المجتمعات العربية مؤخراً ابتليت بخوف جديد أصبح طابعه المقلق سمة للكثيرين في حديثهم ورسائلهم وتعليقاتهم حتى الإعلام صار طرفا حيويا في اللعبة فزاد الطين بلة؟! في إحدى المرات كنت مجتمعة بمجموعة من السيدات المغتربات من جنسيات عربية مختلفة إحداهن كانت عراقية وكانت أكبرنا سناً ،من ضمن تلك المجموعة كانت اثنتان أجنبيتين وبعد أن اندمجنا في حوارات عدة فاجأتنا إحدى الأجنبيتين بسؤال صبغه طابع الفضول بسذاجة وتّرت المجلس، وجهت سؤالها للسيدة العراقية بعد أن أخذتهما أطراف الحديث في جوانب عدة عن مذهبها إن كانت سنية أم شيعية فردت عليها العراقية بإجابة مقتضبة أنا مسلمة وضعي بعد هذه الكلمة نقطة. فانحرجت الأجنبية وذابت في مجلسها من الخجل بعد أن سُددت لها نظرات عدة منتقدة . لم ألم العراقية على موقفها وغضبها، بعد أن هزت الصراعات المذهبية بلادها ومزقته. خصوصا وأنها قد أبدت موقفا محددا تجاه ما يمضي فيه بلدها في محاولاته للتوازن والاستقرار، وترحمت على أيام مضت كانت الأرض والعشرة فيها ترطب وتلطف أي قسوة يمكن أن يسببها اختلاف المذهب. والآن مجتمعات عربية عدة توشك أن تمضي في نفس الطريق الذي سبقه فيها المجتمع العراقي وهي تزرع في أفرادها (فوبيا الاختلاف) لتحيله سببا للخلاف. الانقسام الذي تعيشه كثير من المجتمعات العربية والذي يستغل ويؤجج لتحقيق مكاسب سياسية وما يعول عليها من أجندات أجنبية ، تروج لمفردتين كأساس للفرقة والصراع وتدس سموما عدة تفتك بالجسد الواحد وتشل تفكيره مع كل رعشة تدب فيه وتهول من أمرها حتى توشك أن تكون القاضية! هذا الاختلاف كان شرخا مؤذيا ممتدا عبر التاريخ لكن الناس مع ذلك لم تكن تصرح به تخشاه فتتحاشاه وتهرب من الخوض فيه، لأنها تعرف أن نهاية الخوض في تفاصيله قد توقظ مارد الخوف النائم في قلوب الناس فتؤجج العداوة وتفرق ما كان مجتمعاً، أو تشعل نار الفتنة فيه فتحرقه. وليس من مصلحة أي مجتمع عربي في الوقت الراهن أن يدخل لعبة اختلاف المذاهب تلك ويحاول التلاعب بها ليحقق مكاسب مؤقتة لا تفي بما قد يمكن أن يتبعها من خسائر وانقسامات. هذا ما يجب أن يعيه أي مجتمع حتى لا ينساق وراء الأضواء المضللة والفلاشات التي تعمي البصائر قبل الأبصار بما تحمله من شعارات رنانة قد تكون جوفاء ضخّمها بعض المتصيدين ونفخوا فيها لتكبر وتكبر حتى تنفجر وتؤذي كل من كان فيها أو حولها. وليس من الصواب إذكاء نار هذا الاختلاف التي قد يعمي دخانها عامة الناس فينقادون بكل جوارحهم وراء بعض رموز المجتمع الذين يصطادون ويتصيدون الفرص للتلاعب بمشاعر مجتمعاتهم وتأجيجها لمصلحتهم بالتخويف والتشكيك. ولنأخذ المجتمع العراقي نموذجا فبعد أن بدأ محنته بالتركيز على الاختلاف وتعميقه في وجدانه فشل في تحقيق الأمن والأمان الذي ينشده، فمل أبناؤه من هذا الاختلاف لأنهم أيقنوا بعد كل التشتت والدمار الذي عاشوه أن اللعب والتلاعب بسلاح خطر مثل المذهب وما يقوم عليه المعتقد هو طريق مظلم لا نهاية له ولاعودة منه، متى ما انطلقت شرارته اشتعل وقضى على كل ما يمكن أن يكون في طريقه.