يتفق الكثير من أبناء المملكة على أن قضايا التعذيب سواء ضد القريب أو البعيد، أمر لا يمكن إنكاره في أي مجتمع، لكنها لا تعد المظهر الحقيقي لأخلاقيات مجتمع، الأمر الذي تعززه الوقائع والأرقام والإحصاءات المتوفرة في الجهات الأمنية أو المستشفيات أو لجان التخاصم أو في السفارات المعنية. وإذا كانت كل المجتمعات تشهد بين الحين والآخر بعض الحوادث الشاذة، فإن الرغبة في تضخيم الحدث، وعلى أنه عقوبة جماعية يجعل علامات الاستفهام تدور رحاها في العقول، لماذا محاولة الالتفاف على الحقائق؟ ولماذا تصوير الأمر على أنه حالة مسلم بها؟. وإذا كانت هناك خادمة تسببت في مقتل طفل منذ أشهر، بإرضاعه سم الفئران، وأخرى أرضعت طفلا فضلات بشرية، وثالثة كانت تجلد الأطفال برحيل الأهل في رحلات العمل اليومية، فهل يمثلن هؤلاء كامل الصورة لنحو مليون خادمة يعملن في المملكة، وتحتويهن المنازل، من أوسع أبوابها؟ وهل بادرت الأسر بطرد جنسية بعينها من أجل حادثة خادمة تنتمي لذات الجنسية؟ صحيح أن بعض الخروقات ربما تفتح باب التصحيح، لكن الأصح أن تحوير المواقف والحوادث، يجعل الرغبة في التصحيح أمرا في غاية الصعوبة، فماذا يحدث في المنازل سلبا أو إيجابا؟ وهل التوعية للأسر السبب في ظهور الحالات الفردية، أم السبب في غياب أو تغييب التوعية للخادمات، مما يولد السلوكيات الشاذة في المجتمع، والغريبة على ديننا، والتي لا يرضاها أحد سواء كانت هذه الأفعال المسيئة تأتي كرد فعل، من جانب الخدم أنفسهن أو لقسوة في الطباع، أو سوء تصرف من جانب بعضهن؟ محرومات من التوعية اتهم نائب المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالجبيل الشيخ إبراهيم السلطان، بعض الأسر السعودية بمنع خادماتها من فرصة التوعية، في المكاتب المنتشرة في المدن المختلفة: «للأسف بعض الأسر السعودية لديها تحفظ كبير تجاه هؤلاء الخادمات، حيث يمنعونهن من التثقيف والتوعية عن طريق زيارة مكاتب مثلا أو حضور المناسبات المختلفة بدعوى عدم اختلاطهن مع خادمات أخر ، لكيلا يحرضن بعضهن البعض، وهذا سبب لنا مشكلة كبيرة في كيفية التواصل معهن». وشدد على أن «الخادمات في أي بلد آخر نجدها مثقفة وتجيد اللغة العربية أو الخليجية بطلاقة بعكس الخادمات لدينا اللاتي لا يجدن سوى كلمتين أو ثلاثة فقط، وهذا بسبب منع بعض الأسر توعية وتثقيف الخادمات بعكس حرص الأسر الخليجية أو العربية مثلا في هذا الجانب». وأشار إلى أن «بعض الأسر تريد أن تعمل الخادمة 24 ساعة دون توقف بعيدا عن التوعية أو التثقيف وهذا أحد الأسباب أيضا». وبين أن لديهم العديد من الأنشطة واللقاءات التي تخص الخادمات «لدينا العديد من المناشط الدعوية لهن ونقوم بتوزيع المنشورات والكتيبات عليهن في أي مكان كما قمنا بعمل محاضرة قبل فترة زمنية ماضية حضرها أكثر من 60 خادمة كان لها الأثر الكبير في تقويم بعض معتقدات الخادمات عن الإسلام، كما يوجد لدينا داعية وزوجته لدعوة مثل هؤلاء الخادمات». خوف من التمرد ويعترف سعد العمري من الجبيل أن خادمتهم الإندونيسية خديجة 33 عاما من الجنسية الإندونيسية لديهم منذ ستة أشهر، تلقى معاملة إنسانية جيدة جدا، إلا أنه يتم منعها من الاطلاع والمتابعة على الأحداث العالمية، خوفا من تمردها «نتيح لها التسوق في الأسواق وشراء كل متطلبات الحياة، لكننا لا نهتم كثيرا بتوعية الخادمة، ومشاركتنا في الأحاديث والقضايا المتعددة، ومنها حادثة خادمة المدينة، حيث حجبنا كل وسائل الإعلام عنها، وأعتقد أنه العرف عند أغلب الأسر السعودية، حيث تمنع الخادمات من متابعة الأخبار، التي تعجل أحيانا برحيلها، لبلادها، بسبب ما يعانين منه من ضعف إيمان، ويتأثرن من لا شيء أحيانا، وحين يقررن السفر فإنهن يحتالون الحيل والأكاذيب من أجل السفر إلى بلادهن، لكننا بشكل عام نحرص على توفير كل متطلباتهن لنضمن بقاءها أكثر مدة زمنية». وأشار إلى أن أغلبية الأسر «تحرص على منع اختلاط الخادمات من بعضهن البعض وهذا يعود لأسباب، منها أن بعض الخادمات تحرض الأخريات على عدم العمل والتهاون فيه وهذا للأسف يحدث في الكثير من المنازل». لا أخبار وتتفق ربة منزل في الجبيل أم أحمد، على أنه من الضروري منع الخادمة من أي نوع من التوعية «لدي خادمة إندونيسية، وتلقى معاملة حسنة تعترف بها بنفسها، لكننا لا نفضل اطلاعها على كل ما يدور في العالم، لأننا نريد الاحتفاظ بها، الأمر الذي يحول في حالة اطلاعها على الكثير من الأمور، في ظل ضعف الإيمان، لأنها ربما بأبسط خبر تريد العودة إلى بلادها، وأحيانا لا تكتفي بالاتصال الهاتفي، ما يضاعف معاناتنا». تصرفات غريبة السعودية «ص . ع» ترى أن خادمتها لا تحسن التعامل معها «بسبب عدم فهمها كلامي، حيث لا تنفذ التعليمات إلا بعد الصراخ عليها سواء مني أو من زوجي، ولا نعرف السبب في ذلك، لكننا للأسف نضطر للبقاء عليها بسبب التعقيدات في الاستقدام، وكنا نتمنى تسهيل الإجراءات الأمر الذي لا يجعل أي أسرة تحتفظ بخادمة لا تتوافق مع متطلباتها، الأمر الذي ربما يفاقم الحالة النفسية ما يترتب عليه الخروج عن الحالة العامة». مرض نفسي وتعتبر الاختصاصية النفسية زهوة العتيبي التسلط على الخادمات يعد من الأمراض النفسية «ليعلم الجميع أن هذه الخادمة ضعيفة في بيت كفيلها، ولم تحضر من بلادها إلا لكي تعمل، وإذا لم ترغب فيها الأسرة تستطيع إعادتها لمكتب الاستقدام، أو تسفيرها، بدلا من الإساءة إليها أو تعذيبها، لأن النفس البشرية لم تخلق على حب التسلط والتعذيب؛ لأنهما صفتان مخالفتان لفطرة الله وشريعة الإسلام، وهذا يعد قانون الغاب الذي لا يرضى به الضمير البشري». سلطة الضمير وأشارت إلى أن «الجريمة أو الاعتداء على شخص معين، لا يعد تعميما على الكل، فالجريمة هي الجريمة من الخادم أو المخدوم، وهناك من المخدومين من يمارس السلطة على العاملات الضعيفات بغير وجه حق، سوى أنه رب عملها، أو أنها سيدة المنزل، تلك المعاملة السيئة ينتج منها انتقام من الخادمة ربما طال الأبناء، وأننا عندما ننظر إلى الخدم هل هم ضحايا؟ نجد أن منهم من قام بحوادث شنيعة ضد أطفال رضع لم يكن لهم حول ولا قوة، وليعلم الجميع أنه ليس للنظام سلطة على الضمير، فكم من الحالات نسمع عنها لم يصل إليها النظام، وسكت عنها المجتمع المحيط بالجاني، فقد وقفت على حال إحدى الخادمات التي كانت لدى أسرة بمدينة الرياض، وكانت سيدة المنزل تمنعها من الأكل، وتحرمها لمدة يوم وتمارس عليها الضغوط النفسية بالشتم والسب، وأحيانا بالضرب وغاب عن هذه السيدة أن هناك المنتقم الجبار كما قالت الخادمة، كما ليس هناك ما يدعو إلى الإساءة إلى الخادمة، سواء أسرفت الخادمة أو تصرفت في المنزل، فحدود عمل الخادمة تحدده الأسرة». دور الخادمة ويعيب أستاذ علم الاجتماع عوض السبيعي، على بعض الأسر عدم تنظيم دور الخادمة في المنازل «من الخطأ أن نحملها كل شيء، ونضع الأعباء عليها، وعندما تقصر في أحد الواجبات نحاسبها أشد الحساب، وعلينا التعامل معها على أنها بشر، ويجب أن تحدد لها ساعات العمل والراحة، وعدم تحميلها أكثر من طاقتها، ثم إن العقاب ربما ينتج منه انتقام خفي من الخادمة، ضحيته أبرياء، بالإضافة إلى عقاب السلطات المختصة، التي لا ترضى بالسوء أيا كانت طبيعة الجاني». لكن أم فهد تتساءل «أليست الخادمات يمارسن الكثير من الأفعال المشينة في حق المجتمع، ويصعب اكتشافها؟ هناك من الخادمات من تقوم بأعمال مشينة ومسيئة للأسرة، وربما لا تكتشف الأسرة هذه الأعمال إلا بعد فوات الأوان، فخادمتي الإندونيسية كانت تضع في البهارات بعض من فضلاتها، ولم يتضح الأمر إلا بعد سفرها، برغبتها». ويتهم معلم تربوي خالد محمد الخادمة بأنها وراء كل المشكلات «لأن الكفيل لم يستقدم الخادمة، إلا من أجل العمل، ولكن عندما تلف وتدور وتعبث في البيت أو تهرب، ماذا نعمل؟». حالات فردية وتروي أم محمد، تعاملها مع خادمتين، إندونيسية وسيرلانكية منذ زمن طويل «أتعامل معهن بكل رأفة وهدوء، بعيدا عن التذمر والعصبية والضرب، فهؤلاء الخادمات لولا حاجتهن للمادة لما ضحين بأهاليهن وأزواجهن وأبنائهن وبلادهن للحضور إلى هنا للعمل، وبالتالي يجب أن تتعامل الأسر مع هؤلاء الخادمات كأنهن أبناء لهن، وما نسمع من ضرب أو معاملة غير حسنة، فهذا للأسف يمثل حالات فردية ولكن الغالبية العظمى تعامل هؤلاء الخادمات بكل طيب». لا تريد العودة وتشير السيدة نوف البحيري إلى أنها تعامل خادمتها بما يحب الله ويرضاه، على مدى تسعة أعوام قضتها معها «لا تريد الذهاب أو السفر إلى بلادها، وتتمسك بالعمل معي، لكنني أعتقد أن الصراحة وطيب المعاشرة السبب في البقاء». ونجحت العلاقة الإيجابية بين لؤلؤة عيسى وخادمتها التي تعمل معها منذ عقدين في استقدام ابنتها لمساعدتها. الأكثر إشكاليات ويصنف عمر جمال من مكتب استقدام جنسيات الخادمات حسب إثارة المشكلات، بأن الإندونيسيات ربما الأقل إثارة للمشكلات داخل المنازل، فيما السيرلانكيات الأكثر إثارة للمشكلات «اضطررنا لإيقاف الاستقدام من سيرلانكا لكثرة الشكوى، وفي حال رفض الخادمة العمل أو في حال مرضها يتم تسفيرها إلى بلادها وتعويض الكفيل بأخرى». لا أحكام ويرى مسؤول أحد مكاتب الاستقدام بالجبيل ياسر محمد أن بعض الأسر السعودية اعتادت على نمط معين في الحياة، الأمر الذي يصعب على بعض الخادمات التكيف معه في المملكة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى وجود مشكلات تتطلب ترحيل بعض الخادمات «لا يمكن أن نحكم على جنسية معينة تثير المشكلات، ولكن بحكم عملنا هنا فإن الخادمات من الجنسية السيرلانكية أكثر الجنسيات إثارة للمشكلات، نتيجة وجود سماسرة بين مكاتب الاستقدام هناك وبين الخادمة، يدفعونهن لسوق العمل في السعودية، مع إيهامها بعودتها إلى بلادها بعد ثلاثة أشهر، والطلب موجود على الخادمات ويختلف من وقت إلى آخر، فبعض الأوقات يزيد الطلب على الخادمات من إندونيسيا، وبعض الأوقات يكون الطلب حاضرا وبقوة على الخادمات السيرلانكيات وبالتالي يختلف الطلب من وقت إلى آخر». تصرفات شاذة ويصف السفير السعودي في إندونيسيا عبدالرحمن الخياط مثل هذه الحوادث والقضايا بأنها حالات شاذة ونادرة ولا تمثل أي نسبة إطلاقا «لا يمكن أن نعممها على الجميع، وهناك مطالبات مستمرة من قبل الإعلام هنا والرأي العام بضرورة حماية هؤلاء الخادمات عن طريق مثل هذه العقود، ولكن وضحنا لهم أن مثل هذه المطالبات تتم عن طريق الحكومتين السعودية والإندونيسية وكذلك عن طريق وزارتي العمل في البلدين». وشدد على أن كل الحالات تتم متابعتها بشكل مستمر، وترفع التقارير بصورة عاجلة فيها، وكل ما يهم الإعلام والرأي العام بجاكرتا هو تقديم الجاني للعدالة، وأخذ عقوبته، وهو أمر لا يختلف عليه أحد، بل إننا نحرص عليه، وكل القضايا تسير في مجراها الطبيعي، ويقدم الجناة للعدالة، وهذا ما أكدناه هنا، ولقي القبول والرضا من الجميع»