شهدنا الأسبوع الماضي نهاية دورة الألعاب البارالمبية وانقضاء مهرجان لندن الرياضي لعام 2012. لقد كانت الألعاب الأولمبية والبارالمبية للعديد من الرجال والنساء حول العالم والفرق المشاركة بمثابة فرصة ثمينة للاحتفال بالنجاح وارتداء الميداليات بكل فخر واعتزاز وقبول التحدي من خلال المشاركة في أعظم منافسات رياضية يشهدها التاريخ. ولابد أن جميع اللاعبين والفرق الرياضية الذين شاركوا قد استشعروا هذه اللحظات العظيمة، وبالأخص أولئك الذين حالفهم الحظ بالفوز بالميداليات. ويطيب لي أن أتقدم بأحر التهاني إلى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن متعب وفريق الفروسية الرياضي على نجاحهم الباهر في نهائيات القفز على الحواجز، وكذلك أود أن أهنىء السيد هاني النخلي لإنجازه المذهل وفوزه بالميدالية الفضية في رياضة رمي القرص. أعلم أن هؤلاء الرياضيين وكل من شارك في هذه الألعاب من بلدينا يشعر بفخر عظيم بالإنجازات التي تم تحقيقها. ولعلكم تتساءلون ما الذي سيحصل الآن؟ اسمحوا لي أن أجيبكم على هذا السؤال. ينصب تركيز لندن الآن على الإرث الذي خلّفته هذه الألعاب - حول كيفية الاستفادة من المباني والملاعب والمرافق الرياضية التي شيدت. إلا أن هذا الإرث لا يتمحور فقط حول البناء بل يتضمن الشعب والثقافة والتغيرات التي أضفتها الألعاب الأولمبية على حياة الناس. إذ أن شعار الألعاب لهذا العام كان "إلهام الجيل"، وأن فهمي لهذه العبارة لا يشمل إلهامهم في مجال الرياضة فحسب، بل في كافة جوانب حياتهم اليومية. فلقد تطوّع ما يزيد عن 70.000 رجل وامرأة للمساعدة في دورة لندن لعام 2012، ولقد قطع العديد منهم مسافات طويلة للمشاركة، كما كان بعضهم يجرب العمل التطوعي لأول مرة في حياته. ومن وجهة نظري، فإن الإرث الحقيقي الذي خلّفته الألعاب هو قيام جماعات كبيرة من الناس بالعمل مع بعضهم البعض في جو من التسامح والاحترام المبني على القيم الإنسانية المشتركة بالرغم من الاختلافات الثقافية. لقد شاهدنا ردة الفعل على الفيلم البذيء والمسيء والمستفز لمشاعر المسلمين، ورأينا النتيجة المأساوية لردة الفعل هذه، وغياب التسامح وإحلال الغضب العارم محل العقل والمنطق، لقد كان كريس ستيفنز، السفير الأمريكي في طرابلس الذي لقي حتفه يوم الأربعاء الماضي، صديقا لي وكان شخصا طيبا متفهما لشئون المنطقة ومتعاطفا مع العرب والمسلمين. لقد أحزنني موته وموت الأشخاص الآخرين الذي قضوا في الاحتجاجات العنيفة التي تلت ذلك، بدرجة تعجز فيها الكلمات عن الوصف. لقد كان بيان سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، على الفيلم والأحداث نموذجا يحتذى، فقد أكد سماحته في بيانه الشامل والمدروس بعناية على أهمية حماية الابرياء وألّا يؤدي الحنق والغضب الى تجاوز المشروع لما هو ممنوع، كما أدان صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل العنف. إن رسالة التسامح واحترام القيم الإنسانية المشتركة، هي نفسها العبرة من دورة الألعاب الأولمبية، لهي الرسالة التي يجب أن نضعها نصب أعيننا في هذه الظروف العصيبة لتكون دليلا وهاديا لنا في المستقبل. * السفير البريطاني بالرياض