عشنا قبل أيام فرحة اليوم الوطني (82)، وهي فرحة المواطن بالوطن وبوحدته وأمنه وأمانه. ولكن لو أخضعنا بعض السلوكيات المؤسسية في المجتمع لاختبار تحليل محتوى حول التطبيقات أو المخرجات الوطنية فهل سنجد فيها ما يثلج الصدر؟ لعلنا نبدأ من وزارة التربية والتعليم التي هي دوما في الجانب التربوي محط الأنظار، فهي بدأت مشكورة منذ أن كانت مديرية للتعليم بالحرص على الغرس التربوي الوطني لدى النشء. بل وأقدمت قبل ما يزيد على عقدين على تخصيص مقررات للتربية الوطنية اختلف معها من اختلف حول ضرورة فصل تلك المقررات عن بقية المقررات الدراسية. بل ان هناك من يسعى إلى طرح سؤال مهم وهو: هل الوطنية عبارة عن مقرر يدرس أم سلوك يغرس؟ ولكن بالنظر إلى غاية التعليم العام والعالي والمهني والواردة في سياستنا التعليمة نجد أنها تنص على "فهم الإسلام فهما صحيحا متكاملاً، وغرس العقيدة الإسلامية ونشرها، وتزويد الطالب بالقيم والتعاليم الإسلامية وبالمثل العليا، وإكسابه المعارف والمهارات المختلفة، وتنمية الاتجاهات السلوكية البناءة، وتطوير المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وتهيئة الفرد ليكون عضوا نافعا في بناء مجتمعه". وسأقف هنا عند تنمية الاتجاهات السلوكية البناءة وتهيئة الفرد لنعرف كيف هي حال سلوكيات طلابنا في اليوم الوطني؟ لن أجيب عن هذا السؤال فالجواب معروف لديكم وقد عشتموه بينهم في الشوارع قبل أيام. وهنا ابحث عن تهيئة المؤسسة التربوية وتحديدا المدرسة في تطبيق سلوك المواطنة مؤسسيا وخاصة دور ما يسمى بمدارس الحي؟ فماذا قدمت تلك المدارس أو المراكز في اليوم الوطني، وهنا يجب أن أعترف بأن تجربة مدارس الحي جديدة وتحتاج إلى وقت كاف لتبرز فيها الجهود المؤسسية والتي أتمنى أن تكون مراكز تطبيق وتوطين للسلوكيات التربوية أكثر من ممارسة الحشو المنهجي. وعند الانتقال إلى مؤسسات خدمية أخرى وتطبيقاتها للتربية الوطنية نجد أن من بينها من حضر على الساحة في اليوم الوطني بحكم عمله الميداني سلبا أو إيجابا. فهناك من حضر وكأن هذا اليوم هبط علينا من السماء دون أن ندري عنه مسبقا كالبلديات والمرور والشرطة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهناك من غاب وكأن موضوع الشباب وسلوكياته لا تعني له شيئا مثل رعاية الشباب وجمعيات الثقافة والفنون والإعلام، وإن كان البعض منها حضر على استحياء. ولعل التطبيق الذي بدأ يلفت الانتباه هو لدى القطاع الخاص. فهناك من تفنن تسويقيا في استثمار رقم اليوم أو اللون الأخضر، وهناك من وظف المناسبة إعلانيا كالمعتاد ولكن بطرق أكثر إبداعا. ولعل اللافت للنظر أكثر هو بروز مؤسسات المجتمع المدني كالمجالس الشبابية والجمعيات الخيرية في مسعى جديد للمشاركة في التوطين التربوي من خلال المسابقات والمشاركات والعمل التطوعي. ولكن بالعودة إلى سلوكيات الشباب السلبية في فهم وممارسة الفرح في اليوم الوطني وبناء على ما لمسه المجتمع من تلك السلوكيات خلال الأعوام القليلة الماضية تجعلنا بحاجة ماسة إلى تحليل السلوك الاتصالي (السمعبصري) عبر قنوات التواصل الاجتماعي وشبكات الإعلام الجديد. فهذا التحليل سيقودنا إلى تحديد مكمن الخلل وربما معالجته مبكرا، مما يعزز مصداقية المقولة السابقة أن الوطنية سلوك وليست مقررات حشو فكري. فما تناقلته تلك الوسائل الاتصالية لسلوك بعض الشباب الغوغائي في الخبر مثلا تستدعي وقفة حاسمة لردع سلبيات الاحتفال باستقطاب الشباب للسلوك الايجابي وليس العقابي الجمعي. فما تمارسه بعض المؤسسات هو سلوك استفزازي أكثر منه تربوي تطبيقي. ولعلني هنا أتحدث عن أمثلة من سلوكيات مؤسسة المرور بإغلاق الشوارع غير المبرر والمدروس ومواقف هيئة الأمر بالمعروف بالوقوف عند سلوكيات بسيطة ليس هذا يوم النظر إليها. فتجربتنا هذه تعزز الحكمة العربية التي تقول "بالرفق تدرك المقاصد، وبالصبر تتحقق الرغائب، وبهما يخرج أعقل الناس الذي ينظر للعواقب على النفس والأسرة والوطن والأمة قبل الوقوع في المحذور". وختاما فكل أيامنا هي أيام وطنية لا تحتاج الى سلوكيات سلبية، ولكن بكل تأكيد تحتاج إلى غرس وتشريب وتحفيز وتوظيف سلوكي يبرهن على معاني مقولتنا "دام عزك يا وطن".