لم تكن الإعاقة يوماً حاجزاً عن الازدياد من المعارف والعلوم، ولا عائقاً عن إكمال التعليم والوصول إلى الدرجات العليا ونيل الجوائز وحصد الاهتمام الإعلامي والاجتماعي. (معاق) كلمة شديدة القسوة، عنيفة الأثر، ذلك أن المعاق هو الذي لا يبدع ولا يستزيد ولا يُطور من فكره أو مواهبه. وحسناً رأى عمار بوقس، قاهر المستحيل، حين اعتبر ذوي الاحتياجات الخاصة هم "ذوو قدرات خاصة"، الكثير منهم يبدعون وينتجون رغم سحق المجتمع لهم ومحاولات تحطيمهم من القريبين والبعيدين لكنهم مع ذلك استطاعوا أن يكسروا كل الحواجز والحدود. أهداني المبدع عمار بوقس كتابه: "قاهر المستحيل" وبتصفحه وجدت أن هذا الإنسان عاني الأمرّين من المحيط الإعلامي والجامعي والاجتماعي على حد سواء، عن معاناته في الدراسة يقول: "لم أجد الترحيب ولا القبول من قبل القائمين على قسم الإعلام بل وجدت منهم معارضة شديدة وعدم قناعة بدراستي في هذا القسم ونصحوني بالتوجه للدراسة في أحد الأقسام النظرية مثل اللغة العربية أو الدراسة الإسلامية وكانت حجتهم أن الإعلام ميدان يحتاج إلى الحركة والنشاط وهو ما يتعارض مع إعاقتي الجسدية". أحب عمار أن يتعاطى مع هذه الأطروحة على طريقته، فتخرج من الجامعة محققاً الأول في الترتيب على زملائه، مع مرتبة الشرف الأولى! الأفعال أعمق ردودا من الأقوال بكل تأكيد. الأدهى من ذلك أن أحد الأساتذة وصفه هو وزملاؤه ب"الحمير" حيث روى الحكاية: "من المواقف التي أذكرها أن أحد الأساتذة كان يشرح في إحدى المحاضرات ومن ثم توقف قليلاً وقال: هل تفهمون ما أقول؟ فصمت الجميع فقال: بالطبع لا، واتجه إلى أحد الطلاب وقال له: أتعرف لماذا؟ لأنك حمار، ومن ثم أخذ يسير في الفصل عند كل طالب ويقول له: أنت حمار، وأنت حمار حتى وصل إليّ وقال: أنت حمار، فقلت له: ماذا تقول؟ فصدم وقال: نعم ما المشكلة أنا أيضاً حمار، فقلت له إذا كنت ترضى أن تكون حماراً فأنا لا أرضى بذلك". غير أن بوقس اعتبر كل تلك المواقف "مهازل"، وبأنها فاكهة له هو ووالده على الغداء، فلم يأخذ تصرفات الناس المريضة على أنه هو المقصود بها، بقدر ما أخذها على أنها أمراضهم هم، وهم الذين يواجهون أنفسهم وأزماتهم. لم ترهقه كل العبارات الجارحة والقاسية من قبلهم. سألته: هل يغضبك المتهكمون بإعاقتك: أجاب فوراً: لا. اشفق عليهم، لا ألومهم بل ألوم المجتمع الذي بنى لديهم هذا السلوك. بآخر السطر؛ فإن هذا المبدع بوقس يشق طريقه بحرية وتؤدة، وهو يسير نحو المجد الذي أراده، ولديه هدف التغيير الاجتماعي وتعديل نظرة الناس عن ذوي الاحتياجات الخاصة وهذه قوة الإرادة والعزيمة.