لنتأمل.. رغم تحذيرات الجميع لها بعدم تشجيع عصابات المتسولين بإعطائهم ما تجود بها يداها من مال، إلاّ ان قلبها يتقطع ألماً عندما ترى هؤلاء الصغار عند الإشارات المرورية يلتقطون الريال والعشرة من سيارة صاحبها يستعجل الإشارة حتى ينطلق فهو لا يحب الانتظار، ورغم الحكايات الكثيرة التي تسمعها عن تصرفات هؤلاء الصغار والصغيرات إلاّ ان شعورها بالذنب وهي في سيارتها تتمتع بالمكيف بعيداً عن حر النهار واختناق الليل الصيفي الذي يكتم الأنفاس يجعلها لا تهتم لهذه التحذيرات. ووجهة نظرها في الحياة هو ان المال ليس بمهم، وان أسهل ما يمكنك ان تمنحه للآخرين هي المال أو الماديات وأصعب شيء هو ان تمنحهم جزءاً من وقتك من عقلك من اهتمامك. ووجهة النظر التي ختمت بها الفقرة السابقة جديرة بالتأمل، ففي عالم سيطرت فيه المادة، يصعب عليك ان تقاوم كفرد فكرة ان المال هو هدف ووسيلة وغاية وغطاء أمان وقوة وحتى واجهة ثقافية. وفي مجتمعات يقيّم فيها الإنسان بالسيارة التي يركبها وبمساحة المنزل الذي يعيش فيه وعدد رحلاته السنوية، وبماركة الساعة، ونوعية الحذاء وإطار النظارة الشمسية، ونوعية حقيبة النساء الصباحية ومحفظة الرجل المليئة بفواتير الفيزا التي تثقل الكاهل، ومجلات أزياء وزينة مليئة بصور الممثلين والممثلات والمغنين والمغنيات يتحدثون عن أهمية الشكل والمظهر وطريقة اللبس التي يقلد كل واحد منهم فيها نظيراً له في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، يصعب على الإنسان ان لا ينشغل بالأمور المادية، فهذه تريد ان تقتني نفس النظارة التي ارتدتها مغنيتها المفضلة في الفيديو كليب الذي شغل الدنيا، والآخر يريد تلك السيارة التي يقتنيها لاعبه العالمي المفضل، وتلك الأكثر نضجاً تفكر في ان ترتدي تلك الساعة الفخمة المرصعة بالألماس التي ارتدتها تلك النجمة العالمية في حفل الأوسكار، وذاك هوايته تغيير جهازه الجوال بحيث يقتني جهازاً جديداً كل ثلاثة أشهر والصغيرة تريد مثل فستان نانسي عجرم إياه وهذه الصغيرة لابد ان نعترف بأنها قنوعة! وكثيرون منا يقفون مسلوبي الإرادة أمام الأشياء سواء أكانت هذه الأشياء تبرق أو تلمع أو تتلألأ أو مطفية ليس لها لون ولا طعم ولا رائحة. وتظل هذه الأشياء المادية جزءاً مهماً من حياتنا وتشغل حيزاً كبيراً، تلهينا عن مشاكلنا، نقتنيها كنوع من العلاج النفسي لحالة كآبة تصيبنا، نهديها كصورة من صور الاعتذار أو التخفيف من الشعور بالذنب الداخلي حين نخطئ ولا نريد لمستقبلي الهدية ان يقفوا عند هذا الخطأ أو يعرفوا بهذا التقصير! وهذه الأشياء المادية قد تسعدنا لا يمكننا ان ننكر ذلك، فأنت حين تركب سيارة فخمة ولو ليوم واحد «استلفتها من صديق» قد تشعر بأنك مميز، لاحظوا بأنني أقول قد، وأنت حين تضطجع في مقعدك في الدرجة السياحية وقد تكورت قدماك واحتارت يداك باحثتين عن مكان في هذا الحيز الضيق الذي تشغله مع هذا الذي يشخر والثاني الذي يعتدي على مسند مقعدك ومضيفة الطيران تلقي بالوجبة المعلبة في حضنك وهي تتأفف، قد تتساءل ماذا يجري في الدرجة الأولى؟ وربما تحسد ركابها قليلاً، متناسياً أنك وهم ستصلون إلى نفس المطار في نفس اللحظة! لا نستطيع ان ننكر ان هذه الأشياء التي تعتبر من مظاهر الاكسسوار الفخم هي أشياء قد نفكر فيها وقد نتمنى لو أننا جميعاً نملكها وما المشكلة في ذلك؟ المشكلة هي حين تصبح هاجسنا، وتعطلنا عن ما هو أهم مثل بناء أنفسنا وعقولنا، وحين نعتقد أننا بدونها ليس لنا وجود. العنوان البريدي: ص.ب 8913 الرياض 11492