ثلاث علامات: من اجتمعن له كان من عظماء الرجال وكان له حق الخلود فى العقول والقلوب: الأولى: فرط الإعجاب من محبيه ومريديه. الثانية: فرط الحقد من الحاسدين والمنكرين عليه لصدقه وأمانته ووفائه وإخلاصه وحلمه وقوة صبره. الثالثة: لا يعرف أعداؤه سبيلًا لكرهه أبداً ويحسبون أن حياته بحر من الأسرار والألغاز يحيط به وكأنه من خوارق الخلق الذين يحار فيهم الواصفون. وثلاث صفات: من اجتمعن فيه كان من القادة الأفذاذ ومن صناع الأمجاد: الأولى: شامخ في تواضعه، ومتواضع في شموخه عاطفي بلا قلق، عاقل بلا ارتباك، شجاع بلا دجل. الثانية: له قلب رقيق كالورد، وإرادة صلبة كالفولاذ، ويدٌ مفتوحة كالبحر، وعقل كبير كالسماء، وخيال واسع كالفضاء الثالثة: يعطي بلا مَنٍّ، يعمل بلا ضجيج، يستمع كثيرا ويتكلم قليلا، سمحٌ يشعر الكل بالعظمة في حضرته. وقد اجتمعت ولله الحمد كل هذه العلامات والصفات في فقيد الوطن وفقيد الإدارة وفقيد الاقتصاد وفقيد الوفاء والإخلاص معالي الشيخ فهد الدغيثر – مديري وبكل فخر واعتزاز في معهد الإدارة العامة سابقا- تغمده الله بواسع الرحمة والمغفرة، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان وخالص العزاء. بحق لقد كان الفقيد أنموذجا فريدا للموظف المخلص، والمدير المثالي، والقائد ذي الرأي السديد والرؤية الثاقبة والقرار الصائب، ولن أنساه يرحمه الله ولا مواقفه النبيلة التي تدل على صدق نيته في تعامله وحبه لعمله والعاملين معه، ودقته والتزامه وتنظيمه وتخطيطه الذي لا نزال حتى اليوم نجني في معهد الإدارة وغيره ثمار تلك الجهود والقيم الوظيفية النبيلة التي أسهم بسلوكه في غرسها في النفوس، حيث كان له فلسفة فكرية ورؤية مستقبلية تبلورت لدية على مدى سنين طويلة من الكدح والكفاح والعمل المتواصل في مدرسة الحياة. التقيت معاليه - يرحمه الله - أول مرة، بعد تخرجي من الثانوية التجارية عام 1394ه، حيث زرته في مكتبه بمبنى معهد الإدارة القديم في الملز بشارع الفرزدق، لأشتكي إليه عدم قبولي في الجامعة بحجة إني من أوائل مخرجات المعاهد الثانوية التجارية وأنه لا يوجد سابقة في الجامعات لقبول مخرجاتها؛ كونها جديدة، وبحجة أنها تابعة للتعليم الفني بوزارة المعارف في ذلك الوقت، وأن هدفها التأهيل لسوق العمل وليس للتعليم الجامعي، وحينما لمس معاليه جديتي ورغبتي الشديدة في مواصلة تعليمي، رحب ووجه بقبولي في المعهد وإلحاقي ببرنامج اللغة الانجليزية تمهيدا لإبتعاثي وذلك بعد اختبار ومقابلة أجرتها اللجان المختصة بالمعهد، وبالفعل التحقت بالمعهد وألحقت بالبعثة ونلت درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وبالتالي فهو يرحمه الله له فضل كبير في مسيرتي العملية والتعليمية في معهد الإدارة، فجزاه الله عني خير الجزاء. كما لا أنسى لطفه وجم تواضعه وسلوكه الذي علمت منه الكثير من الدروس، حيث مررت ذات يوم بحديقة المعهد وكان -يرحمه الله- يقلم أشجارها بنفسه، فقلت له: أنت معاليك من يقلم الأشجار؟ أين العمال؟ فرد علي قائلا: ألسنا أنا وأنت عمالًا ؟ فنزلت معه الحديقة أقلم وأجمع من الساعة السادسة والنصف صباحا حتى الساعة السابعة والنصف حيث وقت الدوام، وكان هذا اليوم من الأيام التي غيرت في حياتي وفهمي عن العمل الشيء الكثير. لقد اجتمعت للفقيد الراحل صفات القائد وصفات العظيم، وإذا كان البعض يُولد عظيماً، والبعض الآخر يحقق العظمة بنفسه، والبعض يخلعها عليه الناس كثوب يستحق لبسهُ -كما يقول شكسبير- فإن شيخنا وأستاذنا الكبير ومديرنا الفاضل ووالدنا العزيز الفقيد الشيخ فهد الدغيثر - يرحمه الله- ولد عظيما وحقق العظمة بنفسه وخلعها عليه الناس الذين عرفوه وعملوا وتعاملوا معه كثوب استحق بالفعل لبسه، وإذا كان الخالدون ليسوا همُ الذين ينجزون الأعمال العظيمة، وإنما هُم الذين يشقّون لمَن بعدهم الأعمال العظيمة فإن شيخنا أنجز وأرسى قواعد الأعمال العظيمة لمن جاء بعده. إن شهادتي في الفقيد مجروحة، ولكنها شهادة لله وللتاريخ، وما جاءت إلا بعد الرحيل، وهذا من أقل ما يجب في حقه، عوضنا الله فيه خيرا. والرجال العظام أمثاله يموتون مرتين، مرة كرجال، ومرة كعظماء، والأمل أن يخلد ذكره وإنجازه بإطلاق اسمه على أحد منجزاتنا الوطنية اعترافا بعطائه وتقديرا لوفائه وإخلاصه، كما تعودنا في هذه البلاد التي تقدر عطاء أبنائها المخلصين، والحمد لله على قضائه، والى جنة الخلد إن شاء الله..!