حمّل اقتصاديون ومهندسون ومقاولون الأجهزة التنفيذية في الحكومة مسؤولية تعثر مشروعات التنمية التي طرحت خلال السنوات الماضية، ولم تكتمل حتى الآن، فيما اعتبروا أن الشركات المنفذة والاستشاريين المشرفين على تلك المشروعات بنسبة كبيرة غير مسئولين عن التعثر. وأرجعوا أسباب تعثر المشروعات إلى الأنظمة والقوانين والبيروقراطية في انجاز معاملات المشروعات وتأخر تسليمها للمقاولين، وفرض عقد موحد لجميع المقاولين يصب فقط في مصلحة المالك دون المقاول، حتى أصبحت «عقود إذعان» وليست عقودا عن تراضٍ بين الطرفين، مشيرين إلى أن الفساد الإداري والمالي يمثلان السبب الرئيس وراء تعثر مشروعات التنمية، بالإضافة إلى آلية الطرح، وتأهيل المقاولين، وانعدام المتابعة الدقيقة والمساءلة، مؤكدين على أن ارتفاع تكاليف المشروعات يعود إلى أن المقاول يحسب حسابه على الكثير من المصروفات التي قد تذهب بعضها في غير ما خصص له!، مطالبين بتطبيق نموذج شركة أرامكو السعودية في تنفيذ مشروعات التنمية لكي يتم الخروج من هذه الأزمة. مسؤولية التعثر في البداية تحدث المشاركون في "الندوة" عن مسؤولية تعثر المشروعات (الحكومة أم المقاولين أم ظروف السوق)، وقال م. حنفي: "إن تعثر المشروعات يعطل مسيرة التنمية، وأنا أستغرب من بعض الصحف التي تصب اتهاماتها في هذا الجانب على بعض المقاولين، وكذلك تصريحات بعض المسؤولين عن عدم أهلية بعض الشركات وراء هذا التعثر، والسؤال، لماذا تم تسليم هذه الشركات مسؤولية التنفيذ إذا كانت غير مؤهلة؟. وأضاف أن أسباب التعثر تتركز في عدة عوامل، تدخل فيها الحكومة والمقاولين والأنظمة التي تتمحور في القوانين والأمور الإدارية والفنية والمالية، فمثلاً فيما يتعلق بالجانب الإداري، نجد البيروقراطية في انجاز معاملة المشروع مما يضيع الكثير من الوقت من بداية الإعلان وتوقيع العقد إلى تسليم الموقع وطول هذه الفترة تحمل المقاول أعباء كبيرة ومصروفات إضافية لم تكن في الحسبان، وفيما يتعلق بالقوانين فإن وزارة المالية تفرض عقداً موحداً على جميع المقاولين، وهذا العقد يصب في مصلحة مالك المشروع على حساب مصلحة المقاول ويضع كامل المسؤولية على المقاول فقط، ورغم ذلك يضطر المقاولون الى التوقيع على تلك العقود؛ لأنه ملزم لجميع المقاولين الذين يعملون في مشروعات حكومية، وحسب الإحصائيات فقد تعثر العام الماضي أكثر من 130 مشروعا من المشروعات الكبيرة وسحبها لا يؤثر على المقاول بقدر ما يؤثر على اقتصاد الوطن بالكامل، وقد طالبت لجنة المقاولين في غرفة جدة بإعادة النظر في هذا العقد وتطبيق عقد "فيدك"؛ لأنه عقد منصف للمالك والمقاول والاستشاري. وأشار "م. حنفي" إلى وجود مشكلة تداخل الصلاحيات بين الاستشاري والمالك، ففي بعض الأحيان يعطي الاستشاري تعليمات للمقاول ثم يرفضها المالك، ومن الناحية الفنية نجد أن المخططات تتضارب مع الواقع بسبب تغيير الاستشاري المصمم للمشروع باستشاري آخر يشرف عليه، فالمقاول عند توقيع العقد يكون ملتزما بكل ما ورد في التصميم، وأي أخطاء تمت في مخططات المشروع يتحملها المقاول رغم انه لا علاقة له بها فقد اعتمدها المالك من قبل ولم يعترض عليها، ومن المشكلات التي تواجه مراحل تنفيذ مشروعات التنمية التعديلات أثناء التنفيذ دون توقف العمل، بالإضافة إلى تغير أسعار مواد البناء صعوداً بسبب طول الفترة التي تفصل بين توقيع عقد التنفيذ وتسليم الموقع التي تتجاوز في بعض المشروعات 24 شهراً، وترسية المشروعات على صاحب السعر الأقل، فنجد مشروعات تكلف نحو 100 مليون ريال، ثم ترسى على مقاول تقدم بعرض 70 مليون ريال، وهذا غريب جداً، لذلك إذا أردنا القضاء على ظاهرة تعثر المشروعات يجب العمل على تهيئة المناخ المناسب ليعمل المقاولون في مناخ صحي. جانب من احدى المشروعات الخدمية المتعثرة «ارشيف الرياض» تأخر المستحقات بينما يرى "الصحفي" أن الحكومة والمقاولين وظروف السوق تتحمل جميعها المسؤولية المشتركة، غير أن المقاولين هم الحلقة الأضعف في الموضوع، لذلك نجد أن الاتهامات تتوجه إليهم جزافاً، في المقابل هناك تصنيف للمقاولين، وعندما يتم توقيع عقد مع أحدهم ثم يتعثر في التنفيذ، نجد أن تصنيف هذا المقاول غير صحيح، وهنا تتحمل اللجنة المصنفة هذا التعثر وليس المقاول، بالإضافة إلى القصور في الأمور الفنية، حيث يتفاجأ المقاول بتعارض الواقع مع التصاميم، كما يتفاجأ بوجود أمور فنية في التصاميم والمخططات غير واضحة، وهذا يجعل المقاول يتهم بأخطاء لم يرتكبها، مما يضطره إلى طلب تعديلات في المشروع وهذا يكلفه مصروفات إضافية من المفترض أن لا يتحملها؛ لأن شروط العقد لا تلتزم بالتعويض وأخذ التطورات الجديدة في الحسبان. وقال: إن تأخر المستحقات المالية للمقاولين تلعب دوراً كبيراً في تعثر المشروعات، حيث نجد معظم شركات المقاولات تعود إلى عائلات، ولا ترتكز على بنية مالية قوية يسمح لها بمواصلة أعمال التنفيذ ثم الحصول على مستحقاتها لاحقاً، لذلك لا بد أن تتوافر في بنود العقد إيضاحات عن جدولة الدفعات ومواعيد تسليمها، ومن المشكلات التي تتسبب في التعثر تحمل المقاول مصروفات الاستشاري المشرف على المشروع إلى حين الانتهاء منه وتسليمه، وهذا يصب في مصلحة الاستشاري الذي يهدف إلى التحصيل أطول فترة ممكنة، ومن المفترض أن يحدد العقد فترة معينة لمصروفات الاستشاري وبعدها يتوقف المقاول عن الدفع له، ويجب أن نعرف أن بقاء المقاول في مشروع واحد مدة طويلة يضيع عليه فرص الدخول في مشروعات أخرى مما يضر بمصالحه، ومن أسباب التعثر زج شركات محلية في مشروعات عملاقة لا تمتلك تلك الشركات الخبرة الكافية في تنفيذها، مما اضطرها إلى توزيعها على "شركات الباطن" التي لا تدخل في التصنيف المعتمد لدى وزارة المالية، وهذا يؤدي إلى خلل كبير، وإذا تطرقنا للشركات الأجنبية نجد أنها منحت محفزات مثل الإعفاء من الرسوم الجمركية ورسوم التأشيرات، ونحن نتمنى مساواة المستثمر السعودي بالأجنبي في هذه الجوانب. تأخر تنفيذ المشروغات يعيق حركة السير داخل المدن الإنفاق الحكومي وجشع المقاولين ويرى "د.الحارثي" أن الإشكال يقع في الجهات الثلاث، فالإنفاق الحكومي على مشروعات التنمية قل في أواخر التسعينات الميلادية وحتى عام 2005م، عندما كان الدخل منخفضاً مما ساهم في تحفظ الميزانيات لعدم وجود استقرار في أسعار النفط في تلك الفترة، بالإضافة إلى وجود أخطاء في آلية تصنيف المقاولين لدى الحكومة، فقد اعتمدت منذ سنوات طويلة ولم يتم مراجعتها وتحديثها بشكل فني، فهذا التصنيف جيد كفكرة، لكن آلية تطبيقه أدت إلى احتكار مجموعة من المقاولين لمشروعات التنمية مما رفع عليهم العبء، فاضطروا إلى التعامل مع مقاولي الباطن غير الأكفاء فينتهي المشروع إلى المجهول، بالإضافة إلى عدم وجود بند في العقود يجيز للحكومة إنهاء العقد، وعدم وجود غرامات مالية رادعة مقارنة بضخامة العقد، حتى أن بعض المقاولين يضعون بنداً للغرامات لمدة ثلاث سنوات ضمن العروض التي يتقدمون بها للتنفيذ، وهذا يجعلنا نصر على وجود رادع قوي لا يعتمد على الغرامات المالية فقط. نحتاج إلى تحديث نظام المشتريات الحكومية وتطوير «آلية الترسية» وتأهيل الاستشاريين والمقاولين ودعم «الاندماجات» وقال: فيما يتعلق بجانب المقاولين، نجد البعض منهم يتملكهم الجشع والطمع، فيدخلون في عدة مناقصات رغم معرفتهم بعدم قدرتهم على تنفيذها في وقت واحد، أو يلجاؤن إلى رفع هامش الربح من خلال الاستعانة بمقاولين من الباطن غير مؤهلين للعمل في تلك المشروعات، وغالبية هؤلاء المقاولين من الأجانب الذين يحصلون على عقود كبيرة من الشركات الأم، فيرفع المقاول الأساسي الهامش الربحي على حساب الجودة والالتزام بالوقت، وأما ما يخص ظروف السوق فيمكن قبولها في عام 2009م، بسبب ضعف الإنفاق الحكومي في تلك الفترة، لكن ميزانية 2010م خصصت 31% من الميزانية للاستثمار في مشروعات التنمية، وفي عام 2007م كان الإنفاق على مشروعات التنمية 76 مليار ريال، وفي عام 2010 وصل حجم الإنفاق إلى 260 مليارا وهذا التزايد يفترض أن ينعكس إيجاباً على المشروعات، غير أن الواقع عكس ذلك تماماً، فعندما نحصي المشروعات الكبيرة التي تمت خلال خمس سنوات نجدها محدودة ولم تتم بواسطة طرح المناقصات التي تعتمد على الأقل سعرا وتتناسى الجودة. برنامج متكامل وأكد "م.السعدي" على أن عناصر نجاح أي مشروع تتمثل في إيجاد برنامج متكامل يلبي جميع احتياجات المشروع، ورصد ميزانية مناسبة، وإدارة ناجحة، واستشاري جيد، ومقاول مؤهل، ودراسة جدوى اقتصادية عند الحاجة، مشيراً إلى أن حدوث خلل في أحد هذه العناصر يؤدي إلى خلل في انجاز المشروع، والحقيقة أن هذا ما يحدث في مشروعات التنمية لدينا، فالترسية تكون للأقل سعراً دون النظر إلى الجودة، وتسليم المشروع يتم بعد فترة طويلة تكون خلالها أسعار المواد شهدت ارتفاعات متعددة، وطريقة دعوة المقاولين غير جيدة في هذا الجانب. تطبيق تجربة أرامكو وحول نجاح مشروعات أرامكو والهيئة الملكية التي تنفذ بأعلى مواصفات الجودة وبأقل من تكاليف مشروعات الحكومة وتنتهي في موعده، أوضح "م.حنفي" أن لدى أرامكو نظاما جيدا فيما يتعلق بآلية طرح المشروعات، يتضمن تقييم المشروع من خلال الاستشاري المصمم للمشروع، ويتم اختيار مقاولين محددين وفق شروط معينة ومعروفة للجميع، ومنها التخصص وإمكانياته، وكذلك عدم انشغاله بمشروعات أخرى، كما لا يوجد في نظام أرامكو بيروقراطية في تسليم الدفعات. وقال: عند فتح المظاريف يستبعد أصحاب الأسعار المبالغ فيها، وكذلك أصحاب المبالغ المتواضعة التي تبعث إلى الشك في إمكانية انجاز المشروع، كما أن المقاول الذي يعمل مع أرامكو يتلقى حقوقه بشكل واضح وسلس، بالإضافة إلى أن المقاول لا يتحمل مصروفات التأخير في التنفيذ إلا إذا كان هو المتسبب فيه، أما في مشروعات الحكومة نجد المقاول "يلف ويدور" للإفراج عن ضماناته وتحصيل حقوقه حتى بعد انتهاء المشروع وتسليمه، لذلك يحسب حسابه على الكثير من المصروفات التي تذهب أحياناً في غير محلها، وإلا سيجد نفسه هو من يدفع للحكومة وليس العكس. ويشير "م.السعدي" أن لدى أرامكو إدارة مشروعات قوية جداً، ولكي تتأهل الشركة للعمل مع أرامكو يجب أن تجيب على أسئلة كثيرة، وأن تكون الشركة مؤهلة ومشبعة بالكوادر البشرية والمعدات اللازمة وهي مخاطرة كبيرة في قطاع المقاولات. وقال قد يستغرق التأهيل للعمل مع أرامكو نحو ثلاثة أشهر للتأكد من أهلية الشركة أو المكتب الاستشاري، كما أن لدى أرامكو ميزة خاصة، فعندما يتأهل المكتب الاستشاري للعمل معها تنتدب الشركة موظفين مختصين للعمل في ذلك المكتب ومراقبة آلية العمل، ومن مميزات أرامكو أيضاً أنها لا تريد الخسارة للمقاولين أو الاستشاريين الذين يعملون معها، وإذا وجدت شركة تتعرض للخسارة تقوم بدعمها لتخرجها من دائرة الخسارة، وهناك مثال آخر جيد فيما يتعلق بمشروعات التنمية والبني التحتية وهو القطاع العسكري الذي يتبع طرق فنية حديثة ومتطورة في متابعة مشروعاته. وأكد "د.الحارثي" أن ما يدلل على نجاح أرامكو أن الحكومة أوكلت إليها تنفيذ مشروع جامعة الملك عبدالله، رغم أن هذا ليس مجال الشركة وليس مكانها، غير أن التنظيم القوي والتخطيط السليم والمتابعة الدائمة وتأهيل المقاولين والفكر الأجنبي، أغلق أبواب الفشل بالنسبة لمشروعات هذه الشركة. ويرى "الصحفي" أنه لا يمكن للحكومة الاستعانة بشركة أرامكو لتنفيذ مشروعاتها، لكن هناك تجربة ناجحة وقائمة أمام الجميع، ويمكن للحكومة أن تنقل هذه التجربة وهذا الفكر إلى جهاتها المختصة في تنفيذ المشروعات، من خلال أخذ المعايير والمقاييس والأنظمة والقوانين التي تتبعها أرامكو في تنفيذ مشروعاتها، أو على الأقل الاستعانة بهيئة استشارية من أرامكو تقوم بإعادة رسم الخطط وتصنيف شركات المقاولات التي تعمل مع الدولة. أنظمة طرح المشروعات ويشير "م.حنفي" إلى أنه بدل من تكليف أرامكو بالإشراف على مشروعات التنمية يجب على الأجهزة الحكومية أن تعدل أنظمة طرح مشروعاتها للتنفيذ، لتتحمل الدولة جزء من المسؤولية، بدلاً من تحميل المقاولين كامل المسؤولية، مؤكداً على أهمية الشفافية في التعاقد بين الطرفين، وهذا ما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين عندما أكد على أن مسؤولية مشروعات التنمية يتحملها الجميع وليس طرف دون آخر. الخبرات الأجنبية بينما يطرح "د.جوهر" السؤال التالي، هل يمكن تطبيق نموذج أرامكو من حيث الجودة والأداء والمتابعة على مشروعات الحكومة؟ أم لا؟. وقال: إن من وجهة نظري يمكن ذلك، غير أن المشكلة تمكن في الإرادة التي ستظهر عندما نلغي من قاموسنا قاعدة العمل من الداخل فقط، فليس عيباً أن نستعين بالخبرات الأجنبية دون أن نكون محل استغلال لتلك الخبرات، ولكي نطبق نموذجاً جيداً يجب أن يكون لدينا جهات تدرسه وتقيمه، وهذه الجهات تتمثل في الجامعات ومؤسسات البحث العلمي، فأرامكو لم تصل إلى هذا النجاح في يوم وليلة، بل عبر عشرات السنين، وهي من شركات النفط العالمية الكبرى، ولا أظن أن لديها ميزانية محدودة، فالحاجة هي التي تحدد الميزانية وليس العكس، وهذه الخبرة اكتسبتها؛ لأنها كانت تتعامل مع مؤسسات وشركات عالمية كبيرة في الداخل والخارج، لذلك فإن من يلعب مع الكبار يصبح كبيراً مثلهم، ومن يستمر مع الصغار يصبح واحداً منهم!. محاربة الفساد الإداري والمالي وأضاف أن المسألة ليست فنية أو تقنية، فنحن نريد مشروعات تحقق طموحات "القيادة" وترضي المواطنين، وهذا التوازن لا يتم إلا بإصلاح العموميات، فإذا صلحت العموميات صلحت معها التفاصيل الصغيرة التي نجدها في جميع دول العالم، غير أن دول العالم قبل أن تنفذ مشروعاتها تنظر إلى حجم فرص العمل التي يوفرها وحجم المبيعات التي يحققها للتجار الممولين، ونموذج أرامكو يمكن تدريسه، كما يمكن تأهيل شركات في جميع مجالات التنمية وليس في مجال المقاولات فقط، وهذا لا يتم إلا بإيجاد أنظمة وقوانين تحارب الفساد الإداري والمالي. ارتفاع تكاليف المشروعات الحكومية وعن أسباب ارتفاع تكاليف المشروعات الحكومية مقارنة بغيرها من المشروعات، أوضح "الصحفي" أن بعض المشروعات تطرح وتفصل على مقاس مقاولين محددين يضعون الأسعار التي يريدونها، ولكن بصفة عامة لدينا شركات مقاولات كثيرة ومتعددة والمنافسة بينها قوية، وإذا طرحت مشروعات بالطريقة التقليدية نجد أن أسعار الشركات مقبولة ومعقولة مقارنة بما تتكبده من مصروفات إلى أن يتم الانتهاء من المشروع. ويرى "د.جوهر" أنه لا يوجد لدينا مكاتب حقيقية لدراسة الجدوى الاقتصادية، فكل ما نجده برامج موضوعة مسبقاً يتم تعديل أفكارها بين الحين والآخر حسب ما توجه به هذه المكاتب، فالمدة الحقيقية لدراسة جدوى أي مشروع كبير تستغرق ثلاث سنوات، فالمسألة ليست مجرد ربح أو خسارة، وإنما تدخل فيها المسؤولية الاجتماعية، من حيث مدى الاستفادة من المشروع وحجم فرص العمل التي يوفرها، غير أن ما نجده الآن هي برامج لدراسات جدوى اقتصادية تنتقل بين دول مجلس التعاون الخليجي عبر "سي دي"، وعادة ما تكون جميلة في شكلها لكن لا نجد من يناقش ما بين السطور. وبين "د.الحارثي" أنه عندما يتقدم المقاولون بعطاءاتهم يضعون في حسبانهم الغرامات التي تسجل عليهم بسبب تأخير المشروع، كما أن الارتفاعات المتواصلة لأسعار الاسمنت والحديد ومواد البناء جعلت المقاولين يتخوفون من التغييرات المتواصلة لهذه المواد،؛ لأن النظام لا يحميهم، لذلك نجد التكاليف مرتفعة، ونحن ندعو إلى تبني نموذج محدد لطرح المشروعات يتم من خلاله تقليل التكاليف وانجازها في وقتها دون الإخلال بالجودة. طرح المشروعات وعن الطريقة المثلى لطرح المشروعات الحكومية، شدد "م.حنفي" على أهمية تطوير وتحديث نظام تصنيف المقاولين الحالي الذي عفا عليه الزمن، وتأهيل الإدارات الحكومية المتخصصة في المشروعات، حيث نجد في بعض الأحيان دعوة مقاولين لتنفيذ مشروعات ثم يتم تعثرها وبعد ذلك يتهم هؤلاء المقاولين بالقصور، فإذا كانوا غير جديرين بالتنفيذ، لماذا تم دعوتهم؟. وقال: هذا يجعلنا نشعر بوجود أشياء غير طبيعية!!، كما يجب عدم النظر إلى الأسماء، فكثير من المشروعات تذهب لأصحاب الأسماء الكبيرة والمعروفة في هذا المجال ولا ينظر للأسماء المغمورة، رغم أنها قد تفوق إمكانياتها بعض الشركات الكبيرة، كذلك يجب التخفيف من المركزية في اعتماد المشروعات ومتابعتها، ففي بعض المدن نجد مشروعاً يتبع إحدى الوزارات وعندما يرغب المقاول في التحدث مع فرع تلك الوزارة يرفض، ويؤكد أن هذه الصلاحيات للوزارة فقط؛ لأنها هي التي وقعت العقد، كما يجب حسن اختيار المهندس الاستشاري لأنه الركيزة الأساسية في نجاح المشروع أو تعطله. ويرى "م.السعدي" أن نجاح أي مشروع يعود إلى الاستشاري والمقاول والجهة المالكة، فيجب تأهيل الاستشاريين كما يؤهل المقاولين، وعلى الجهات المسؤولة مراقبة المكاتب الاستشارية والتأكد من إمكانياتها، بالإضافة إلى ضرورة إعادة النظر في تقييم عروض المقاولين بحيث ينظر في العروض الفنية والمالية بالتساوي ولا يتم التركيز على العروض المالية على حساب الفنية، وإعادة النظر في تصنيف المقاولين، بحيث يتم تأهيل عشرة مقاولين متخصصين، ثم تتم دعوتهم لتنفيذ المشروع، بدلاً من الطريقة الحالية التي تتم عبر الإعلان عن مناقصات في الصحف ويتقدم لها أكثر من 500 شركة. إنشاء شركة حكومية وعن إمكانية إنشاء شركة مقاولات عملاقة مناصفة بين الحكومة والمواطنين كحل للأزمة، أوضح "د.جوهر" أن هذا ليس حلاً، فإنشاء هذه الشركة يتنافى تماماً مع اقتصاديات السوق الحر، فالقطاع الخاص لا ينقصه المال لإنشاء مثل هذه الشركة، غير أن الفردية والأنانية هي العائق أمامه. وقال: إن تدخل الأجهزة الحكومية غير منطقي وغير مطلوب، فالمشكلة في كيفية إقناع المقاولين الحاليين بالدخول في تحالفات وتأسيس شركات عملاقة بدلاً من هذا الشتات، فالشركات الحالية هي تحالفات بين أسماء معينة ولا تأخذ الأمور الاقتصادية بجدية في بنائها الداخلي، ورغم أن توجه الحكومة يسير نحو الاقتصاد الحر والبعد التدريجي عن التدخل، لكن عليها مسؤولية تسهيل الإجراءات والأنظمة التي من شأنها تأسيس شركات عملاقة وكبيرة وكذلك تدعيمها وتدريبها، مشيراً إلى أن أمامنا التزامات كبيرة في المستقبل لا تقتصر على مشروعات الحكومة، فنظام الرهن العقاري قادم ولدى القطاع الخاص مشروعات عملاقة، وغير ذلك من المشروعات التي يمكن أن ينمو من خلالها قطاع المقاولات، لكننا لا نرى مبادرات حقيقية فريدة من أصحاب الشركات. ويؤكد "م.حنفي" أن الاقتصاد الحر لا يفرض تدخل الحكومة بإنشاء شركة مقاولات عملاقة، فالمطلوب من الحكومة إيجاد تشريعات وقوانين تشجع على تأسيس شركات كبيرة، وليس الدخول كمنافس للمقاولين. ويشدد "الصحفي" على أنه ضد فكرة إنشاء شركة حكومية أو شبه حكومية لتنفيذ المشروعات، فالتوجه الآن يصب نحو الخصخصة وليس العكس، وهناك بعض شركات المقاولات الخارجية التي دخلت السوق المحلي كانت ناجحة في بلدانها فيما فشلت في السوق المحلي، وهذا يدل على أن الخلل ليس في الشركات، وإنما في الطرف الآخر الذي يتعاقد مع هذه الشركات لتنفيذ مشروعات البني التحتية، فهو يؤهل الشركات القادمة من الخارج لتصبح مثل الشركات المحلية، بسبب بيروقراطيته. وجهة نظر أخرى وأوضح "د.الحارثي" أن دخول الحكومة في المشروعات ضد مفهوم اقتصاديات السوق، غير أن دخولها في شركات تجارية بحتة سيدر أرباحاً جيدة للمواطنين، خاصة إذا كان طرحها بدون علاوات إصدار وبالقيمة الأسمية للسهم، وستكون ناجحة، ولدينا تجارب سابقة في هذا المجال، مثل قطاع البتروكيماويات الذي دخلت الحكومة كشريك فيه وحقق نجاحات كبيرة وفوائد مجزية للمواطنين ولم يؤثر على مسيرة القطاع الخاص، غير أن نقطة الخلاف تكمن في احتكار هذه الشركة للسوق أو منحها الأفضلية أو إلغاء المنافسة فتعتبر مضرة بالبقية. وقال: إن الأسباب - التي ذكرناها في بداية الندوة- هي التي ساهمت في تعثر شركات المقاولات أو إظهارها وكأنها عاجزة عن تنفيذ المشروعات، لكنني مع ذلك أنا مع تأسيس شركات ضخمة في المملكة لوجود مشروعات كبيرة لم تنته بعد رغم الاستعانة بعدة مقاولين بسبب قلة وجود الشركات العملاقة، لذلك تأسيس شركة عملاقة بمشاركة الحكومة لن يضر بقطاع المقاولات إذا وجدت الشفافية والحيادية في طرح المشروعات، لكن قبل ذلك يجب أن تذلل عقبات الاستثمار أمام الشركات الموجودة حاليا في السوق. الاندماجات تحل المشكلة وحول فكرة إنشاء تحالفات بين شركات المقاولات الحالية، ومدى مساهمتها في حل هذه الأزمة، أوضح "م.السعدي" أنه قبل الدخول في هذا المحور، أود التذكير بوجود تجربة سابقة في تأسيس شركة حكومية بمسمى دار الاستشارات، حيث فشلت هذه التجربة بسبب محاباتها على الآخرين، أما فيما يتعلق بفكرة التحالفات فأرى أنها جيدة إذا كانت تصب في جانب التخصص، بحيث تتحالف الشركات الحالية بناء على تخصصها، وليس التحالف لمجرد رفع رأس المال والظفر بمشروعات أكثر، فالتخصص يؤدي إلى تكامل السوق وتقوية الشركات نفسها، مما ينعكس إيجاباً على المشروعات الحكومية والخاصة، مشيراً إلى أن هذه التحالفات ستنجح إذا كانت وفق أسس وقوانين محددة تحكمها ومنها نظام الحوكمة. وقال "م.حنفي" إن التحالفات بلغة السوق تعني الاندماجات، وأنا مع هذه الفكرة التي ستحل الكثير من مشكلات سوق المقاولات وتعثر المشروعات، لأن الاندماجات تولد شركات عملاقة قادرة على تنفيذ المشروعات الكبيرة من خلال إدارات قوية، والحكومة تشجع الاندماجات وتطالب بها خاصة أن 80% من شركات المقاولات صغيرة، ولا تستطيع فنياً ومالياً وإدارياً تنفيذ المشروعات الكبيرة، وكانت هناك مطالبات من المقاولين لتسهيل إجراءات الاندماجات التي واجهت عدة عقبات، منها عدم إلغاء رسوم نقل الكفالات عند اندماج عدد كبير من الشركات. ويرى "الصحفي" أنه إذا كان الاندماج تكاملي ويمارس تخصصاً واحداً فهو جيد، أما إذا كان لمجرد رفع رأس المال والسيطرة على السوق والاستحواذ على المشروعات بأسعار عالية فهذا اندماج سلبي وغير مفيد. ويؤكد "د.الحارثي" على أن الاندماجات أصبحت السلاح العصري في جميع دول العالم، خاصة أن العمل الفردي في ظل نظام العولمة يواصل فشله حتى لو كان هامش ربحه جيداً، فهو يظل قليلاً مقارنة مع نتائج الشركات الكبرى، كما أن الاندماجات أو استحواذ الشركات الكبيرة على أخرى صغيرة سيساهم في حل مشكلة تعثر المشروعات وسيطور مفهوم تنفيذ المشروعات. الأجهزة الحكومية تتحمل 80% من مسؤولية التعثر.. و»المحسوبيات» أضرتنا! يرى «د. جوهر» أن الأجهزة الحكومية تتحمل 80% من مسؤولية تعثر مشروعات التنمية، فانتشار الفساد المالي والإداري هو السبب في كل هذا التخبط، فانا لا اعرف -حتى الآن- كيفية وصول بعض المقاولين إلى مبتغاهم، لكنني أعرف أن عدم شمولية النشاط الاقتصادي وعدم ترابط وكفاءة المشروعات أديا إلى ظهور الفساد المالي والإداري في جميع المجالات، وليس في مجال المقاولات ومشروعات التنمية، ولذا نحن نتساءل عن المتسبب في تعطيل مقاولات المدارس طوال هذه السنوات؟، حتى أصبحنا نبحث الآن عن مقاولي تنفيذ في وقت تغيرت فيه قواعد السوق والاقتصاد، ونتساءل أيضاً عن المتسبب في تعطيل مشروعات السكك الحديدة طوال الفترة الماضية؟، ومن وجهة نظري أن الأجهزة الحكومية هي المسئولة بالدرجة الأولى قبل القطاع الخاص. وأضاف أن المملكة تستطيع إنشاء بنى تحتية على أعلى مستوى من الجودة بثلث قيمة الإنفاق الحكومي الحالي، لأن الإنفاق الكبير الذي نشهده الآن على مشروعات التنمية سببه «المحسوبيات» في هذا المجال، كما يجب أن نلتفت إلى إمارات المناطق التي يجب أن تلعب دوراً كبيراً في هذا الموضوع؛ لأنها مسؤولة عن متابعة كل نشاط يتم تحت حدودها الإدارية، وهناك أمراء مناطق يتابعون هذه المشروعات في مناطقهم بشكل ملفت، وخلاصة الحديث أن علينا تطبيق الشمولية في المشروعات التنموية ومتابعتها ووضع إستراتيجية معتمدة تعاقب الشركات التي تتأخر في تنفيذ أعمالها من خلال «قائمة سوداء»، وليس عيباً الاستعانة بشركات أجنبية إلى أن يتم تعديل الوضع، لذلك فان اللوم كله يقع على عاتق وزارة المالية في هذا الموضوع. مقترحات وتوصيات م. السعدي: من الحلول التي تساعد في التغلب على أزمة تعثر المشروعات الحكومية تحديث نظام المشتريات الحكومية، وتطوير آلية طرح المشروعات، وتأهيل الاستشاريين والمقاولين، لأن كل مشروع يقوم على ثلاث قواعد (الاستشاري والمقاول والمالك)، كذلك إلغاء العقود الحالية التي تعتبر عقود إذعان، والاستفادة من نظام "فيدك"، كما يجب أن تكون آلية تنفيذ التغيير على مراحل ولا نفكر في التغيير الكامل والسريع، لأن ذلك يعيقنا عن البدء واتخاذ قرار الخطوة الأولى. م. حنفي: يجب إعادة النظر في العقد الموحد، لأنه مسلط على رقاب المقاولين والاستشاريين، ودعم الاندماجات عملياً من قبل الحكومة وعدم الاكتفاء بالأقوال، وتخلي المستثمرين عن الأنانية والعمل الفردي، وان تكون لديهم الرغبة في العمل الجماعي، كما أننا مع دخول الشركات الأجنبية، بشرط ألا يكون ذلك على حساب المقاول المحلي، وتغيير بعض أنظمة وزارة العمل التي تعيق المقاولين عن تنفيذ المشروعات، فأنظمة وقوانين الحكومة تمثل 85% من أسباب تعثر المشروعات التنموية. الصحفي: مشروعات التنمية هي في مصلحة الوطن قبل كل شيء، لذلك يجب على المقاول والمالك أن يضعان في حسبانهما هذه القاعدة للوصول إلى مشروعات ذات جودة عالية وغير متعثرة، كما يجب تمديد فترات العمل في تلك المشروعات على مدار الساعة، وعدم حصره في فترة زمنية واحدة لا تتجاوز ثماني ساعات، مما يساهم تعطيل الحركة المرورية والتجارية ويسبب أضراراً للمستثمرين تستمر لسنوات. د. الحارثي: يجب على الحكومة ترك الدخول في المشروعات، وتبني قرار مجلس الوزراء الذي صدر عام 2003م ويدعو إلى الخصخصة، لذلك يجب أن تترك الفرصة للقطاع الخاص لتبني تلك المشروعات ومن ثم تملكها وإدارتها لمدة زمنية معينة ثم تعاد إلى الحكومة، من خلال نظام (BOT) الذي تبنته دول شرق آسيا ونجحت فيه نجاحاً كبيراً، بسبب عدم تدخل الحكومة في الكثير من الأمور الفنية التي ربما لا تملك الخبرة الكافية فيها، بالإضافة إلى إعادة النظر في آلية صرف المستحقات للمقاولين بحيث تكون سريعة وتصرف في وقتها، فخلال الخمس سنوات الماضية أنفقت المملكة أكثر من تريليون ريال في مشروعات التنمية، ولكن كيف أنفقت هذه الأموال؟، وهل نفذت تلك المشروعات؟، لذلك يجب أن يكون هناك رقابة قوية ومتابعة دقيقة لتنفيذ مشروعات التنمية، بالإضافة إلى ضرورة إيجاد "قائمة سوداء" تضم الشركات التي عطلت أو فشلت في تنفيذ مشروعات دون مبررات مقبولة، كما يجب تحديث أنظمة المشتريات والتصنيف وآلية طرح المناقصات والاعتماد على تنظيم حديث وعصري في هذا المجال. د. جوهر: الحاجة إلى جميع فئات الشركات (الكبيرة والمتوسطة والصغيرة) وهذه قواعد الاقتصاد في أي دولة، وما نحتاجه هو إعادة ترتيب أوراقنا من داخل اقتصادنا، فإذا كنا لا نريد تدخل الحكومة في الاقتصاد (وهذا هو التوجه)، فإن النتائج ستكون جيدة في حالة واحدة، وهي أن تتلازم جميع شرائح الاقتصاد في جميع القطاعات مع بعضها ابتداء من اقتصاديات الأفراد ووصولاً إلى الاقتصاديات الكلية للدولة، بالإضافة إلى حاجتنا لقوانين إصلاح مالية وإدارية قابلة للتنفيذ، ونرى أثرها واقعاً ملموساً في الحياة العامة، كما أن على المستثمرين التخلي عن الأنانية والفردية التي طغت بشكل كبير في عصرنا الحالي، ليصبح البناء الاقتصادي قائما على أسس حقيقية تفصل بين المؤسسة ككيان اقتصادي وصاحبها، فالإصلاح يكون هرمياً من الأسفل إلى الأعلى وليس العكس وبدون ذلك لا يمكننا التقدم خطوة واحدة في هذا المجال. المشاركون في الندوة م. عبدالله سعد السعدي د. أسعد جوهر د. خالد الحارثي عبدالله الصحفي