تعتبر أسعار الأراضي في المملكة مرتفعة جداً مقارنة بمستوى الدخل الفردي، وهذا ناتج عن فتح التجارة فيها والترخيص لمساهماتها، مما أدى إلى صعوبة تملك المواطن للسكن، وكان يجب أن تبقى الأراضي ملكاً للحكومة وتمنحها للمواطن بعد استكمال جميع خدماتها لينتفع بها دون أن يكون له حق بيعها إلا بعد بنائها، ولكن الأرض انتقلت من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة بشكل لم يحقق المصلحة للوطن والمواطن، ففتحت فيها المساهمات والتجارة حتى أصبح سعرها يتضاعف بشكل غير معقول خاصة أن الأرض في الأصل ليس لها قيمة، وأصبح الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقراً وعدداً. لقد استخدمت الأرض في غير أغراضها فأصبحت وسيلة من وسائل التجارة وادخار الأموال وهذا لن يستفيد منه إلا أصحاب الأموال الطائلة أما الفقراء ومحدودو الدخل فليس لهم نصيب حتى في التفكير في امتلاك سكن، وبالرغم من أننا نعيش وضعاً نعاني فيه من البطالة والفقر وتبعاتهما. نجد انه ليس هناك اي تحرك لإصلاح هذا الوضع وتحفيز المستثمرين نحو الاستثمار في الصناعة والإنتاج بدلاً من تجارة الأراضي. وبإلقاء نظرة على تجارة الأراضي ومساهماتها نجد انها لا تقدم أي شيء للاقتصاد بل هي عبارة عن انتقال للأرض من يد إلى يد بقيمة أعلى دون ان تقدم فرصة عمل واحدة أو قيمة مضافة للناتج المحلي وتدار فيها مليارات الريالات بشكل يومي دون فائدة. ولذلك وحلاً لمشكلة ارتفاع اسعار الأراضي يجب تطبيق قرار مجلس الشورى الصادر قبل سنة تقريباً المتضمن جباية زكاة الأراضي البيضاء التي يملكها اصحابها للتجارة من قبل ولي الأمر. كما اقترح فرض رسوم خدمة على الأراضي البيضاء بنسبة من قيمتها (2,5٪) مثلاً. ليكون على صاحب الأرض ان يسدد سنوياً للدولة (5٪) من قيمتها، أي ان الذي يملك أرض قيمتها (500) الف ريال يسدد سنوياً للدولة (25000) ريال، طبعاً هذا الاقتراح ليس الهدف منه زيادة إيرادات الدولة، وإنما الهدف منه تخفيض أسعار الأراضي، لأن صاحب الأرض عندما يعرف انه سوف يسدد (5٪) من قيمتها سيحاول بيعها والتخلص منها والبحث عن فرص اخرى غير الأراضي للاستثمار، وبذلك يزيد المعروض من الأراضي على الطلب عليها وتنخفض اسعارها بنسبة كبيرة. كما يجب على الحكومة ان تتعامل مع الاراضي الحكومية مستقبلاً بمنحها للمنفعة فقط بعد استكمال جميع خدماتها دون ان يكون للممنوح حرية بيعها إلا بعد بنائها، وهذا سوف يساهم في انخفاض تكلفة المعيشة ورفع المعاناة عن أصحاب الدخول المحدودة الذين يشكلون النسبة العظمى من السكان، وبذلك سوف تكون أسعار الأراضي متوازنة مع مستوى الدخل الفردي وفي متناول الجميع، ومن الفوائد التي سوف تجنيها الدولة من تطبيق تلك المقترحات، توجيه المستثمرين استثماراتهم الى قطاعات انتاجية تساهم في زيادة الإنتاج المحلي وفرص العمل للمواطنين، ونتيجة لانخفاض اسعار الأراضي سوف تنخفض اسعار المساكن وإيجاراتها وبالتالي سوف يرتفع مستوى الادخار لدى افراد المجتمع مما يجعلهم يوجهون تلك الزيادة في الادخار الى حاجات اكثر نفعاً مثل التعليم والصحة وغيرهما من الخدمات المفيدة للمجتمع وهذا سوف يقلل من الأعباء التي تتحملها الدولة من هذه الخدمات الضرورية نتيجة لتحمل المواطنين جزءاً كبيراً منها، إضافة لذلك سوف تزدهر السياحة الداخلية نتيجة لانخفاض اسعار الشقق والمساكن في المناطق السياحية التي يعاني المواطن من ارتفاع اسعارها، كما ان فرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن التي تشكل خطراً بيئياً وأمنياً سوف يحفز أصحابها على بنائها واستثمارها مما يقلل من الامتداد الأفقي الحاصل حالياً الذي يشكل عبئاً على الخدمات التي تقدمها الدولة، كما ان انخفاض اسعار الأراضي سوف يكون بمثابة زيادة في دخول أفراد المجتمع وكأنما حصلت زيادة في الرواتب وسوف تساهم في رفع المعاناة عن الشباب والأجيال القادمة فسكان المملكة يبلغ أعمار أكثر من (60٪) منهم تحت خمس وعشرين سنة وهذا مؤشر يجعلنا نتنبأ بزيادة كبيرة على الطلب على الأراضي مما جعل اسعار الأراضي تتضاعف وهذه الزيادة في أسعار الأراضي لا ذنب لتجار الأراضي فيها فهذا هو نظام السوق في ظل الحرية المطلقة لتجار الأراضي الذين ينفردون بهذه الحرية عن غيرهم من ممارسي الأنشطة الأخرى. والأسعار في ظل النظام الحالي لتملك الأراضي تفرض نفسها، لكن يبقى هنا دور الدولة في استخدام الرسوم كأداة من أدوات الإدارة الاقتصادية لمحاولة توفير مستوى معيشي جيد للمواطنين عن طريق فرض رسوم على الأراضي البيضاء وتحصيل زكاة التي يملكها أصحابها للتجارة وهذا سوف يوفر السكن للمواطن بقيمة أقل من الحاصل حالياً، وبذلك سوف تزداد نسبة الادخار لدى الناس مما يجعلهم يوجهون تلك المدخرات الى نواح استثمارية وتبعاً لذلك سوف يقل الاستثمار في شراء وبيع الأراضي نتيجة لتكلفة الاحتفاظ بالأرض وتبعاً لانخفاض اسعار الأرض سوف يزيد الطلب على البناء والإنشاء مما يزيد الطلب على مواد البناء وهذا سوف يحفز المستثمرين على إنشاء مصانع مثل الاسمنت والدهانات وغيرها من المصانع التي سوف تساهم مساهمة كبيرة في إيجاد فرص العمل وزيادة الناتج المحلي، وكذلك فإن انخفاض اسعار الأراضي سوف يمكن الدولة من إقامة بعض المشاريع مثل خطوط سكك الحديد وزيادة شبكة طرق السيارات وغيرها من المشاريع التي يحد من قيامها ارتفاع تكاليف نزع الملكيات. وسوف تكون هذه الرسوم عادلة لأن المكلف بدفعها هم الأغنياء دون الفقراء ومحدودي الدخل. وقد أحسنت وزارة التجارة والصناعة بإيقاف الترخيص للمساهمات العقارية، حيث أن تلك المساهمات في الأراضي عبارة عن مشاريع ليس فيها قيمة مضافة أو فرص عمل للمواطنين وإنما فتح للتجارة في الأراضي بدون قيود ومضاعفة لأسعارها وتكريس للبطالة والفقر وما يتبعها من مشاكل والمتضرر الوطن والمواطن. لذلك نتمنى الاستمرار في عدم الترخيص للمساهمات في الأراضي البيضاء، ويمكن الترخيص فقط لمساهمات البناء والإعمار، ويجب أن يكون الترخيص لشركة مسجلة بموجب نظام الشركات. كما انه من المؤسف ألا تقوم كل من وزارة الاقتصاد والتخطيط والهيئة العامة للاستثمار بأداء دورهما والإيضاح للمسؤولين الآثار السلبية لتجارة الأراضي ومساهماتها ودورها في ترسيخ البطالة والفقر في المجتمع. والسؤال هل هاتان الجهتان لا تعلمان بهذه الآثار السلبية أم أنه سكوت عن الحقيقة؟ كما أن تحميل الشركات والمؤسسات عبء توظيف المواطنين بالرغم من ان تجارة الأراضي هي التي اوجدت البطالة يعتبر اجراء غير عادل ومن شأنه ان يؤدي إلى تحول اصحاب تلك الشركات والمؤسسات الى تجار اراض يمثلون عبئاً على الاقتصاد الوطني كونهم يسيطرون على الأراضي ويتحكمون في اسعارها ويجمعون مليارات الريالات دون ان يقدموا فرصة عمل واحدة أو قيمة مضافة أو أي فائدة للوطن والمواطن. لقد قام مجلس الشورى مشكوراً بأداء دوره في هذا الموضوع وناقشه اعضاء المجلس بكل اهتمام مبتغين في ذلك المصلحة للوطن والمواطن وصدر قرار المجلس بتاريخ 10/5/1425ه بجباية الزكاة على الأراضي من قبل ولي الأمر. ولم يتبقى الآن إلا التنفيذ. ٭ مستشار قانوني