يُبدي الانسان اهتماماً شديداً بصحته الجسدية رغم تفاوت هذا الاهتمام من شخص إلى آخر, وقد يمتلك برنامجاً متكاملاً لكيفية الحفاظ على صحته , وعدم إجهادها والاحتفاظ بطاقته الحالية إن كان شاباً للمستقبل , يتماشى ذلك مع تفاعله المستمر لأي حدث صحي طارئ ينتابه بالذهاب إلى المستشفيات , والكشف السريع والتأكد من أسباب تردي صحته البدنية , والتركيز على استخدام العلاج , والابتعاد عن كل ما هو مسبب لهذا الانهيار. يقابله عدم اهتمام كاف وبالذات للمواطن العربي لصحته النفسية وتجاهل مخاطر المتاعب التي يمر بها على اعتبار أن العلاج النفسي لا يخضع له سوى المرضى النفسيين بالرغم من أن ذلك لا علاقة له بالمرض النفسي, حتى وإن تغيرت سلوكياته تحت تأثير ظرف ما , أو أسباب طارئة ما . وبعيداً عن الخوض في أسباب من يرتادون العيادات النفسية وهي متعددة , توقفت منذ فترة أمام ما قاله المتخصص النفسي السعودي(وليد الزهراني ) من مركز الطب النفسي السلوكي للإرشاد والعلاج النفسي في مستشفى الأمن العام في الرياض لجريدة الرياض من أن 95% من مرتادات العيادات النفسية في السعودية هن ممن يعانين الفراغ العاطفي ويقعن تحت طائل الاكتئاب والرهاب الاجتماعي والجوع العاطفي جراء علاقات عاطفية فاشلة أو تبعات علاقة زوجية غير ناجحة. وفي دراسة له حول تأثير الفراغ العاطفي في الأسرة السعودية وصف المجتمع السعودي بأنه من أكثر المجتمعات افتقاراً للشعور العاطفي وأرجع الأسباب إلى البداية في التنشئة الأسرية في الصغر حيث يغفل الآباء عن إشباع الطفل عاطفياً في بدايات عمره, هذا الحرمان يولّد جوعاً عاطفيا ً حتى الكبر, ولذلك فور البلوغ يبحث عن العاطفة التي لم تُشبع لديه منذ الصغر إلى جانب أن كثيراً من الأمهات يبتعدن عن بناتهن فترة البلوغ ويصبح دورهن رقابياً أكثر منه توعوياً وعاطفياً, ولو وجدت الفتاه الحنان والإشباع والاحتواء في هذه المرحلة أسرياً, فلن تبحث عنه في الخارج . ويرى أن أكثر السيدات اللاتي يبحثن عن الحنان هن ممن تتسع بينهن وبين أزواجهن الفوارق الثقافية حيث يظل احتياجاً مرتكزا ً على الاحتواء والحنان والإحساس بالأمان. وأكد أن أكثر الأعمار عُرضة للفراغ العاطفي تقع بين العشرين والثلاثين عاماً ورأى أن دور الإعلام لابد أن يكون فاعلاً كدور الأسرة من خلال تبنيه لهذه الظاهرة والتنبيه إلى خطورة الجفاف العاطفي على أفراد الأسرة الواحدة , وطالب بأن يُدرج منهج للتربية والثقافة العاطفية ضمن المناهج الدراسية.. يتقاطع مع ذلك ما تعرفه بعض النساء من أن الرجل العربي يعاني من الشح العاطفي والمرأة هي من تدفع فاتورة هذا الشح , كونه يجهل كيفية التعبير عن مشاعره ويُصر على التعامل مع المرأة بجفاف رغم لطفه خارج المنزل وهو لا يرى غضاضة في ذلك طالما وفر لها كل ما تحتاجه من طعام ومسكن وحياة كريمة , بينما ما تحتاجه من مشاعر إنسانية ودفء عاطفي أو اهتمام أو مفردات رومانسية لا يخرج عن إطار مراهقة نسائية , في نظر الرجل وفراغ لدى المرأة وقد قرأت للدكتور ابراهيم الخضير استشاري الطب النفسي مقالاً جميلاً عن الشح العاطفي وهو الخبير في الأمور النفسية.. وإذا كان ما يتعامل معه الانسان هو الواقع وعليه تقبله واستيعاب أن صحته العاطفية لها تأثير كبير على درجة صحته البدنية من خلال أن الصحة العاطفية تنتج من تفاؤل أحاسيسه الداخلية ومن تعامله مع النزاعات والمتغيرات ومن رؤية الصعاب كتحديات وليس ككوارث فإن التصرفات الستة التالية هي عادات ممتازة للصحة العاطفية ذكرها توم بيبي وديفيد ماكفرسون في كتابهما (غيّر أسلوبك): ارض عن نفسك .. تعامل مع العالم بدون معارك داخلية ثابتة ليست كل معركة جديرة بالفوز , تقبل مالا تستطيع تغييره عندما تجد شيئاً تستطيعه ويجب أن يغير تقبل هذه المسؤولية. تقبل أخطاء الآخرين .. إن التعامل مع أخطاء الآخرين هو اختبار لنضج الفرد وإن تقبل الآخرين يساعدك على التعامل مع أخطائهم ويسمح لك بأن تنتقد بدون حقد فعدم التمادي مع الأشخاص هو إشارة لاحتياج صحتك العاطفية للعمل . احتفظ بأسلوبك الفكاهي واستخدمه كطائرة تدنو من الحواف الصلبة للحياة ان فكاهتك تعكس أسلوبك نحو الآخرين , لا تمزح على حساب الآخرين. قدِّر المتع البسيطة بغض النظر عن درجة تكررها غالباً , ابق مُثاراً بالأشياء حتى وإن كانت تبدو عادية بالنسبة لآخرين . استمتع بالحاضر .. بالرغم من أنك تستطيع التحكم فيه , أو التنبؤ به غامر بلا خوف في مشروعات وأماكن جديدة . رحِّب بالعمل .. استمتع بالعمل بكل أوجهه بما فيه التافه والروتين،تعلم أن تعيش مع هذه فضلاً عن الحياة في حالة من الاستياء المستمر . أخيراً (قد تجد الفرق لديك بعيداً عن تركيزك على البحث عنه لدى الآخر)..