[ نشر منذ عدة أشهر تقرير ديوان المراقبة العامة حول المستشفى التخصصي للعيون والذي كشف عن بعض التجاوزات، وفي النقطة الحادية والعشرين تحديدا، ذكُر الآتي (اختيار استشاري طبيب لشغل وظيفة نائب المشرف العام للشؤون المالية والإدارية أمر محل نظر، إذ أن هذه الوظيفة بحاجة إلى شخص متخصص ومؤهل في الشؤون المالية والإدارية. وقد ترتب على ذلك وجود كثير من المخالفات مثل الاختلاس، والفروقات وفقد أصول المستندات وعدم التقيد بالأنظمة المالية.)، مع أني لم أفهم المغزى من جملة (محل نظر) هل هي لهجة تلطيف، أم أنها بمعنى شغل الطبيب لنائب الشئون المالية والإدارية ليس بأهمية المخالفات الواقعة، ولو ذهبنا إلى لائحة ديوان المراقبة العامة في موقع الانترنت، إذ أحد بنودها ينص على فحص كفاءة الإدارة والتحقق من حسن استعمال الأموال، ومعنى فحص كفاءة الإدارة هي التحقق من مؤهلات وكفاءة شاغر المنصب، والمنطق والعقل يؤكدان عدم كفاءة الطبيب لشغر هذا المنصب، لذا وجب في التقرير أن يذكر أن تلك مخالفة رسمية وليست محل نظر!! (في جريدة «الرياض»، صفحة الرأي تاريخ 6/ 4 /2011) كتبت مقالا عن إدارة الطبيب للمنشأة الطبية، وحيث إن القضية لم تقف فقط على إدارة الطبيب للمنشأة الطبية، بل تعدت إلى إدارة الأطباء الإدارات الإدارية (البحتة)، والتنفيذية، والتي ليست من تخصصهم لا من قريب أو بعيد، وبسببها كان تعطيل التطوير، وجعل المنشآت الطبية أشبه (بحقل تجارب إداري لا ينتج فيه سوى فشل التجارب)، وذلك لفقدان تلك التجارب أدنى أساسيات الإدارة، ولما لهذه القضية من حساسة لا يقصد فيها الأطباء، بل هي واقع يجب أن يعالج في أسرع وقت، وذلك للفائدة المرجوة من النظام الصحي بأكمله.. سأتحدث عن جوانب ليست ملاحظة، وقد أصنفها جوانب نفسية تدفع الطبيب للالتزام بها في اللاوعي والبعض الآخر يؤثر على جودة الخدمة الصحية تأثيرا خطيرا، إذا لم يتدارك الوضع: أصبح من صميم تفكير الكثير من الأطباء (السعوديين) الوصول للإدارة طموحا وأمنية، حيث المغريات المالية التي يحصل عليها الطبيب في منصب مدير المستشفى، أو المناصب الإدارية في المستشفى بحجة ( بدل للعملية الإشرافية )، والتي لا يحصل عليها الإداري المتخصص في نفس الموقع، مما جعل البروز في التخصص الطبي للطبيب هدفه منصب إداري!! فمع شح الأطباء بشكل عام، والمتميزون بشكل خاص أصبحت النتيجة استقطابهم للإدارة، إلى أن أصبحت معظم المنشآت الطبية تدار إداراتها، ومفاصلها بأطباء، وأي كارثة سيجرها على نظامنا الصحي مستقبلا هذا المسلك. إن القضية لا تقف عند حد خسران الطبيب مهنيا وهي ممارسة عمله كجراح، أو كاستشاري لتخصص دقيق، بل سنفتقده علميا كالاستفادة من خبرته للأطباء الجدد في نفس التخصص، أيضا توقفه عن نشر أبحاث علمية واستكشافات من صميم عمله ( وهذا بحد ذاته تعطيل للعملية العلمية إضافة على العملية والاستفادة من الخبرات). الانطباع المأخوذ عن الطبيب من قبل مجتمعاتنا العربية هو (العالم بجميع الأمور)، ولذا قد يساهم ذلك في سكوت المراقب عن القصور في الخدمة الصحية المقدمة، ومن هذا يخفى على المجتمع بشكل عام، أن الطبيب بشر يخطئ ويصيب، وأضرب مثلا على أبسط الأمراض قد تجد تشخيصا مختلفا بين عدة أطباء مع علمه ودراسته مجال الطب فما بالكم في علم الإدارة الذي لم يطرقه، بل تذوقه في دورات معدودة. ورغم أن البعض يرى جدلية هذا الموضوع، إلا أني أرى الحديث عنه واجب وطني، حيث بدأت تظهر نتائج المنهج الإداري المتبع في النظام الصحي، وأن أحد أهم أسباب قصور نظامنا الصحي يكمن في الإدارة، ووضع غير المتخصص كالأطباء في أماكن إدارية على جميع المستويات، ومن يرى غير ذلك من الأطباء هم الفئة القليلة المستفيدة فقط، بل الغريب أن أكثر من يؤمن في التخصص هم الأطباء في حدود عملهم الطبي، وينتفي هذا الإيمان عند حدود الإدارة!! الإدارة ليست كما كانت بالسابق ( تؤخذ فهلوة) أو كمهنة ( كهربائي) يتقنها العامل بعد التجارب لعدة سنين على حساب مساكنا، بل هي أعقد من ما نتخيل، وخصوصا الإدارة الصحية فهي تقوم على مبادئ وأسس، فهي ليست حمل تجارب كما هو حاصل لدينا من أخطاء الأطباء الإدارية والتي يتم التجاوز عنها، والاستمرار فيها حتى يقضى الله باكتشافها من جهة أعلى كما حصل في تقرير ديوان المراقبة لمستشفى العيون، حيث ( ذكر التقرير أن المدير التنفيذي (طبيب) كان منشغلا لتعاقده مع مستشفى آخر، وأن المستشفى يخلو من اللوائح والإجراءات لتنظيم العمل )، وهذا الخلل لا يمكن أن يغفله من تعلم أبسط أساسيات الإدارة، وأخشي ما أخشاه أن تلك التجاوزات تتعدى الإدارة وتصل للأخطاء الطبية إذا كان الخصم هو القاضي والحكم. *ماجستير إدارة أنظمة صحية