الهجرة السكانية من المدن المتوسطة والصغيرة إلى المدن الكبرى مشكلة أزلية تعاني منها العديد من الدول، حيث تتركز الخدمات الحيوية والأنشطة الاقتصادية في كثير من الأحيان في المدن الكبرى وتفقد بالتالي المدن الأخرى نصيبها من التنمية، ما يؤدي إلى نزوح سكانها إلى المدن التي تتوافر فيها الخدمات التنموية والأنشطة الاقتصادية. وبلا شك أن إيقاف الهجرة السكانية أمر صعب الحصول إذ تتنوع الأسباب والاحتياجات السكانية المؤدية إلى هجرة السكان من مواطنهم الأصلية والانتقال إلى المدن الأخرى، إلا أن مايحدث الآن لدينا من تكدس سكاني لاسيما في المدن الكبرى بدأ يخنق ساكنيها، وأظهر مشكلات اجتماعية واقتصادية متعددة، ما أصبح يستدعي معه الحال أن يتم التوجه نحو تخفيف الهجرة السكانية إلى المدن الكبرى والحد منها، وتشجيع الهجرة العكسية نحو المدن الأخرى. لقد فاقت الهجرة والكثافة السكانية التوقعات التخطيطية وذلك يعود بطبيعة الحال لعدم توافق الخطط العمرانية مع المشاريع الكبرى المستحدثة في بعض المدن، لذا من الأجدى أن يتم توجيه مشاريع استراتيجية في المحافظات ودعم الخطوة الايجابية التي بدأتها وزارة التعليم العالي بإنشاء جامعات وكليات جامعية في المدن المتوسطة بخطوات تدعيمية أخرى خصوصاً في القطاعات الخدمية التي تلامس احتياجات المواطن بشكل مباشر. إذ إن التوسع في توفير المشاريع البلدية البسيطة كمشاريع التشجير والرصف والإنارة في المدن المتوسطة والصغرى لم يعد كافياً دون توفير أنشطة ومشاريع حيوية تساعد في توفير فرص العمل لأبناء تلك المدن، بالإضافة إلى تقديم الحوافز التنموية وبالأخص من صناديق الاستثمار الوطنية. أيضاً ينبغي أن يتم البدء بدعم الانتقال إلى المدن والمحافظات المحيطة والملاصقة للمدن الكبرى من خلال توفير مشاريع الاسكان والخدمات العامة وربطها بالمدن الكبرى عن طريق شبكات النقل العام، علّ وعسى أن تتحقق بذلك المعادلة الصعبة ويبقى السكان في مدنهم. *متخصص في التخطيط العمراني