إذا قرأنا إحصائيات التحرش الجنسي في العالم العربي عامة وفي السعودية تحديداً، نفاجأ بالارقام المهولة. هذه الإحصائيات المرصودة، ولا تسأل عن الإحصائيات المهملة. أبرز أسباب التحرش البشع هو ضعف توعية الأبناء بالأساليب التي يواجهون بها مثل هذا التحرش، وضعف الحوار مع الأبناء بشكل عام. تنحصر في كثير من الأحايين علاقة الوالدين بالأبناء بالحث على أداء الفروض والواجبات المدرسية والاجتماعية والمنزلية. لا يأبهون في بعض الأحايين إلى الحوار المهم بين الوالدين والأبناء. ويعجبني بعض الآباء الذين يعتبرون أبناءهم وبناتهم أصدقاء لهم يستشيرونهم ويحاورونهم بكل أريحية. في لقاء جمعني بالتربوي والاجتماعي الدكتور جاسم المطوع اقترح مجموعة من الأساليب لتجنب التحرش الجنسي، ويمكن لهذه الأساليب أن تعلّم للأطفال، أول الأساليب أن يصرخ الطفل بصوت عال حين يتحرش به أحد وذلك بعد أن يعلّم بأماكن المس المسموح وأماكن المس المحظور فالطفولة يجب أن تحرس، الأسلوب الثاني أن يركض بسرعة هارباً من المتحرش البشع، الأسلوب الثالث أن يخبر من هو أكبر منه من الذين صادفهم حوله بالذي فعله الشخص. هذه الأساليب صمام أمان وحين تدرّس بانضباط فعليّ يعلم من في نفسه مرض أن الأمر ليس كما يتخيّل، وبالفعل هناك قضايا تحرش في حياتنا، عدم الاهتمام بها، يجعلنا كالنعامة التي تدس رأسها في التراب حتى لا تواجه الحقيقة! سمعتُ عن نماذج حوارية تقام في البيوت بين الوالدين أو أحدهما وبين الأبناء. تطرح فيه كل الأسئلة بدون تردد، يطرح الأبناء أي سؤال.. نعم أي سؤال يخطر في باله، بلا محظورات أو ضوابط أو حياء، هذه الجلسات رائعة ومهمة حتى يتمكن الإنسان من بناء نفسه بناء قوياً يستطيع معه أن يفهم الحياة بشكل أكبر. أدونيس الشاعر السوري ألف كتاباً ضم حوارات بينه وبين ابنته "نينار" أجابها عن كل شيء وسألته عن كل شيء تقريباً، أكبر الأسئلة حين باغتته بسؤال الموت فأجابها: "أنا أعتقد أن الحياة تغادر الأفراد وتتخطاهم أياً كانت أهميتهم أو عظمتهم سواء كانوا آباء أم أصدقاء أم رؤساء أم شعراء كل عظماء التاريخ تجاوزتهم الحياة. لهذا فإن الحياة لا تتوقف، وهو ما يؤكد أن البقاء ممكن، على الأب أن يعيش بعد موت والده، أو بعد موت ابنه أحياناً، علينا أن نتقبل الموت بوصفه جزءاً من الحياة، فإذا مات والدي فلا يمكنني أن أموت معه، بل عليّ أن أستمد قوة من قوته". بمثل هذه الحوار تبنى الأسر والعائلات والمجتمعات.