اختلف العلماء في اسم الشنفرى ولقبه ونسبه؛ فقال بعضهم إن “الشنفرى” لقب له؛ واسمه عمرو بن براق، أو ثابت بن أوس، أو ثابت بن جابر، على ثلاثة أقوال. وقال بعضهم: “الشنفرى” اسمه الحقيقي لا لقبه، ويعني الغليظ الشفتين، ولقّب بذلك لعظم شفتيه، وهو من الأوس بن الحجر بن الهنء بن الازد بن الغوث. ولا نجد في مصادر ترجمته تاريخًا محدّدًا أو تقريبيًّا لتاريخ ولادته، ولا لمكانها، ولا تعيينا دقيقًا لوالديه، ونشأته، فقد اختلف الرواة فيها إلى ثلاثة أقوال أيضًا؛ إذ قال بعضهم إنه نشأ في قوم الأزد، ثم أغاظوه فهجرهم، وقال آخرون إن بني سلامان أسروه صغيرًا فنشأ فيهم يطلب النجاة حتى هرب، ثم انتقل منهم. فيما تزعم فئة ثالثة أنه ولد في بني سلامان، فنشأ بينهم وهو لا يعلم أنه من غيرهم؛ حتى قال يومًا لابنة مولاه اغسلي رأسي يا خيّة؛ فغاظها أن يدعوها “يا خيّه”، فلطمته، فسأل عن سبب ذلك، فأُخبر بالحقيقة، فأضمر الشر لبني سلامان، وحلف أن يقتل منهم مئة رجل، وفعل. ولئن كانت المصادر العربية تتفق في جعل “الشنفرى” من الشعراء الصعاليك؛ بل من أهمهم فنًّا. وهناك اختلاف في سبب تصعلكه، فصاحب في الأغاني يروي ثلاث روايات؛ إحداها عن أبي هاشم محمد بن هاشم النمري وفيها أن الشنفرى أسرته بنو شبابه بن فهم؛ فلم يزل فيهم حتى أسرت بنو سلامان بن مفرج من الأزد رجلاً من بني شبابه؛ ففدته بنو شبابه بالشنفرى، فنشأ في بني سلامان. أما الرواية الثانية فعن مجهول وتقول: إن الأزد قتلت الحارث بن السائب الفهمي، فأبوا أن يبوؤوا بقتله، فباء بقتله رجل منهم، فلما ترعرع الشنفرى جعل يغير على الأزد مع فهم. أما الرواية الثالثة جاء فيها أن بني سلامان سبت الشنفرى وهو غلام؛ فجعله الذي سباه في بهمه يرعاها مع ابنة له، فلما خلا بها ذهب ليقبّلها؛ فصكت وجهه، ثم أخبرت أباها، فخرج إليه ليقتله فوجده ينشد أبياتًا يأسف فيها على أن هذه الفتاة لا تعرف نسبه، فسأله الرجل عن نسبه؛ فقال الشنفرى: أنا أخو بني الحارث بن ربيعة، فقال له: لولا أني أخاف أن يقتلني بنو سلامان لأنكحتك بنتي، فقال: عليّ إن قتلوك أن اقتل بك مئة رجل منهم، فأنكحه ابنته، وخلّى سبيله، فشدت بنو سلامان خلافه على الرجل، فقتلوه، ثم أخذ يوفي بوعده، فيغزو بني سلامان ويقتلهم. ومهما تكن الروايات المختلفة فإنه من الثابت أن الشنفرى نشأ مع بعض رفاقه العدائيين، ومنهم تأبّط شرّا، و السيلك بن السلكة، وعمرو بن البراق، وأسيد بن جابر، وهم عصبة عرفت في الأدب بالشعراء الصعاليك. كذلك نقل الرواة عن مقتل الشنفرى روايتين وهما: أن بني سلامان هم الذين قتلوه بعد أن قتل منهم خلقًا كثيرًا. وتقول الرواية الأولى أن بني سلامان قتلوه بمساعدة أسيد بن جابر أحد العدائين. وفي الثانية أنه غزا بني سلامان فجعل يقتلهم، ويعرفون نبله بأفواقها في قتلاهم، حتى قتل تسعة وتسعين رجلاً، وبقي له قتيل واحد ليكمل نذره السابق بقتل مئة رجل، ثم غزاهم فنذروا به، فخرج هاربًا وخرجوا في إثره، فمر بامرأة منهم يلتمس الماء، فعرفته، فأطعمته اقطًا ليزيد عطشه، ثم استسقى؛ فسقته رائبًا، ثم غيبت عنه الماء، ثم خرج من عندها وجاءها القوم فأخبرتهم بخبره، ووصفته لهم فعرفوه ورصدوه على ركي لهم، فلما جن عليه الليل أقبل إلى الماء فلما دنا منه قال: إني أراكم، وليس يرى أحدًا، إنما يريد بذلك أن يخرج رصدًا إن كان ثمة، فأصاخ القوم فسكتوا ورأى سوادًا وقد كانوا أجمعوا قبل ان قتل منهم قتيل أن يمسكه الذي إلى جنبه لئلا تكون حركته، قال فرمى لما أبصر السواد فأصاب رجلاً فقتله، فلم يتحرّك أحد، فلما رأى ذلك أمن في نفسه، وأقبل إلى الركي، فوضع سلاحه، ثم انحدر فيه، فلم يرعه إلا وهم على رأسه قد أخذوا سلاحه، فنزا ليخرج، فضرب بعضهم شماله فسقط، فأخذها فرمى بها كبد الرجل فخر عنده في القليب فوطئ رقبته فمات، ثم خرج إليهم فقتلوه وصلبوه، فلبث عامًا أو عامين مصلوبًا، وبقي عليه من نذره رجل، قال فجاء رجل منهم - أي بني سلامان - كان غائبًا عن تلك الأحداث فمر به وقد سقط، فركل رأس الشنفرى برجله؛ فدخل فيها عظم من رأسه، فهاجت عليه رجله، فمات فكان هذا الرجل تمام المئة. يقول الباحث محمد زياد الزهراني والذي أصدر كتابًا خاصًّا عن حياة الشنفرى عنوانه “تصحيح الرؤى عن بيئة الشنفرى” إنه من الحالات الغريبة في الوقت الحاضر حالة شخصية الشنفرى؛ فسيرة هذا الشاعر صاحب لامية العرب ظلت ومازالت لغزًا محيّرًا للعلماء والباحثين خلال العصور الماضيه، وإذا سلمنا بما قاله أهل قرية سلامان من دوس إنه منهم وأن اسمه ثابت بن أوس فإن هذه الحقيقة تظل ناقصة للأسباب التالية: * من هو جده وجد جده؛ فالنسابون لا يكتفون بالأب والجد؛ بل يذهبون الى أبعد من ذلك فيذكرون المرء المراد ذكر نسبه وأم أبيه وجده حتى يصلوا إلى قبيلته التى ينتهى إليها نسبه. * ومن هي أمه ولماذا أغفلها المؤرخون؟ * بعد المسافة بين مولده ونشأته التى قدرها الدكتور أميل بديع يعقوب في كتابه “ديوان الشنفرى” أنها كانت في عام 70 ق. وهذا لا شك زمن بعيد خاصة إذا تذكرنا الركود الذي ساد موطنه الذي عاش فيه وتربى، حيث انصرف الناس للحروب والصراعات، فساد الجهل وانصرف الناس عن التعليم حتى كانو إلى وقت قريب لا يجدون من يكتب الرسالة أو يقرؤها، ونتيجة لذلك لم تسجل الاحداث التي مرت بها هذه المنطقه فضاعت. * تذبذب الروايات وعدم اتفاقها فيما يتعلق باسمه واسم ابيه ومسقط رأسه. * اقتصرالمؤرخون والباحثون عن سيرته على ذكر اسمه ومولده ونشأته وشيء من شعره وحروبه ولم يتطرقوا لمجتمعه الذى عاش فيه أو أسلوب حياتهم. * تذبذب الروايات في طريقة وصوله إلى بني سلامان. والمؤكد أنه كان رضيعًا لا يعرف أمه وأباه. * من الأخطاء التى وقع فيها الباحثون في سيرته تسميته بشاعر الصحراء وهو الذي عاش وتنقل عبر جبال السروات وأوديتها ولم يعرف الصحراء في شعره لذا فإني ارى تسميته بشاعر الجبل وهو أقرب للصواب. ومن قصائده: قومي سلامان اذا ما كنت سائلة وفي قريش كريم الحلف والنسب ويقول البعض إنه ولد في سلامان وتربى عند السلامي وكان يظن أنه أبوه في دوس في زهران وشب فيها وترعرع وهو لا يعلم أنه من غيرهم فلما ضربته ابنة السلامي وعيرته بذلك علم الحقيقه انطلق في حربه ضدهم للانتقام لنفسه. ويقول البعض إنه زهراني الأصل والمنشأ والمولد من بني اوس بن الحجر. وإذا علمنا أن هناك مدينة في قطاع تهامة تسمى الحجرة تتبع محافظة قلوة تقابل قرية بني سلامان في السراة والطريق إليها من عقبة ذي منعا فالأرجح أن أمه وأباه قدما من الحجرة في تهامة زهران وهما عبدين مملوكين فولدته في سلامان في السراة ثم بيع لوحده إلى السلامي فرباه وتبناه حتى عرف الحقيقة. وقد ورد في شعره أسماء لعدد من القرى والمواقع منها قرية سلامان. أما أخته وهي ترثيه فقد أوردت اسم وادي ترج والمعروف حاليًّا ويتبع لبيشة بمنطقة عسير حيث قالت: ويشرب شربة من ماء ترج فيصدر مشية السبع الكليم وعن شعره أوضح الأستاذ محمد زياد الزهراني أن شعره اشتمل على كلمات لا زالت حية في ألسنة أهل هذه البلاد زهران وغامد ويتخاطبون بها، الأمر الذي يؤكد ترجيحه بأنه زهراني المنشأ والولادة، وإن لم يكن كذلك فقد تأثر بالبئية التي عاش بها. ويقول إبراهيم حمدان الزهراني (من أهالي قرية سلامان): إن اهالي القرية توارثوا عن الآباء والأجداد القناعة بأن هذا القبر الموجود بقرية سلامان التابعة لمحافظة المندق وتقع قبل محافظة المندق ب10كيلومترات تقريبا باتجاه الباحة من طريق بني مالك للشنفرى، وكان هناك أناس يريدون نبش القبر بقصد البحث عن غنائم مدفونة فيه ممثلة في رمحه وسيفه وخاتمه، ولقد طلب مني أن أوافق على نبش القبر مقابل مبلغ من المال؛ ولكني رفضت رفضًا قاطعًا خوفًا على هذه القبور التي تحتوي قبور مسلمين أيضًا، وقد طلبت من جهات مسئولة بالمنطقة تسوير المقبرة وإقفالها خوفًا من العبث بها، وبالفعل تم تسويرها وإقفالها بباب ولكن العابثين دخلوا من أماكن أخرى، وقاموا بكسر القفل، ووضعوا عددًا من الحجارة بقصد إيهام الأشخاص بأن أصحاب القبور تتجاوز أجسامهم المترين وأكثر . ونحن ليس لدينا أي حلول سوى ان تتقدم الجهات المعنية بالآثار الالتفاتة إلى هذه المقبرة وصيانتها والمحافظة عليها. فبعد أن رجعت إلى المملكة بعد رحلة قضيتها خارج المملكة لأكثر من 14 سنة وجدت أن المقبرة تغيرت معالمها، وكثرت حولها الأشجار، فقم بتنظيفها؛ ولكن سرعان ما تقدم أشخاص بشكوى إلى الزراعة زاعمين أن أقوم بقطع الأشجار، وقد تم تغريمي أكثر من 18 ألف ريال، فأتمنى من الجهات الرسمية نزع ملكية الأراضي التي حول القبر، لكي يكون هناك مجال للعمل في توسعة المقبرة.