عندما يرتكب أي فرد جرماً شائناً يعاقب عليه الشرع والنظام؛ فإن بعضاً من أفراد المجتمع يعممون هذا الجرم والفعل الشنيع على كامل أفراد أسرته أو منطقته أو جنسيته، دون وضعه في حجمه الطبيعي باعتباره تصرفا فرديا لا دخل للآخرين به، وأن وزر هذا العمل يقع على فاعله. وكلما كانت الجريمة رهيبة ومفجعة زادت نسبة التعميم لذلك الجرم وبدأ التحذير من كامل جنسية هذا المجرم، ولعل آخر هذه الجرائم المفجعة التي هزت المجتمع السعودي جريمة قتل الطفلة «تالا» في محافظة «ينبع» على يد خادمتها، حيث تجاوزت ردود الفعل لكثير من أبناء المجتمع إلى جميع الخادمات من أبناء جنسيتها أو حتى من الجنسيات الأخرى بالتشكك المفرط تجاههم، رغم أنّ هناك مئات الآلاف من جنسية الخادمة -صاحبة الجرم الشنيع- لم يصدر منهن شيء وأدين أعمالهن بالشكل المطلوب مع الأسر اللاتي عملن معها طوال فترة إقامتهن. تبعات تصرف وأكّد «محمد البكري» على أنّ ردود الفعل تجاه الحادثة عاطفية بشكل ملفت مع أنّه لا يمكن تحميل آلاف الخادمات تبعات تصرف خادمة واحدة «لا تزر وازرة وزر أخرى»، مشيراً إلى أن معظم الأسر السعودية كانت تتشوق إعلان الاستقدام من «إندونيسيا»، وبعد هذه حادثة «تالا» المؤلمة قد تتغير نظرتهم تماماً بسبب التضخيم والتعميم. تقييم الأخطاء وذكر «عبدالله العمري» انّ الحادثة تذكره بطائرة «ترايستار» التي وقعت في مطار الرياض عام 1399ه وكان عدد ضحاياها (301) شخصاً، حيث ضجت بها الصحافة والمجالس حتى صارت حديث المجتمع، بينما يموت سنوياً أكثر من عشرة أضعاف هذا الرقم على الطرق دون إثارة ضجة، والسبب هو اختلاف طريقة الحادث، حادث «تالا» -جعلها الله شفيعة لأهلها- مأساوي وما ترتب عليه من أحداث أكثر مأساوية، لكننا مجتمع لم يعترف حتى الآن بأهمية الإحصاءات في تقييم الأخطاء. أسر تعاني من «صدمة تالا» وبالغت في درجة الخوف.. والنهاية «عيالنا في أحضانهم» تأجير العمالة واعتبرت»أم هيثم» أنّ ردود الفعل مبنية على أسباب اجتماعية، إلى جانب رغبة بعض الشركات فتح باب تأجير الخدم والسائقين دون استقدامهم أو كفالتهم، ومن أراد أن يستقدم عاملة منزلية فعليه التوجه للشركة لاستئجارها بمبلغ تفرضه الشركة شهرياً وتبقى على كفالة الشركة، مبينةً أنّ هذه الفكرة ليست في صالح الأسر لأنّها سترفع أجور العاملات إلى أضعاف ما هي عليه الآن، والمستفيد هو الشركة، لافتةً إلى أنّ من تصطحب أطفالها إلى العمل الأفضل لها التقاعد أو إلحاقهم بأقرب دار حضانة أو روضة؛ لأنّه يصعب عليها أن تكون منتجة وأطفالها معها في مقر عملها، مشيرةً إلى تعميم الخوف غير مبرر، فعدد الخادمات لا يقارن مع قضاياهن، موضحةً أنّها شخصياً لا تستطيع الاستغناء عن العاملة المنزلية. تضخيم الأحداث وقالت «سهى بطرس» -متخصصة حقوقية- انّ التعميم يقصد به إصدار الأحكام بدون دليل أو برهان، وتعني أيضاً نشر الأحداث والمواقف على مساحات أخرى غير مساحتها الفعلية والواقعية التي حدثت فيها، وإعطاءها حجماً أكبر من حجمها الذي تحتملهُ وتسمى عادة «القفز إلى الخاتمة»، وتعتبر ظاهرة أو حالة يكون لها تأثيرها السلبي وصداها في المجتمع، حيث يسارع البعض إلى التحليل والتصنيف والمزايدة والتحجيم والتنسيب، غير عابئين بما قد تسببهُ تلك الأحكام الصادرة منهم من آثار سلبية على المعنيين وعلى المجتمع بكل شرائحه، فبدل أن نحكم على موضوع ما أو شخص ما نتيجة ذلك الفعل نجد أننا قد حكمنا على الآلاف من البشر نتيجة فعل ذلك الشخص. نظرة تشاؤمية! وأضافت «سهى» انّ التعميم في الحكم -خاصة إذا كان الموضوع سلبياً- أصبح جزءاً من شخصية البعض، مبينةً أنّ ذلك ينتج عنه نظرة تشاؤمية للحياة؛ فالشخص عندما يحكم عليه أن ينظر إلى اللحظة فقط وما حدث فيها بالضبط وليسَ على الحياة كلها أو المجتمع كله، معتبرةً أنّ من يلجأ إلى هذا الأمر لديه قصر نظر وقلة خبرة بالحياة والأشخاص، فهو غير مُدرك بأنّ فعلته هذه ستسبب الأذى للآخرين وتؤثر عليهم وعلى نفسيتهم، فمجرد موقف بسيط مع شخص ليس معناه أنّ الجميع يكرهونك، وفشل بسيط في الحياة لا يعني أنك شخص فاشل، مشددةً على ضرورة عدم خلط كل المواقف ببعضها أو تعميمها أو تحميل أخطاء البعض للآخرين ووضعهم جميعاً في سلة وكفة ميزان واحدة، لأنّ هذا لن يقود إلاّ إلى طريق مسدود ومفاهيم مغلوطة. نشر الصورة الذهنية السيئة عن الخدم دفع البعض لإساءة معاملتهم تنافر المجتمعات وأشارت «سهى» إلى وجوب عدم الأخذ بأسلوب التعميم والعمل على إيقاف انتشار هذه الآفة في تناول بعض المجتمعات لسلبيات مجتمعات أخرى؛ مما يسبب التنافر بين الشعوب وترويج السلبيات، مبينةً أنّ التعميم صفة مذمومة وتشكل خطورة على ثقافة ورقيّ المجتمعات، والتخلص منها الآفة خطوة صحيحة لفهم الآخرين، مضيفةً أنّ الأمور السلبية التي تصادف الإنسان كثيرة خلال حياته سواء في العمل أو البيت وغير ذلك، وإذا أصابه غم أو وقع في مشكلة وتكررت لمرتين أو ثلاث فلا يأخذ ذلك ويُعمم أنّ كل حياتهِ ستكون هكذا، حيث انّه كما توجد في الحياة سلبيات فالإيجابيات فيها أكثر، وإذا كان هناك شرّ فالخير أيضًا مُوجود وبشكل أكبر، متسائلةً: «بدل أن ننشر هذه السلبيات ونُعممّها، لمَ لا نروج للأشياء التفاؤلية التي تُصادفنا في حياتنا ونسعد ونُسعد بها غيرنا بتعميمها عليهم؟». قوة الشائعات وبيّن «عمر عبدالله الشهري» -مشرف تربوي- أنّ التضخيم والتعميم للأحداث فيه ظلم للأبرياء، وفي حادثة مقتل «تالا» على الرغم من شناعة الجريمة إلاّ أنّ التعميم على جميع بني جنسيتها خطأ، ولكي ندرك ذلك دعونا نسأل: كم عاملة «إندونيسية» في المملكة؟، ثم كم نسبة الجريمة إلى نسبة السلامة؟، إنّها بالتأكيد نسبة لا تكاد تذكر، ومن يرى عدد الأطفال الذين تصطحبهم أمهاتهم كل صباح يدرك مدى قوة وتأثير هذه الشائعات. وأضاف انّ التعميم يعود لأسباب منها كون فئة من المجتمع تعارض فكرة وجود الخادمة من الأساس، ولذلك تضخم الحادثة وتفتعل رسائل مكذوبة عبر وسائل الاتصال المختلفة، وربما يعود الترويج والتضخيم إلى أصحاب مكاتب الاستقدام من جنسيات أخرى لزيادة الطلب عليهم، خصوصاً وأنّ الجنسية «الإندونيسية» هي الأكثر طلباً. تعدد مسؤوليات الخدم إلى درجة شراء أغراض المنزل يثير ردة فعل التعامل الإنساني مع الخدم يترك أثراً إيجابياً في العلاقة مع الأسرة خادمة افريقية سرقت مجوهرات مكفولتها ولكن لا نعمم الجريمة