الدولة بسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقانونية هي التي تؤمّن الأمن والعدل للناس، ومن أجل هذا قامت المحاكم وأنشئت السجون وطبقت العقوبات لمن يخرج عن القانون ويعتدي على الآخرين، كما أن المرافعات أمام المحاكم قد تنتهي إلى تبرئة المتهم، والمبدأ يقول إن المتهم بريء حتى تثبت ادانته. ما حدث في قرية كترمايا في لبنان كان بمثابة معالجة الجريمة بجريمة. الموضوع متروك للمختصين بهذه القضايا وما أردت أن أكتب عنه اليوم حول هذه القضية هو المعالجة الإعلامية حيث تنبري بعض وسائل الإعلام إلى سلوك طريق الإثارة وكأنها تؤجج ردود الأفعال بل كأنها تسعى إلى توتير العلاقات بين الدول بسبب أفعال فردية. الجانب الآخر في هذه القضية وما يماثلها هو الوقوع في خطأ (التعميم) حين نتعامل مع سلوك فرد أو مجموعة أفراد، وننتزع من هذا السلوك صفات نطلقها على المجتمع كله. وقد انتشرت فكرة التعميم حتى تكاد تتحول إلى ظاهرة من شأنها إحداث شرخ في العلاقات سواء بين الأفراد أو بين الدول، وربما تقوم حروب بين دولة وأخرى لأسباب لا علاقة لها بالاحتلال أو الخلافات حول قضايا سياسية أو اقتصادية وإنما لأسباب نفسية، أو بسبب منافسات رياضية! وحين تتوتر الأجواء بفعل بعض وسائل الإعلام المنفلتة يظهر العقلاء من السياسيين والمثقفين لإشاعة الهدوء، والتحاور بموضوعية وعقلانية بعيداً عن ردود الأفعال الانفعالية التي تتأثر بالعاطفة وقد تقود إلى سلوك مخالف للقانون قد يصل إلى حد الجريمة. نعود إلى ظاهرة التعميم التي أصبح كثير من الناس يلجأون إليها في إصدار الأحكام لأنها عملية سهلة ولا تحتاج إلى جهد فكري. هدا الكسل الفكري يقود المعمم إلى أن ينطلق من فعل فردي صغير إلى ربط المجتمع بكامله بصفات قاطعة. ومثلما نصدر أحكام التعميم على المجتمعات فكذلك نفعل تجاه الأشياء والأشخاص والأفكار. الجريمة التي ارتكبها المصري محمد مسلم في لبنان هي جريمة فردية تحصل في كل مكان ولا يمكن تعميمها على المجتمع الذي ينتمي إليه. ومن نفس المبدأ فإن سلوك مجموعة من أهالي قرية كترمايا اللبنانية وردة الفعل المتطرفة التي أدت إلى مقتل قاتل أربعة أشخاص من عائلة واحدة هذا السلوك، لا يمكن أن يعمم على الشعب اللبناني، فهو سلوك غير حضاري، وغير منضبط، وناتج عن ثورة غضب لمجموعة من الأفراد لم يكن بينهم قائد يستطيع السيطرة على ثورتهم بالمنطق، والاتجاه نحو طريق العدالة. الوجه الحضاري للبنان عبر عنه وزير العدل اللبناني الذي اعتذر عن حادثة قتل وسحل الشاب المصري، كما أن تعليق السفير المصري في لبنان اتسم بالعقلانية والمعالجة الهادئة. إن ما حصل هو تجربة لابد أن نستفيد منها في كيفية التعامل مع الأحداث المماثلة. نتذكر في هذا الشأن وجود اتفاقيات بين الدول في مجال تبادل المجرمين، وهناك قوانين خاصة بكل بلد، وفي بعض الأحيان تتدخل دولة ما للدفاع عن شخص يحمل جنسيتها وتتسرع في إصدار الحكم ببراءته دون أن تنتظر رأي العدالة في الدولة التي اعتقل فيها. يحدث ذلك بتأثير المواقف العاطفية التي يفترض أن لا تؤثر في القرارات السياسية، والعلاقات بين الدول. حتى الدول المتقدمة التي تعتز بقوانينها وباستقلالية القضاء تلجأ أحياناً إلى الدفاع عن أفرادها الذين يرتكبون الجرائم في دول أخرى وتتهم القضاء وتطالب بالإفراج عنهم، وحين يحصل العكس ترد هذه الدولة باستقلال القضاء. إنه عنوان التناقض.