بل إنها تخلّف حضاري، وكأننا لم نغادر العقود الأولى من القرن العشرين في تفكيرنا وتخطيطنا، وإيجاد حلول لمشاكلنا، ومجاراة العالم في ركضه اليومي نحو إنجازات تسمو بالإنسان إلى مدارك ومدارج لم يحلم بها إنسان القرون الوسطى، بل لم نحلم بها نحن، وظللنا نغط في سباتنا العميق، وأقرأوا معي هذا التقرير الذي يقول إن 75% من السعوديين يملكون سيارات تكلفتها 26 مليار ريال، ولم يشر التقرير إلى السيارات التي يملكها الوافدون، وأكاد أجزم بأن كل وافد يمتلك سيارة، إذ ليس أمامه خيار آخر فلا توجد لدينا أي مواصلات عامة في المدن الكبرى، والنتيجة لا تحتاج إلى وصف أو تعليق فإننا نعيشها في كل مشوار يومي نغامر به في مدننا، وهو مشوار يأخذ نصف يوم أو أكثر، وخاصة إذا كان إلى دائرة حكومية ليس فيها مواقف سيارات أو حتى إلى مستشفى يعاني من نفس المشكلة.. ولازلت أذكر وأنا هنا في باريس المشوار اليومي إلى مستشفى الجامعة في جدة عندما كانت زوجتي رحمها الله منومة فيه، كنت أقضي ساعة في الذهاب وأكثر من ساعة في الإياب ونصف ساعة في البحث عن موقف للسيارة، وحين كانت كل مدن العالم قبل قرن تمدد شبكة من مترو الأنفاق، وتخطط للمستقبل كنا نحن كما قلت نغط في سبات عميق، وأعظم مثل على ما أقوله هو ما قام به الجنرال ديجول عندما بنى ضاحية الديفانس حول باريس إذ أنشأ المترو الطائر قبل أن يضع أي حجر في الضاحية، وهذا ما تفعله دبي الان حين أقامت شبكة مترو رغم أنها لا تحتاج إلى مترو، ولكنها ستحتاج إليه بعد عشر سنين، وعندما فاتنا المترو بدأنا في بناء الكباري والأنفاق، ولكنها لم تحل المشكلة بل قد تكون زادتها تعقيدا.. والآن إذا أردنا أن نشيد مترو في أي مدينة من مدننا فسيكلفنا المليارات في نزع الأملاك فقط، وإذا كنا سنبنيه بنفس الوتيرة التي تنفذ بها بعض االمشاريع الآن فسيستغرق 20 سنة نتحول خلالها لكثرة ما لدينا من سيارات إلى دولة تستورد البترول .