هبط كالصاعقة على وجداني قبل بضعة أيام نبأ وفاة أستاذي وشاهد ميلادي الوظيفي، معالي الأستاذ/ فهد بن سعود الدغيثر، وكنت يومئذٍ في مدينة باريس أمضي أياماً قلائل راحةً واستجماماً وسط أجواء (مربعانيتها) الصيفية المتقلبة مطراً وبرداً وإطلالات شمسية متقطعة ! - تلقيت النبأ الفاجع عبر رسالة نصية (معمّمة) من جواله رحمه الله، وكنت انعم بلحظات تأملية مع بعض الأصدقاء، وفجأة، انعقد لساني، وتوقف عن الكلام المباح، عدا كلمات مقتضبة هي أقرب إلى الهمس كنت (اهذي) بها معبراً عن صدمتي البالغة في وفاة صاحب القامة الرفيعة معالي الصديق الوفي الأستاذ/ فهد الدغيثر، الذي شهد ميلادي وظيفياً منذ نحو أربعين عاماً إبّان ولايته على شئون معهد الإدارة العامة، مديراً عاماً له، وكان أستاذاً وموجهاً لي ولأقراني من الزملاء الكرام، وقد بارك انضمامي إلى المعهد بعد عودتي من أمريكا مبتعثاً في مطلع السبعينات الميلادية. - لم تكن تربطني بالفقيد الكبير آصرة معرفة، لكن سمعته الإدارية الناجحة كانت ملء الأفق، وكنت آنئذٍ في السنة النهائية في الجامعة بمدينة لوس انجلوس، حين أرسلت له عرضاً خاصاً عبرت فيه عن رغبتي في التشرف بالالتحاق بمعهد الإدارة العامة، بعد عودتي من الابتعاث، ولكم كانت دهشتي المشحونة بالفَرح عظيمة حين تلقيت منه رحمه الله رداً خاصاً بعد نحو ثلاثة أسابيع يرحب فيه برغبتي الانضمام إلى أسرة المعهد، وأن (أراجعه) حال عودتي من أمريكا. ولن أنسى ما تلى ذلك عبر السنين، بدءاً بالوعد الصادق، فاللقاء به في الرياض أول مرة، لينطلق بعد ذلك موكب التجربة الجميلة في معهد الإدارة العامة لمدة خمس سنوات، بقيادة أبي زياد رحمه الله، حصدت خلالها من المعارف والخبرات والتجارب ما يجعلني أدين له بعد الله بالفضل والنبل والوفاء، ولتستمر بعد ذلك علاقتي المتينة به عبر العقود الثلاثة الأخيرة تواصلاً ووداً وتقديراً ! وبعد..، - فرحم الله أبا زياد، الصديق والمعلم والرائد، الأستاذ/ فهد الدغيثر، فقد اجتمعت في شخصيته خصال حميدة، من أبرزها، حبه لهذا الوطن وغيرته عليه، وجدّه واجتهاده وحماسه في خدمته خلال سنين عمله بدءاً بمصلحة الإحصاءات العامة، ومنه تعلمت ونفر من زملائي الكثر سمات الجد في العمل والالتزام بكل ما يقرب من الحق سلوكاً وأداءً، وينأى عن الباطل، عوجاً في القول أو العمل ! - رحم الله أبا زياد فقد كان قامة إدارية كبير في هذه البلاد، وكم تمنيت ومعي آخرون لو استفاد منه الوطن في مواقع أخرى، كي يثريها رؤية وانضباطاً وأداءً، كما شهدت بذلك تجربته العملاقة في معهد الإدارة العامة، و في الجمارك ومهمات أخرى تتعلق بحراك الإصلاح الإداري، والنشاطات المتعلقة به بحثاً وتحضيراً ومشاركة. - رحم الله أبا زياد.. فقد عاش أبياً في تعامله وتواصله ومنهجية حياته، ومات محمود الذكر، عاطر السيرة، مشهودَ الإنجاز. - رحمه الله وأنزله فسيح جناته.