكن الحقيقة التي لا يدركها معظم الناس أننا نعيش في عصر الإسراف وتراكم النفايات والزبالة!! ففي العصور القديمة كانت مشكلة النفايات اكثر بساطة وأسهل حلا، فالناس أصلا كانوا بسطاء ولا يستهلكون أكثر من احتياجاتهم (وهذا من حيث الكم) في حين كانت معظم نفاياتهم مواد عضوية (تتحلل بنفسها وتزيد التربة خصوبة). وحتى حين اخترع الانسان المدن كانوا بكل بساطة يعيدون بناء الجديد منها فوق نفاياته القديمة. فمدن أثرية مثل طروادة ونينوى وبومبي اكتشفت فوق طبقات من النفايات المتراكمة، لدرجة كلما تعمق علماء الآثار أكثر كلما اكتشفوا مدنا أقدم! ولكن في عصرنا الحالي من الصعب الاعتماد على أسلوب كهذا لأننا ببساطة نشرب العصير خلال ثلاث دقائق ونترك الزجاجة لثلاث مئة عام بدون تحلل.. وهذا يعني أننا نرمى نفايات أكبر وأسرع من قدرة الأرض على تحليلها كما كان الحال في العصور القديمة (ولولا فكرة نقلها بعيدا لدفنا تحتها خلال أيام)!! خذ على سبيل المثال حجم النفايات التي يخلفها المجتمع الامريكي.. ففي كل عام يرمون تسعة أمثال أوزانهم نفايات وبزيادة قدرها 350% عن جيل 1960.. والنفايات التي تخلفها أمريكا يمكنها ان تغطي سنويا ملعبا لكرة القدم لارتفاع 60 كيلومترا، في حين يمكن لعلب الالمنيوم التي يخلفونها بناء اسطول جوي ضخم لدول مثل ماليزيا والفلبين!! وبطبيعة الحال؛ الشعب الامريكي مجرد مثال لما يحدث - وما سيحدث - في جميع المجتمعات الحديثة.. والحل الوحيد مستقبلا لا يكمن في طمر او رمي النفايات بل في إعادة تكريرها والاستفادة منها. فمنذ عقدين فقط بدأ العالم يرى في النفايات مناجم رخيصة لإعادة التصنيع واستخراج المواد الأولية.. فاستخراج طن من ورق النفايات يمنع قطع 17 شجرة، وإعادة استعمال ثلاث سيارات قديمة، يكفي لانتاج سيارة جديدة، وتفكيك الهواتف والحواسيب القديمة يخفض قيمة الجديدة بنسب تتراوح بين 15 الى 75%. أما نحن الأفراد فنملك سلاحا قويا يعتمد على اختياراتنا الذكية في الشراء لصالح ما يتحلل بشكل طبيعي (مثل الأكياس الورقية) ورفض ما لا يتحلل لمئات السنين (مثل الأكياس البلاستيكية التي تسمم الأرض وتخنق الماشية وتمنع ضوء الشمس والأوكسجين عن مياه البحر). على أي حال؛ رغم أن ما تستخرجه الدول الصناعية مايزال أكثر (مما تعيد تكراره) إلا أن شح الموارد وارتفاع تكاليف الاستخراج من شأنه مستقبلا إجبارها على إعادة شراء منتجاتها السابقة وتكرارها كمنتجات خام.. بل لاحظ أن بعض الشركات بدأت تعمد منذ البداية الى تركيب منتجاته بطريقة تتيح لها - بعد عمر طويل - تفكيكها بطريقة سهلة وتكلفة أقل.. فشركة السيارات المعروفة BMW بدأت مثلا منذ التسعينيات ببناء سياراتها بأسلوب يتيح لعامل واحد تفكيكها خلال 30 دقيقة باستخدام يديه فقط. وهي بهذه الطريقة تخفض كلفة الانتاج وتستفيد من المواد الخام في انتاج سياراتها الجديدة! .. آمل ان تتفهم لجوءها لهذا الأسلوب.. فلا احد يريد الاضرار بسمعة ال BMW.