حكومة خادم الحرمين الشريفين أولت اهتماماً وعناية خاصة بالخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، وهو ما تؤكده الموازنات السنوية الضخمة التي تخصصها لوزارة الصحة، والتي شهدت زيادات مستمرة لتصل 60 مليار ريال، وهذا الرقم في كثير من البلدان يعادل موازنتها السنوية الكلية إن لم تكن أكثر، وعلى الرغم من ذلك لا تزال أصوات المواطنين تتصاعد بالشكوى من استمرار الأخطاء الطبية، وسوء توزيع الخدمات الصحية بين مناطق المملكة، ونقص الأسرّة، وتباعد المواعيد الطبية، ما يعني بأن أثر هذه الموازنة الضخمة لم يشعر بها المواطن حتى الآن. أردت عبر هذه المقدمة التعليق على الدراسة العلمية التي نشرت خلال الملتقى الرابع الذي نظمته الجمعية السعودية للادارة الصحية مفادها أن 90٪ من مديري المستشفيات لا يحملون المؤهل العلمي في تخصص الادارة الصحية أو إدارة المستشفيات مما يعني أن مستشفياتنا المسؤولة عن أرواح المواطنين تدار بالتجربة والتعلم بالخطأ وبنهج لا علاقة له بالادارة المتخصصة. اعتقد ان هذه الدراسة وضعت اليد على الجرح وكشفت جانباً مهماً من جوانب الفشل الإداري في القطاع الصحي، ومن هذه النقطة يمكن أن نبدأ في قيادة تحوّل نوعي على مستوى الخدمات الصحية التي تقدم للمواطن، ذلك أن أهم عنصر لنجاح أي مؤسسة، هو وجود إدارة متخصصة في مجال عملها ونشاطها، ولا يمكن أن تدار مستشفيات بكفاءات غير متخصصة في الادارة الصحية، وينتظر منها أن تحقق الأهداف الصحية المنشودة والتي تخصص لها سنوياً تلك الموازنات الضخمة. لا أجد مبرراً مقنعاً لتولي الطبيب مهام مدير إداري أو مدير شؤون صحية كون هذه المهام تتطلب تخصصاً ومهارة إدارية علمية، وإلماماً بالوسائل والطرق والأدوات الإدارية وتفرعاتها، كالتخطيط والجودة وإدارة الموارد البشرية واللوجستية، وغيرها من الأساليب والأنظمة الحديثة للأمن والسلامة والتموين، اضافة أن الهياكل التنظيمية في المستشفيات الكبرى تضم منصبين؛ الأول المدير العام والذي يتطلب هذا المنصب الحصول على المؤهل الإداري المتخصص في المجال الصحي.. أما المنصب الثاني فهو المدير الطبي المسؤول عن الاشراف على الجانب المهني والطبي للمستشفى وكوادره الطبية، مما يحقق تكامل المنظومة الإدارية وعملها بشكل مكتمل وصحيح، ويحقق تقديم خدمة صحية آمنة، إلا أن الواقع مؤلم فكثير من الكفاءات الطبية البارزة والمتخصصة في فروع الطب النادر يتم تكليفها بالعمل الإداري، فيفقد المجال الطبي طبيباً يحتاجه في مهنته، ويفشل في العمل الإداري، إذ انه ليس بالضرورة أن يكون الطبيب الناجح إدارياً ناجحاً، بل الطبيعي أن يفشل في الادارة كونه تعلم ليكون طبيباً وليس إدارياً والفرق شاسع بين التخصصين. أعتقد بأنه آن الأوان بعد نشر نتائج هذه الدراسة أن يتحرك مجلس الخدمات الصحية، لإيقاف تكليف الأطباء بمناصب إدارية لم يؤهلوا لها وتصحيح الوضع القائم الذي شوّه خدماتنا الصحية وأفقد ثقتنا فيها، رغم الامكانات المالية الضخمة التي يتم ضخها سنوياً في هذا القطاع. 90٪ من مديري المستشفيات غير مؤهلين.. معلومة تشير إلى الفوضى في معايير تعيين مديري المستشفيات، وتفتج باباً للتساؤل عن دور التحيز للتخصص الطبي والواسطات والمحسوبيات في التعيين وتوزيع المناصب وفق الأهواء دون الاعتماد على معايير مهنية علمية واشتراطات يتم تطبيقها بحزم في تعيين مديري المستشفيات والكوادر الإدارية، فالإدارة الصحية الحديثة المتخصصة لا تقل أهمية عن الطبيب المؤهل الحاصل على الشهادات العلمية التي تؤهله لمزاولة مهنة الطب، ولا يمكن فيما أعتقد ان ينصلح حال الصحة في بلادي دون الاهتمام بالجانب الإداري كما الجانب الطبي ما لم يتم تقليل نسبة ال90٪ حتى تصبح أقل من 1٪. وختاماً اختصر هذا المقال بوصف إدارة الأطباء بثلاث جمل: سوء تخطيط وضعف تنفيذ وهدر مالي.