مهنة الطب واحدة من أقدم المهن الإنسانية، شهدت في العقود الأخيرة تطوراً هائلاً وتقدماً مذهلاً سواء في الكمّ أو الكيف، ومن بين هذه التغييرات الإيجابية تطبيق معايير الجودة في صلب الرعاية الصحية، وأحد قواعد الجودة في العناية الطبية هي الشفافية، ومفهومها هنا يعني الانفتاح والوضوح والصدق والصراحة مع الاعتراف بالخطأ. لقد ولّت الأيام التي كانت فيها مهنة الطب محاطة بأسياج من التكتم، وهالاتٍ من الغموض، مما تسبب في تأخير النهوض بهذه المهنة السامية العظيمة، ونتج عنه ضياع حقوق الساعين في طلب عونها، والراغبين في تلقي مساعدتها، وشجع على نشر الأقاويل المهولة والأنباء المصطنعة عن ممارسيها وعامليها، وكان لزحف قواعد الجودة وتطبيقاتها على أنظمة العناية الطبية أبلغ الأثر في بداية تصحيح الأوضاع وترشيد المسار، وقطعت جهات كثيرة أشواطا في الاتجاه السليم، وهبّت علينا نسائمها فدبت في المملكة العربية السعودية نهضة طبية غير مسبوقة وأصبحت بلادنا رائدة في هذه المنطقة بلا منازع في تفعيل وتطبيق مبادئ وأصول الجودة في القطاع الصحي وطبيعي أن يعقب هذه النقلة النوعية التأكد من نشر وإنجاز أساسياتها توقعاً لقنص تبعاتها وقطف ثمارها: النهوض بخدمات الرعاية الصحية في ربوع الوطن الحبيب. ويهدف هذا المقال لرفع مستوى اليقظة لدى مقدمي الخدمة والمستفيدين منها على السواء دون تعدّ أو تجنّ ودون محاباة أو تحيز تجاه أشخاص بعينهم أو نحو جهات باسمها، إنما هو من أجل الحقيقة والحقيقة فقط، وشأن مهنة الطب عظيم وقدرها كبير. قد نتفق ونختلف ونتجادل على محتويات هذا المقال، لكنني حاولت عرض هذا المقال في صورة غير مملة إن لم تكن مشوقة، فما نرمي إليه ونهدف من هذه الخطوة أن تكون بدايةً لنهج مماثل، فنحن أيضاً من سلالة البشر ولا نعيش بمعزل عن العالم فينا من كافة الأطياف وجميع الأنواع، نسعى إلى الفائدة ونطمح أن نكون من المفيدين، ولعلمنا ووعينا أن المهنة الطبية لا ترضى ولا تقبل أن يكون النقد أو الحكم عليها من خارجها، فعمدنا نحن أن نقوم بالمهمة، فلا خير فينا إن لم نقلها ونعلنها لكن في أطرها الأخلاقية، تشجيعاً للمجتهد وإنذاراً للمسيء. وفي هذا السياق فنحن نقترح إنشاء هيئة وطنية مستقلة ومحايدة للاعتراف بالمنشآت الصحية لا تتبع لأي منشأة حكومية وتكون خاضعة لبنود القانون وأدبيات الطب. ندعو الله القدير أن ينفع بهذا الجهد وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم. *وكيل كلية الطب للشؤون السريرية -جامعة الملك خالد