لماذا تتعطل مشاريع استراتيجية كبرى؟ هل بسبب «البيروقراطية» الحكومية، أم شركات غير مؤهلة أصلاً للقيام بهذه المهمة، أم احتكار ثلاث شركات تأخذ البلايين وتعطي من الباطن مقاولاتها لتتعثر؟ والغريب في كل هذا أننا لم نسمع ولم نقرأ أو نشاهد جزاءً، أو تشهيراً بالمتسبب، وما هي أسباب هذه الحصانة التي لا نجد مثيلاً لها في أي بلد؟! استعملنا حواسنا لفهم الأسباب وعجزنا عن الوصول إلى نتيجة، لكننا حين نعود بالتاريخ للطفرة الأولى، وكيف كان السباق حاداً بين تلزيم المشروع وسرعة إنجازه، نجد أن السبب يعود لدخول شركات كورية، وتايوانية زاحمت الشركات الأوروبية والأمريكية بجودة العمل، والتكاليف الأقل، بينما في الوقت الراهن غابت تلك الشركات إلا من بعض المقاولين الصينيين الناجحين في بلدهم وبلدان أخرى، والفاشلين لدينا!! ثم نأتي لعامل آخر وهو ضعف الرقابة وتطبيق القوانين، فكل الوزارات تدوّر أرقام مشاريعها، بعضها يشكو وزارة المالية، وآخرون يتحدثون عن عدم التنسيق بين الجهات الحكومية ذات العلاقة بالفسح، وتأمين العمالة وبطء دور البلديات ومصالح أخرى، وهذا سبق أن حلّته دول عديدة سبقتنا بتجاربها، لكننا لم نستفد منها.. مشاريع الطرق، والمستشفيات، والموانئ والمطارات، والسكك الحديدية والمياه وغيرها، مشاريع ترقد في الأدراج، ومن ثمّ توقيع عقودها تعطلت عجلات دوراته، ومع وجود تصنيف للمقاولين، وقوانين ملزمة بسرعة التنفيذ، فالدوائر الحكومية تعزوها للشركات، وبدورها الشركات ترى السبب الإجراءات الحكومية، وفي غياب وزارة للأشغال تكون المرجع والمراقب، فإن الحالة ستدوم في حالة التعثر.. دول العالم من كبراها ودنياها، غالباً ما تشكو نقص التمويل للمشاريع، ونحن العكس بوجود هذا الفائض الكبير من الأموال، لا نجد مقابلاً يساوي قيمتها، وما لم يكن هناك جدية في التحرك السريع وتحليل كافة الظروف والأسباب التي أدت إلى هذا التباطؤ، والتوقف، فإن الخاسر هو البلد كله، وإلا ما معنى خطط وأزمنة للتنفيذ، ودوائر رقابية، ومجلس شورى، لا تعالج أسباب النقص وتواجه الموقف بما يرعى المصلحة الوطنية، أم كل ذلك متروك لحاله يصلحه الوقت أو يقتله؟ نحتاج في الأجهزة الحكومية، إلى إصلاحات جذرية، لأنها منبع ومصب كل التعقيدات، وضعف التأهيل، واللامبالاة في العمل، لدرجة تدني الأداء إلى ما يقرب الصفر في بعض الدوائر، ومع أن معهد الادارة قام بدور التأهيل والتدريب، إلا أن شهاداته بقيت للترقية، لا التغيير في بنى أنظمة عفا عليها الزمن.. أياً كانت الأسباب في تعطيل المشاريع، فالمسؤولية لا يُعفى منها المخطط والإداري، وملزم المقاولات وكتابة عقودها، وهذه تشمل العديد من الجهات، والتقصير سيبقى إلى أن نجد المنقذ المستحيل!!