قد يبدو العنوان طريفاً. ترى أين نذهب من الحاضر لكي نعود إليه. إذا ذهبنا إلى المستقبل فلن يسمح لنا قانون الطبيعة بالعودة إلى الحاضر. بث الدعاة في قلوبنا شوقا للماضي. حيث كنا سادة الأرض وفرسانها. جعلونا ننسى أن ما نحن فيه هو نتيجة شغل أهل الماضي الذين نتوق العودة إليهم والعيش في كنفهم. إذا قدر الله لنا أن نذهب للماضي والعيش فيه فسوف نعود للحاضر أو أن يعود أبناؤنا إلى الحاضر القائم الآن. هذا هو اتجاه الزمان. الذهاب للماضي هو ايضا أن نطبق الاساليب والمثل والمناهج التي طبقها الأسلاف. لو كانت تلك الأساليب والمثل والمناهج مفيدة لما بلغنا ما بلغناه. هناك احتمال آخر للعودة للماضي. أن نذهب للماضي نصحح اخطاء الأسلاف. ما هي تلك الاخطاء التي يتوجب علينا تصحيحها حتى لا ننتهي إلى ما نحن عليه الآن؟ ما نتلقاه من دعاتنا الأفاضل أن الماضي شيء رائع. ولكن لا أحد أفهمنا أن خيباتنا القائمة هي ثمرة هذا الماضي.. أنت نتاج أبيك وأبوك نتاج جدك إلى أن نصل إلى صلاح الدين ونعيش لحظة تحرير القدس. لا أحد يفشي السر أن القدس ذهبت قبل صلاح الدين بمئتي سنة ولم تلبث بعد ان حررها أن ذهبت مرة أخرى. هل نذهب للماضي لنصحح اخطاء الماضي ام نكررها؟ إذا كنا جديرين بتصحيح أخطاء الماضي فلماذا لا نسعى إلى الأسهل ونصحح اخطاءنا. لو عدنا للماضي وتبنينا أساليبه ومثله لعدنا لإنتاج أنفسنا. الماضي سيعود ماضيا وسنجد أنفسنا مرة اخرى في الحاضر بكل شروطه المؤلمة. قرأوا علينا الماضي في المدرسة بصورة أحلام يقظة. يحج عاما ويغزو عاما. تتخيل الحاضر الخائب وتنظر إلى هارون الرشيد بصورة رمزية لا تمت للواقع الذي عاشه شعب ذاك الزعيم بصلة. عندما تفكر في هارون الرشيد تذكّر أنك من الشعب ولست من سكان قصوره. لم تسأل من كان يموت في غزواته ومن يستفيد من غنائمه. أنت تموت في غزواته والجواري الحسان هن من يستفدن من تلك الغنائم. هذه الحقيقة التي لا يسردها عليك دعاتك. لا تحلم ببطولة هارون الرشيد ولكن ضع نفسك كما أنت الآن شاب صغير يأتي جند السلطان ينتزعونك من حضن أمك لتخوض معركة مكسبك الوحيد فيها أن تنجو من الموت. الماضي ليس سوى أحلام يقظة. جمال منزوع الآلام والمنغصات. إذا كنت تشتاق للماضي فلا داعي للمستحيل. تستطيع أن تستلقي على فراشك وتسرح في أحلامك بتحرير القدس وتمضي إلى الآستانة تأخذ معك السلطان سليمان القانوني وتقتحمان أوروبا عن طريق بلغاريا ثم فيينا ثم تجتاحان بلاد الفرنجة.. هكذا تُعمل سيفك في رقاب الأوروبيين لا تغسله إلا من مياه شواطئ اسكوتلندا الشمالية، لن يزعجك في غزوتك المظفرة هذه سوى طنين المكيف الذي صنعه لك اليابانيون والكوريون حيث تركوك تتفرغ لمتابعة إنجازات سيفك البتار، وقراءة نظريات زغلول النجار.