تزايدت رغبة كثير من الأطباء في شغل المناصب الإدارية بعيداً عن ممارسة تخصصاتهم الطبية، وهو ما يعد هدراً للطاقات التي يمكن استغلالها في سد النقص الكبير في الكوادر الطبية المدربة، إلى جانب ما تنفقه الدولة على طلبة الطب من أموال طائلة، وما تبذله من جهود جبارة في سبيل تأهيلهم وإعدادهم لممارسة مهنة الطب، حيث إنَّ الطالب بكلية الطب وبعد تخرجه لا يلبث أن يمكث ممارساً لتخصصه سنوات قليلة قبل أن يجلس على كرسي إدارة إحدى المنشآت الصحية أو إدارة الشؤون الصحية أو ما هو أعلى منها، وفي نهاية الأمر يذهب هذا المال والجهد هباءً منثوراً لانشغاله بالأعمال الإدارية، وبالتالي فإنَّ البديل في هذه الحالة جلب كوادر طبية من الخارج؛ نتيجة النقص الكبير في عدد الكوادر الطبية المؤهلة، الأمر الذي ألقى بظلاله على الكثير من المرضى ممن عانوا من تباعد المواعيد داخل العيادات، ما قد يضطرهم في كثير من الأحيان إلى طرق أبواب المستوصفات والمستشفيات الخاصة. فريق عمل وبيّن "د.سامي باداود" -مدير عام الشؤون الصحية بمحافظة جدة- أنّه يفضّل أن يكون مدير المنشأة الصحية طبيباً شريطة أن يكون مؤهلاً في هذا الجانب، وذلك من خلال الإلمام بالشؤون الإدارية وبأعمال إدارة المستشفيات، على أن يسانده فريق عمل متكامل من أطباء المستشفى، مضيفاً أنّه عندما يتم إسناد إدارة المنشأة الصحية إلى إداري متخصص وليس طبيباً فإنّه قد ينتج عن ذلك حدوث نوع من الحساسية في التعامل بينه وبين بقية العاملين، مشيراً إلى أنّ الطبيب الإداري يكون أكثر إلماماً بكافة ماقد يعترض طريق الأطباء العاملين معه من مشكلات، إضافةً إلى معرفته باحتياجات المنشأة كونه يتعامل مع فريق عمله بصفة يومية وعن قرب بصفته طبيباً قبل أن يكون إدارياً. مسؤوليات جسيمة وقال د."محمد بقنه" -استشاري أمراض النساء والولادة بمستشفى الحبيب الطبي-: "أرى أنَّ الأطباء الاستشاريين ذوي الخبرات العالية أجدر وأحق بإدارة المنشآت الطبية؛ باعتبارهم على دراية تامة بالجوانب الطبية وبكل ما يتعلق باحتياجات تلك المنشآت"، مُضيفاً أنَّ الطبيب الإداري أقرب للتفاهم مع أطباء المستشفى من المدير الإداري، مبرراً ذلك بأنَّ الطبيب الإداري لا تقتصر إدارته على النواحي الإدارية فحسب، بل تقع على عاتقه مسؤوليات جسيمة، من أهمها؛ التعرف على كل الإشكاليات الموجودة داخل المستشفى، ومطالب الأطباء واحتياجات المستشفى، وزيارة المرضى بصفة يومية كجزء من برنامج عمله، بالإضافة إلى حضور الاجتماعات الصباحية مع مختلف الأقسام الطبية، لافتاً إلى أنَّ جميع الأطباء الذين يديرون المستشفيات في الوقت الحالي يجمعون بين العمل الإداري والطبي، حيث إنَّهم يمارسون عملهم الطبي مثل الأطباء الآخرين وفق خطة عمل مجدولة سواء في عيادتهم أو حتى العمليات الجراحية التي يجرونها، مؤكداً على أنَّ الطبيب المؤهل في علم الإدارة أفضل لقيادة المنشأة الصحية من غيره؛ لأنَّه يكون مُلمَّاً بجميع الجوانب الإدارية، إلى جانب ما يمتلكه من مهارات طبية. د.سامي باداود الإداري المتخصص وذكر "د.علي الشمري" -أخصائي نفسي ومُوجِّه مهني- أنَّ إدارة المنشأة الصحية تتطلب تخصصًا علميًا إلى جانب الموهبة والخبرة، مُضيفاً أنَّ إدارة الطبيب للمنشأة الصحية في ظل وجود مدير طبي طبيب يُعدُّ هدرًا ماليًا وخطأً كبيراً، خاصةً في ظل وجود إداريين متخصصين في الإدارة الصحية وإدارة المستشفيات، مُبيناً أنَّ التخصص الإداري يٌعدُّ من أهم مقومات التطوير والنجاح لأي منشأة صحية نتيجة إلمام الاداري المتخصص بكافة ما تحتاجه تلك المنشأة، مُوضحاً أنَّه من غير الممكن أن يدير الأطباء منظومة صحية تجمع بين الرعاية الصحية، والإدارة الصحية، وإدارة الأفراد، والتخطيط الاستراتيجي، والتشغيل، والصيانة، والنقل، والشؤون المالية، والشؤون الإدارية، والميزانية، وكذالك العيادات، وغرف العمليات، مشيراً إلى أنَّ دور المنشآت الصحية أصبح حالياً كدور الشركات الكبيرة في التعامل مع الحسابات والقروض وغيرها من النواحي الفنية والمالية، لافتاً إلى أنَّ تلك الجوانب لا يُتقن التعامل معها إلاَّ الإداري المتخصص. تباعد المواعيد وأوضح "محمد القحطاني" -مدير مستوصف طبي بخميس مشيط- أنَّه من غير الضروري أن يكون مدير المنشأة الطبية طبيباً، مبرراً ذلك بأنَّ الإداري المتخصص يتعامل مع الأمور الإدارية بشكل أفضل من الطبيب، الذي قد لا يمتلك الخبرة الكافية في التعامل مع الأمور الإدارية، مُضيفاً أنَّه من الضروري بقاء الأطباء داخل عياداتهم إلى جوار المرضى الذين هم بحاجة ماسة لهم في ظل النقص الحاد في أعداد الأطباء السعوديين، وفي ظل شكوى العديد من المرضى من تباعد المواعيد، مشيراً إلى أنَّ إقحام الأطباء في تولي إدارة المستشفيات أمر له العديد من السلبيات التي يمكن تلافيها عن طريق تعيين إداري متخصص بالإدارة الصحية أو إدارة المستشفيات، إلى جانب المدير الطبي الذي من المفترض أن يتولى الأمور الفنية الصحية داخل المنشأة الصحية إضافةً لممارسته لدوره الأساسي في علاج المرضى. د.محمد بقنة د.علي الشمري