تقول القصة الإدارية التي يتداولها المهتمون بالقضايا الإدارية إن فريقاً استشارياً شُكل لإعادة تنظيم وكالة (ناسا) وعندما بدأ الفريق عمله، واتجه إلى الوكالة، مر في طريقه بأحد عمال النظافة داخل الوكالة منهمكاً في أداء عمله، فتوقف الفريق عنده وسأله: ما الذي تفعله في وكالة ناسا؟ فقال: أساهم في إطلاق الصاروخ. بعد سماع هذه الإجابة قرر الفريق الاستشاري أن وكالة ناسا لا تحتاج إلى إعادة تنظيم! المغزى في هذه القصة أو الموقف أن جميع العاملين بكافة المستويات لديهم إلمام برؤية المنظمة التي يعملون فيها، ولديهم معرفة تامة بأهداف المنظمة ورسالتها، وطبيعة عملها، الأمر الآخر المهم الذي نستفيده من عامل ناسا، هو أهمية جميع العاملين والموظفين، فالجميع يشكلون فريق عمل ينطلق من أهداف واضحة ومعروفة للجميع، والكل يساهم في تحقيق هذه الأهداف مهما كان موقعه في الهرم الوظيفي أو طبيعة عمله. في مقابل ذلك نجد في منظمات أخرى أن بعض المديرين لا يعرفون رؤية الجهة التي يعملون فيها، أو يعرفونها ولا يشتركون في القناعة بها لأن الفرصة لم تكن متاحة لهم للمشاركة في صياغتها، وإذا لم تتوفر القناعة لدى الجميع يحدث خلل في أداء عمل الفريق. الجانب الآخر لهذا الموضوع هو أهمية النظرة الشمولية لكافة العاملين في المنظمة، وتقدير المديرين لما يقوم به العاملون معه في أي موقع بل إن الجنود المجهولين يستحقون نظرة اهتمام أكثر من الآخرين، ويحتاجون إلى من يلتفت إليهم ويقدر أعمالهم التي قد لا يشعر بها أحد إلا إذا توقفت رغم بساطتها وبعدها عن المواقع القيادية. وتعني النظرة الشمولية أيضاً تفهم جميع العاملين في كافة الأقسام والإدارات لما تقوم به الأقسام والإدارات الأخرى وإدراك الأولويات التي تتضمنها خطط العمل. إن القيادة الإيجابية هي التي تأخذ في الاعتبار جوانب العمل المختلفة الفنية والتنظيمية والسلوكية، وتشجيع المشاركة في اتخاذ القرارات لما لهذا الأسلوب من أهمية في رفع الروح المعنوية، وتعزيز الانتماء والالتزام، وتنمية القدرات واكتساب المهارات. إن عامل النظافة في وكالة ناسا قد لا يؤثر بشكل مباشر في العمل الأساسي الذي تقوم به الوكالة، ولكنه جزء من بيئة العمل وأحد أعضاء الطاقم البشري الكامل الذي تتكون منه الوكالة، ويستطيع أن يعلن عن وجوده بطريقة سلبية إن أراد ذلك ولن تعجزه الحيلة عن إيجاد وسيلة لنسف جهود الإدارة والعلماء إذا وجد أنه يعامل بطريقة غير انسانية. إن إعادة التنظيم لا تتجه نحوالخريطة التنظيمية فقط بل تمتد لتشمل كافة العناصر بين ذلك اللوائح والأنظمة والسياسات، وخطط التدريب، وأساليب المتابعة والتقييم، وبرامج التطوير والرؤى المستقبلية، ومستوى القوى البشرية ومدى كفاءتها، والتزامها بأهداف التنظيم، وبالتطوير الذاتي. عندما نبدأ إعادة التنظيم يجب أن نبدأ بالإنسان ومن خلال تقييم هذا العنصر الأهم في منظومة العمل نستطيع أن نتعرف عن قرب على الوضع الراهن بجوانبه التنظيمية والفنية والسلوكية. تأسيساً على ما سبق نقترح على الفرق الاستشارية التي تكلف بدراسات التنظيم وإعادة التنظيم أن لا تنغمس كثيراً في الأوراق على حساب الوقت الأهم الذي يجب أن يستثمر لمقابلة الإنسان. [email protected]