أصابتني الدهشة عندما شاهدت برنامج (أكثر من رأي) الذي تبثه قناة الجزيرة القطرية في حلقة استضاف فيها البرنامج وزير خارجية قطر، وسبب دهشتي أن في ثنايا هذا اللقاء كان سقوط هذه القناة وانكشافها بكل وضوح بعد ما كانت تحتل مركز الريادة كقناة عربية سياسية. وسبب دهشتي أيضاً هو سقوط مذيع البرنامج بعدما كان محل ثقة الجميع إبان ترؤسه لمجلة المجتمع وأيضاً كان له كثير من الحوارات الناجحة والتي تدل على أنه مذيع ناجح وحواري من الطراز الأول ولكن ما الذي حدث له خلال استضافته لوزير خارجية البلد الذي يقيم فيه - بدون أي تعليق. من مشاهداتي للبرنامج ما يلي: 1- البرنامج اسمه (أكثر من رأي)، وهذا ما لم نشاهده بل كان رأياً واحداً فقط، والبرنامج في قناة شعارها الرأي والرأي الآخر، وهذا أيضاً ما لم نشاهده في البرنامج، بل كان الرأي والشور - شورك يايبه - بلهجة أهل الخليج، ودليل ذلك أن البرنامج مستضيف وزير خارجية قطر وهناك مشكلة شعب تم طردهم من الدولة وهم قبيلة المرة ومع ذلك تحدث البرنامج عن أهم قضية تشغل الشعب القطري برأي واحد فقط ولم تعط المساحة الكافية لهم ولو حتى من خلال التلفون لبعض من هذه القبيلة ولم يعط لهم أي مساحة لعرض مشكلتهم وأسبابها، ولا أدري أين ذهب مسمى البرنامج (أكثر من رأي) ولا أدري أين ذهب شعار القناة الرأي والرأي الآخر. ثم إن أحد المتصلين طلب المداخلة فرد المذيع وعلى الفور بأن البرنامج لا يسمح بالمداخلة بل بالسؤال فقط، وسمح لآخر بالتمجيد للمذيع وللوزير ولم يسأل أي سؤال! بل رد المذيع مبتسماً ب«شكراً». وهذا يعكس تماماً فكر هذه القناة بأنه إذا كنت تمجد فيا مرحباً، أما إذا كنت تنتقد فالشخصية التي معنا لا نسمح بأن تنتقدها فحاول مع شخصيات أخرى سوف نستضيفها لتجسد شعارنا الرأي والرأي الآخر. فهم من خلال ذلك بأن شعار هذه القناة وما تسوّق له من حرية في الطرح إنما هو لأي شخصية غير الشخصيات السياسية التي تنتمي لبلد القناة. 2- سيناريو الأسئلة كان مدروساً بحيث يوهم المشاهد بأن المذيع تطرق لأسئلة جريئة ويوهم المشاهد بأن الضيف كان على قدر عال من الوضوح والشفافية، وهذا لا ينطلي على فكر عقل المشاهد العربي الذي وللأسف الشديد وزير الخارجية القطري حاول تسفيهه، عند معرض كلامه عن علاقة قطر بإسرائيل فقال الوزير رداً على ذلك بأن «إسرائيل تعرف مستوى العقلية العربية وتلعب بهذه الورقة» فكان ذلك تمجيداً لإسرائيل بذكائها وتسفيه عقل العربي على حد قول الوزير، وبدون ما يتوقف عندها المذيع ويرد على الضيف على هذه الكلمة الخطيرة التي سفهت عقول العرب ومجدت إسرائيل. 3- سيناريو واضح عند كلام الوزير بأن أحد جيراننا الكبار وكأنه يتمثل بدبلوماسية وهو بعيد كل البعد عنها، والمذيع يقول له: أفصح، الكل يعرف بأنها السعودية، وكان هذا السيناريو معد ومحفوظ ومراجع ومتمرن عليه ساعات عدة، بأنه أنا صاحب الشخصية الدبلوماسية أحاول أن أكون دبلوماسياً وأنت يا مذيع تكون صريحاً، ويكون حققنا الهدف، وهذا ضحك بضحك، فالمشاهد العربي أكبر وأفهم من هذا المستوى بكثير. 4- حديث الضيف ومقاطعته من المذيع بشكل متواتر ثم طلب الضيف بأن يكمل، هذا أيضاً واضح فيه السيناريو المعد والمطبوخ سلفاً. وللفت أنظار المشاهدين بأن البرنامج قوي وجريء ويناقش هذه الشخصية السياسية بكل قوة وحيادية. وهذا يذكرنا بأغاني الثنائي أو (الديتو) على حسب مصطلح أهل الفن فكل فنان يعرف المقطع أو الكوبليه الذي سوف يؤديه ويتمرن على ذلك، ثم يغنون بتناغم وانسجام، والبرنامج وأغنية الدويتو تحتاج إلى تمرين حتى تظهر بأحسن صورة للمشاهد. 5 - المذيع حاول تضليل فكر وعقل المشاهد بشكل يدعو للسخرية، فحاول بأن ما تسببت به قطر من عداوة مع جيرانها كان بسبب وجود قناة الجزيرة وأنها تسبب لهم الصداع، وهذا ضحك ومدعاة للسخرية، لأن الإعلام الخليجي الآخر أصبح امبراطورية بوجود القنوات التخصصية الرائدة والمجلات والصحف العالمية الموثوق بها التي تصدر هنا وهناك. وقال أيضاً: بأن قطر انتهجت النهج الاقتصادي وهذا يزعجهم، وهذا خطأ أيضاً، لأن من صالح أي دولة اقتصادياً وليست فقيرة. وأخفى حقيقة عداوات قطر مع جيرانها أو عجز عن قولها أمام ضيفه. وأترك الحقيقة للقارئ العربي الذي نثق بعلو فكره ومستوى عقله.