كان المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز - طيّب الله ثراه - متعلقاً بالخيل، فهي رفيق دربه في فتوحاته وجولاته البطولية، وكان لها في نفسه مكانة خاصة، فتولاها بالرعاية والاهتمام بعد استقرار البلاد، من أجل ذلك اتخذ لها "حمى" خاصاً بها، تمرح فيه وترعى، فرأى أن يتخذ مرعى لها يكون قريباً من العاصمة "الرياض"، فكان أن وقع اختياره على منطقة "قنيفذة" و"سامودة"، الواقعة على بعد (20 كم) غرب "مرات"، ويمتاز هذا الموقع بميزة أخرى ألا وهي وقوعها على طريق ذهابه إلى الحجاز ورجوعه ليشرف عليها بنفسه. كلّف ابن دايل بالإشراف على الموقع وتأمين الاحتياجات من الشعير والتمور ونظراً لكون "مرات" أقرب مدينة الى الحمى، فقد كلف الملك عبدالعزيز - رحمه الله - أمير "مرات" آنذاك "إبراهيم بن دايل" بالاشراف على هذا الحمى، وتأمين احتياجات الخيول من الشعير والتمور، فضلاً عن تكليف رجال من مرات بتجديد حفر هذه الآبار وطيها مع تأمين الدلاء والحبال، وقد تعاقب على الاشراف على هذا الحمى عدد من الرجال منهم "بخيت أبو رقبه" و"محمد بن هاجد" و"فهد الشمري"، وكذلك "نوار الدعجاني" و"محمد المركوس" وأخيه "فارس المركوس" و"بن قرينيس السبيعي وآخرون، ويحد الحمى من الشمال طريق مكة ومن الجنوب "تبراك" ومن الشرق "المروت" ومن الغرب "نفود السر". الملك عبدالعزيز ونجله الملك سعود رعاية واهتمام وكانت مهمة "الحماي" هي التأكد من عدم دخول الماشية الى أرض الحمى حفاظاً على الغطاء النباتي؛ ليكفي الخيول التي ترعاه والابل، فكانت تبدأ مهمته من طلوع الفجر، حيث يمتطي ذلوله للمشي بمحاذاة الحمى في منطقة معينة ومخصصة له لمراقبتها ذهاباً وعودة، تتخللها أوقات راحة للقيلولة والتزود بالطعام والماء، أما الراعي فقد كانت توكل مهمة رعي كل خمسة من الخيول الى أحد الرعاة الذي يطلق على من يؤدي مهمته ب "الزمّال"، فيتولى رعايتها وإطعامها ورعيها وتزويدها بالماء من آبار الحمى المتعددة، وأشهرها بئر "سامودة" مهمة «الحماي» هي التأكد من عدم دخول الماشية حفاظاً على «الغطاء النباتي» و"البديعة" و"غرغر"، حيث يوجد بقرب كل بئر "مدي" للسقيا، وهو عبارة عن حوض مستطيل الشكل مملوء بالمياه، ويعتني الراعي بالخيول، ففي فصل الشتاء يغطي ظهرها ب "الخيش" ليقيها شدة البرد القارس، وعند العشاء يضع في رقبتها كيس به شعير يسمى ب "العليقة" تأكل منه الخيل وهي تسرح، إضافةً إلى رعي الأعشاب التي أشهرها "النصي" و"السبط"، التي تحبها الخيل، كما كان للرعاة ولمن يؤدي بمهمة الحماية خيام يأوون إليها عند النوم والحاجة. مُعلمون مهرة وعلى الرغم من مشاغل الملك عبدالعزيز - رحمه الله - العديدة في فتوحاته وتسيير أمور الدولة، إلاّ أنه كان شغوفاً بالخيل ومحباً لها، وقد كانت في هاجسه دوماً، حيث كان يشرف على الحمى بنفسه ويتابع أدق التفاصيل، ومما يدل على ذلك هذه الوثيقة "خطاب" منه الموجهة الى أمير مرات آنذاك "إبراهيم بن دايل" المتعلقة ببعض أمور الحمى، التي يكلفه فيها بالتعاقد مع معلمين مهرة من أهالي مرات لحفر وإصلاح بعض آبار الحمى وعمل أمدية - جمع مدي وهو حوض مستطيل الشكل وطويل بارتفاع 80 سم تقريباً عن سطح الأرض يملأ بالماء لتشرب منه الماشية - لسقيا الخيول. الفارس المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن وكان العمل في الحمى يحتاج إلى عناية دائمة لتهيئة ما تحتاجه الماشية من طعام في المرعى، ولكن كان أهم ما يشغل القائمين على الحمى هو توفير الماء لسقيا الحماة والماشية، وكان مصدر المياه الوحيد طوال العام في غير مواسم الأمطار التي كانت شحيحة هي الآبار، التي كانت تحتاج إلى عناية خاصة وعلى الدوام، كحفر الآبار التي تدفنها الرمال، وإصلاح ما تجتاحه عوامل التعرية، إضافةً «معلمون مهرة» لحفر بعض الآبار وإصلاحها.. وتخصيص «أمدية» ل «سقيا الماشية» إلى الحاجة إلى حفر العديد من الآبار الجديدة في مواجهة الطلب المتزايد على الماء، من حيث تزايد الماشية وتوالدها، ولم يغفل الملك عبدالعزيز بنظرته الثاقبة ذلك الجانب، بل كان على تواصل دائم في سبيل تحقيق هذه الغاية، وتظهر الوثائق المتعلقة بهذا الأمر ذلك. خادم الحرمين الشريفين يُكرِّم فائزا بسباق للفروسية حفر آبار ونستعرض عدد من المكاتبات من قبل الملك عبدالعزيز - طيّب الله ثراه - إلى القائم على الحمى، فمن ذلك خطاب موجه الى أمير مرات آنذاك يطلب فيه تسهيل مهمة "ابن ميزر" ومن معه في حفر آبار الحمى ومساعدته، ونص الخطاب: "من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل الى ابن دايل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد ذلك واصلكم بن ميزر تظهر معه حوافير وعدة للحفر، يحفرون اللي يبي ابن ميزر القلبان كلها ولا تعوقهم، يكون معلوم، الختم 29 صفر 1354 ه". ومن الوثائق كذلك وثيقة جوابية من الملك عبدالعزيز موجهة إلى أمير مرات ابن دايل بالاذن بحفر بعض الآبار في الحمى وحثه بالسرعة والانجاز ونصها: "من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى جناب الأخ المكرم إبراهيم ابن دايل سلمه الله تعالى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الخط الكريم وصل، وما عرفت كان معلوم بخصوص ما أشرت إليه من طرف القليب، فأنتم لا تحفرون إلاّ في شي اكتشاف البترول حسّن من أحوال المملكة الاقتصادية فاستبدلت الخيول بالسيارات تهقون إن فيه ماء إن شاء الله، واحفروا فيه من قبل الزهاب ياصلكم مع الوالد إن شاء الله على العادة هذا ما لزم تعريفه، والسلام رمضان 26 رمضان 1357 ه"، كذلك: "من طرف القليب تحرصون في انجازها لعلها تخلص في نفس الشهر إن شاء الله، الختم". تكليف أنجاله وكان الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يعهد الإشراف على الحمى لبعض أنجاله، فهذه وثيقة من الأمير سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل - رحمه الله - موجهة لأمير مرات "إبراهيم بن دايل" يبيّن فيها أنه أرسل مجموعة من الحفارة لحفر آبار الحمى ونصها: "من سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى المكرم إبراهيم بن دايل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، واصلينكم الحفّارة مع عبدالله بن سعيّد عشرين نفر وزهابهم وآلتهم معهم، إن شاء الله تظهر أنت بنفسك معهم وتحفرون المندفن من قلبان سامودة والمياه التي ترد عليها الخيل بالعادة، وإن اعتازوا لزود حرفية سنّعهم وعرّفنا بأجرهم، ونسنّعها لكم وبالله ثم بكم كفاية هذا ما لزم تعريفه والسلام، الختم 24 / 5 / 1358 ه". بئر قريب من الحمى استبدال بالسيارات وبعد استخراج البترول تحسنت أحوال المملكة الاقتصادية، فاستبدل الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الخيول والإبل بالسيارات، واستغنى عنها في التنقل، وتم نقل الخيول إلى مزارع الأسرة من آل سعود في الرياض والخرج، وأمر بتوزيع الإبل ومبالغ من النقود وأكياس القمح على مزارعي الوشم وسدير، ومن رغب في الشراء بأسعار رمزية مقسطة على المزارعين، ثم عفى جلالته عن العاجزين عن السداد، وكذلك من تأخر في دفع ما عليه من الأقساط، وذلك في حدود عام 1363ه تقريباً. وبذلك طويت صفحة مشرفة من المجد كان بطلها فارساً مغواراً، وكانت صفحة مليئة بالبطولات والفتوحات، كان نتاجها مملكة موحدة مترامية الأطراف غفى فارسها وهو يحب الخيل، فالخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، أحب الملك عبدالعزيز الخيل وأحب الخير، فجعل لها حمى مترامي الأطراف، فانمحى وبقي أثره شاهداً على تاريخ مشرف، بل وأرث حب الخيل في نفوس أنجاله وعقبه، وها هي الفروسية تجري في عروقهم، وها هي سباقات الخيل مستمرة، فقد جعل لها نادياً خاصاً بها وجائزة سنوية باسمه وفاءً من أنجاله لهذا الفارس. نادي الفروسية وتخليداً لهذه الذكرى العطرة التي تتذكرها الأجيال جيلاً بعد جيل، فقد تم انشاء النادي في عام 1385ه تحت رئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - الذي كان حريصاً على دعم فرسان الوطن بالكؤوس الذهبية والجوائز والتشجيع المستمر. نادي الفروسية في الملز امتداد لحُب القادة للخيل وبدأ نادي الفروسية بالرياض في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيّب الله ثراه - فكانت تقام سباقات للخيل في الجهة الشمالية الشرقية من مدينة الرياض، وكانت الخيل تنطلق للسباق من المكان الذي يقع في آخر طريق صلاح الدين الأيوبي إلى أن تصل نقطة النهاية أمام ربوة مرتفعة كان يجلس عليها الملك ويشاهد السباق، وهي الموقع الحالي لمبنى النادي الرياضي التابع لنادي الفروسية بمنطقة الملز، كان هذا السباق يقام بين أبناء الملك عبدالعزيز، وعلى خيل عربية أصيلة يملكها، وبعض من أصحاب السمو الأمراء من أبنائه، الذين أصبحوا يهتمون باقتناء الخيل الخاصة بهم، ويشاركون بها في السباقات منذ ذلك الحين. وفي عهد الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - تم إنشاء "دكة" على الربوة المرتفعة المشار إليها وأصبحت مكان يجتمع فيه المتسابقون من ملاك الخيل ويشاهدون السباقات، وعندما تقرر نقل الوزارات من مكةالمكرمة إلى الرياض تم اختيار الجهة الشمالية من هذا الموقع كمنطقة سكنية راقية سميت باسم "الملز"، وأخذ الاسم من "ملز الخيل" التي كانت تقام في المنطقة، وبعد ذلك تم اختيار مساحة من الأرض تكون منها ميدان سباق الخيل، ووضعت إسطبلات الخيل في الجهة الشرقية من هذا الموقع. سباقات خيل وفي عام 1383ه تقريباً سعى الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في دعوة محبي الفروسية والمهتمين بالخيل، عندما لاحظ اندثار هذه الرياضة وضعف الاهتمام بالخيل، وعدم وجود التنظيم المناسب لممارستها، ودعى لتجميع هذه الفئة من الناس، حتى تبلورت الفكرة لإنشاء كيان يضم كل محبي الفروسية وسباقات الخيل وتولى حينها الأمير سلمان بن عبدالعزيز - أمير منطقة الرياض آنذاك - التنسيق في تكوين هذا التجمع، وفي عام 1385ه اكتمل هذا الجهد بإنشاء نادي للفروسية رسمياً بموجب قرار من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وصدر الأمر السامي الكريم من الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - بتكليف الأمير عبدالله بن عبدالعزيز برئاسة هذا النادي، بعد ذلك تم تسوير ميدان سباق الخيل المذكور، وأقيم أول سباق رسمي للخيل في هذا الموقع. وبسبب أن الميدان أصبح لا يتحمل التوسعة وإضافات المرافق المساندة؛ ووجوده وسط الحي السكني ما كان سبباً في صعوبة انتقال الخيل من الإسطبلات إلى الميدان بين الأحياء السكنية، تبلورت فكرة إنشاء ميدان عالمي كبير، وبتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز استقر الرأي على أن يكون المقر الجديد للميدان في الجنادرية، وأُطلق عليه اسم ميدان الملك عبدالعزيز للفروسية تخليداً لذكرى المؤسس، ويعد هذا الميدان مزيجاً بين الماضي والحاضر، كما يُعد صرحاً عملاقاً في تطور رياضة الفروسية. وثيقة توضح حدود الحمى وثيقة تكليف بن ميزر بحفر آبار الحمى وثيقة من الملك سعود يبيّن فيها إرسال مجموعة من الحفّارة