بينما تسعى الدول إلى دعم المنشآت الصغيره والمتوسطة وتعزيز المنافسة والقضاء على الاحتكار بأنواعه بوضع المعايير السوقية التي تكشف من المحتكر، نجد أنفسنا نسير في الاتجاه المعاكس قد يكون بحسن نية أو قصر نظر (Myopia)، حيث يطغى حل القضايا الحالية في المدى القصير على الحلول في المدى الطويل وهو الأهم، مما يقوض الاستراتيجيات التي تهدف إلى رفع معدل النمو وتنويع مصادر الدخل وتوظيف الباحثين عن العمل. فقد تتسبب السياسات المالية والنقدية التوسعية في ارتفاع معدلات التضخم ولكنها ضرورية لدعم الاقتصاد في حالة الركود لتحقيق معدلات نمو حقيقية أعلى من معدل التضخم، لكن عندما يتجاوز معدل التضخم 5% فإن ذلك مؤشر على تراجع دخل الفرد الحقيقي (مصيدة زيادة الرواتب)، حيث يعتقد بعض الأفراد أن حد الأجور (3000 ريال) سوف تحسن من حياتهم المعيشية متجاهلين تباين أسعار السلع والخدمات التي ترتفع مع النزعة الاستهلاكية للفرد عندما يرتفع دخله. إن العبرة ليست في زيادة القيمة الاسمية للدخل وإنما القيمة الحقيقية للنقود ومرونة الأسعار حيث لا ترتفع بنسبة أكبر من نسبة الزيادة في الدخل، إذا ما كانت الزيادة مرتبطة بتحسن الانتاجية بدلا من الزيادة المتساوية لجميع العاملين دون تمييز. التضخم له أسباب وتداعيات يصعب معالجتها عندما يرتفع شهرا بعد شهر دون تشخيصه جيداً وذلك بمقارنة رفع الرواتب مع نسب التضخم الحالية لأن هذه النسب تقفز مع أي زيادة في الرواتب، مما يجعل دخل الفرد أسوأ مما كان عليه سابقا بما لا يتفق مع عدالة التوزيع (بيريتو: القرار العادل الذي يجعل الأغلبية أفضل مما كانوا عليه ولا يجعل الأقلية أسوأ مما كانوا عليه) . فقد تحاول الحكومة معالجة التضخم برفع دعم الأسعار أو ممارسة ضغوط على التجار ولكنها قد تجد أن ارتفاع أسعار المنتجات والخدمات فعلياً لا يمكن تعديله. لكن القرارات الحكومية الأخيرة سوف تتسبب في رفع أسعار السلع ذات الطلب العالي وليس بالضروري مؤشر التضخم الذي يحتسب على أساس متوسط أسعار سلة من السلع والخدمات حسب مجموعاتها، فبعضها يرتفع والبعض الآخر ينخفض وفي النهاية تتم التسوية ونحصل على معدل التضخم العام. إن هذه القرارات الحكوميه تتمثل في الدعم الحكومي وزيادة الرواتب وتقليص أيام العمل إلى خمسة أيام ورفع تكاليف العامل الأجنبي وكذلك القرارات التجارية من محاولة بيروقراطية إجراءات فحص المنتجات وقصر استيراد بعض المنتجات على شركات محددة أو بالوكالة وتكدس البضائع في الموانىء، جميعها تنذر برفع تكاليف مدخلات الأعمال والإنتاج وتحفز على احتكار القلة الذي بدأ يتبلور في مراكزنا التجارية سواء في قطاع الجملة أو التجزئة أو الخدمات. وهذا يتناقض مع مبادئ السوق الحر الذي تنشط فيه المنافسة كلما ارتفع عدد المنشآت في نفس القطاع وليس في اختلاف المنتجات المقصود منها خلق تمييز في الأسعار. إن الأهم والذي تم تجاهله لعقود من الزمن هو مقياس الاحتكار المبني على الحصة السوقية لكل شركة في نفس القطاع من إجمالي القطاع، كما هو مطبق في كثير من البلدان المتقدمة التي لا نجد فيها إلا حالات نادرة من الاحتكار. فلو تتبعنا الرقم القياسي العام لتكلفة المعيشة لوجدناه قد ارتفع من 136.5 نقطة في أغسطس 2011 الى 141.7 نقطة مقارنة مع أغسطس 2012 أي بارتفاع قدره 4% ولكن في الثلاثة الأشهر الأخيرة من يونيه حتى أغسطس ارتفعت التكلفة من 140.8 نقطة إلى141.7 نقطة أي بارتفاع 0.1% شهرياً. هذا يعطي مؤشرا أن ارتفاع الأسعار في اتجاه متصاعد مدعوماً ببعض القرارات الحكومية التي ترفع تكلفة المدخلات وتضعف المنافسة. لكن علينا أن نميز بين التضخم ( الارتفاع المستمر في الأسعار لفترة سنة) وبين ارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج أو الموسمية أو النقص في المعروض العالمي نتيجة لعوامل بيئية حتى يكون تحليلنا واقعياً.