ليت الشرق العربي والإسلامي يقلد الغرب في طرق التعبير والاحتجاج مثلما قلده في أشياء أخرى. ففي الغرب يتظاهر الناس ويقفون أمام باب سفارة - مثلا - ويسلمون خطاب دعواهم إلى مسؤول. يقفون على الرصيف، حتى لا تُعرقل الحركة. وفي الشرق يقومون بحرق الإطارات والأعلام، ويدخلون أنفسهم في نطاق القانون الذي يمنع حرق أي شيء في الشارع العام. ولا يقتحمون المبنى، فإن فعلوا ذلك جاز للشرطة اعتقالهم وضمان وقوفهم أمام قاض في اليوم التالي. لأن الشوارع لا تخص البلد موضع الاحتجاج، بل هي بنية داخلية من صميم ما تعب عليه المال العام. في لندن - أذكر - تحمس عربي لقضيته وجاء بمنشورات يوزعها على الجمهور يمينا وشمالا. والجمهور غير مستعد لقضاء وقته في قراءة أحادية الرؤية، فكانت النتيجة أن امتلأ الشارع بالورق. ودخلت عندئذ القضية محذور ما يسمى برمي النفايات أو نثار الأوراق في الشوارع العامة، وهذا ممنوع بقانون وتشريع. وأخذت الشرطة اسم وعنوان الفاعل وأرسلت له المحكمة استدعاء للمثول. فأُسمع لائحة التهمة المقامة من المجلس البلدي وهي (Littering) - رمي نثار. وأقر الفاعل. فقال له القاضي: في المرة القادمة إذا كان لديك مطبوعات أو مطويات فستكون المكتبات العامة، وهي كثيرة، على استعداد لتسلمها وإتاحتها لمن يرغب، لأن الشوارع ليست المكان المناسب للقراءة. وعليه فقد حكمتُ عليك بالغرامة المقررة بالقانون وهي خمسة جنيهات، تدفعها اليوم قبل الساعة الرابعة عصرا، أو تتضاعف. واعتاد الناس في الغرب أن يقذفوا المستهدف بالمظاهرة أو الاحتجاج بالبيض والطماطم ولذلك أسباب عديدة. منها أن البيض والطماطم ناعمان لا يؤذيان ولا يتسببان في جرح أو ألم للمستهدف الذي عادة يكون فردا. ولا تحتاج المظاهرة إلى كميات كبيرة منهما. فقد يكفي للمناسبة طبق بيض واحد وكرتون طماطم..! ثم إن حمل طبق بيض وكرتون طماطم في سيارة لا يمثل دليلا أو قرينة أو نيّة شغب، والقانون لا يتدخل في شأن من وُجد في حوزته بيض وطماطم..! أحد الضيوف تلقى من محتجين قذفا بالبيض والطماطم، فقال: لابأس، سيهتم الفندق بتنظيف البذلة، وبصفتي ضيفا رسميا على حكومتكم فدافعو الضرائب منكم هم الذين سيتحملون مصاريف التنظيف، وإعادة البذلة إلى غرفتي في الفندق جديدة. وكما ترون فالاحتجاجات في العالم العربي والإسلامي تصل إلى الحرائق والقتل والخطف والفدية وحرق الخشب والأعلام ونقل وتوريد سوائل الحرْق وإشعال اللهب في مبان لا صلة لها بالموضوع.