يلجأ البعض إلى العنف كوسيلة للوصول إلى أهدافهم، إما لأنهم أمنوا العقاب فأساءوا الأدب، أو أنهم دأبوا على استعراض عضلاتهم وعنتريات قوتهم حتى يتمكنوا من تحقيق غاياتهم، في وقت يحتاج فيه من يطالب بحقه أمام من فرض قوته عليه "مشاوير" ليس لها أول ولا آخر، وقد لا تأخذ شكواه محمل الجد، فيصبح الأمر وبالاً عليه مرتين.. الأولى استخدام العنف ضده، والأخرى ضياع وقته في مطالبة لم ترد له اعتباره بما يكفي في وقتها. ويبقى الوعي أساس التعامل مع "النظام" كمرجع لإنهاء الشكوى والخصومة، بدلاً من "الهياط" و"العنتريات" و"جلافة التعامل"؛ نتيجة تربية "خلك ذيب" و"لا يغلبونك الرجاجيل" و"ادقم خشمه"!، وذلك قبل أن تصل الأمور إلى أحداث مؤسفة وقضايا جنائية يندم عليها الإنسان طول العمر. ضد الفوضى وأكدت "حنان عبدالرحمن" -موظفة في جامعة الأميرة نورة- على أنها ضد الفوضى واستخدام العنف من أجل نيل الحق، مشيرة إلى أنها تنصح أبناءها بالالتزام بالنظام في نيل حقوقهم، مشيرة إلى أنها تعرضت لموقف تأملت عقبه جدوى الأنظمة الحقوقية، وتحديداً المدنية، حيث حصل بينها وبين طبيب أطفال في أحد المستشفيات المعروفة مشادة كلامية بسبب إهمال ذلك الطبيب في عمله، مما حدا بها أن رفعت ضده شكوى وفق النظام المناسب، مبينةً أن المعاملة بقيت أكثر من عامين بين "مديرية الشؤون الصحية" وبين "هيئة التحقيق والادعاء العام". خبرات سيئة وذكرت "وفاء الأحمري" -معلمة- أن من البديهي أن تُنسج الخبرات السيئة عن طريق العنف الذي بدأ بحق مسلوب، وجعلت المماطلة منه إحساساً جديداً بالظلم، متسائلة عن ماذا نتوقع من شخصية جربت النظام ولم يأخذ حقها دون أن تحاول أن تأخذه من نفسها. أسباب العنف وعدّد "محمد خالد" -موظف مصرفي- أسباب العنف كما يراها بحكم قربه من زملائه وأصدقائه الذين تتكرر لديهم تلك المواقف، وهي عدم ثقة الشاب أن هناك من ينصفه، وضعف السيطرة على الدوافع الشخصية، إلى جانب تربيته على هذا الأسلوب منذ طفولته، والمفهوم الخاطئ للقوة والشجاعة، إضافةً إلى العجلة في الأمور، وعدم الصبر، منوهاً أن البعض يمارس استفزازات لشخص معين يضطر أن يوقفه بنفس اسلوبه من خلال العنف اللفظي أو الفعلي. ألعاب إلكترونية وأرجع "فاضل العرفج" -مدير مدرسة ثانوية بالمنطقة الشرقية- سبب العنف لدى الشباب إلى تأثرهم منذ صغرهم بالألعاب الإلكترونية المشبعة بالعنف، داعياً الآباء والأمهات بمشاهدة ألعاب ابنائهم حتى يتمكنوا من الحكم، مبيناً أن كثيرا من النشء يمضون أوقاتاً طويلة من الليل والنهار على ألعاب إلكترونية تتمثل في خوض حروب وعنف تبرمج على عقولهم بفكر سيئ. وقال:"إن تلك الألعاب العنيفة تشكل خطرا حقيقيا على ابنائنا، ومعظمنا في غفلة عن ذلك.. والمخجل إننا لم نوجد ألعاباً بديلة تجذب النشء وتزرع فيهم قيما مفيدة، كما أنني لا استطيع السير عكس السرب في منع صغاري من اللعب بتلك الألعاب، وفي نفس الوقت لا أملك البديل المناسب". يكفي «هياط» و«عنتريات» و«جلافة تعامل» قبل أن تندم طول العمر قوة وقسوة وترى "هيفاء الأمير" -مدربة حوار ومرشدة طلابية- أن معظم الشباب يميلون إلى القوة والعنف في الحصول على حقوقهم، إلى جانب أن المواقف جعلتهم يتعاملون بقسوة في أبسط الأشياء وإن كانت هامشية، مما ولّد لديهم فكرة الحصول على ما يريدون أن تأخذ الشيء من فك الأسد، حتى لو استخدم القوة والعنف بكل الأنواع والأساليب المتاحة، وذلك نتاج أسلوب تربية خاطئة ومتسلطة ومتحكمة وعنيفة؛ مما خلف جيلاً عنيفاً متسلطاً بأفكار غير واعية، وبعضها عنيف لا علاقة له من قريب أو بعيد بديننا الإسلامي الحنيف وتعليماته التربوية. وقالت:"علاج هذا المواقف يحتاج إلى دراسة وافية وطرح حلول تمس الحواس الفكرية والمعنوية والمادية لهؤلاء الشباب، علما أنها شريحة كبيرة من سن 12 إلى 30 وربما 40 سنة، وحل مشكلاتهم بشكل سليم من منظور توعوي يساعد في تكوين شباب متفهم، كما أن من يعانون من العنف في تصرفاتهم يحتاجون لاحتواء وخطوات عملية فعلية وليس عبارات ووعود من نسج الخيال". وأضافت:"لضمان وقاية المجتمع وبقائه وتحسن أحواله وأوضاعه بكل الاتجاهات والمقاييس؛ اسمعوا للشباب واجعلوهم هم من ينفذون الإصلاح، ووفروا لهم الإمكانات وافتحوا لهم المجالات؛ فقوة المجتمع بالشباب.. الشباب.. الشباب.. امنحوهم الفرصة يعملون واتركوا لغيرهم التنظير والأقوال". شدة غضبك لا تبرر تجاوز حدودك على الآخرين ظاهرة عالمية وأشار "عبدالرحمن عبدالعزيز المرشد" -مسؤول في تلفزيون قطر في المملكة وإعلامي مهتم بقضايا الشباب- إلى أن ميل الشباب لاستخدام العنف يعتبر ظاهرة عالمية وليست محلية في مجتمعنا فقط، مبيناً أن أغلب المجتمعات لا تخلو من هذه المشكلة، بل وتشكو منها كثيراً وتجند مئات من الأخصائيين الإجتماعيين، إلى جانب إنفاق الكثير من المال على أبحاث للحد من تلك المشكلة التي لن تنتهي، مستغرباً أن يكون مجتمعنا يعاني من تلك المشكلة على الرغم من ارتفاع مستوى التعليم لدينا، مما يتطلب تكثيف مهام الأخصائيين بحثاً عن إيجاد الحلول المناسبة لمجتمعنا وليس استيراد حلول من الخارج ولا تتوافق مع طرق تفكير شبابنا. هذه نهاية تربية «خلك ذيب» و«لا يغلبونك الرجاجيل» و«ادقم خشمه»! وأضاف:"أعتقد أن أحد الأسباب أشار إليها الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة عندما قال: عن المرء لاتسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي فكلُ قرينٍ بالمقارن يقتدي وهو يقصد هنا أصحاب السوء، فعندما يتجمع الأصدقاء في مكان واحد وبينهم أحد الأشخاص المختلف بطريقة تفكيره عنهم في اللجوء للعنف، لابد أن يجاريهم مادام معهم وأن يعمل ما يعملوا إلى أن يصل إلى مرحلة استنساخ أفكارهم، والعمل بهذه الطريقة التي يعتقدون أنها مجدية في أخذ حقوقهم، وبالذات عندما يكونون مجموعة مع بعض ويشجعون بعضهم البعض على أن هذه الطريقة هي المُثلى لأخذ الحقوق ومقياس الرجولة". وأشار إلى أن من الأسباب أيضاً تشجيع الوالدين لأبنائهم بعمل مثل هذه النزعات غير السوية؛ بسبب قلة تعليمهما عندما يحثون أبنائهم على أن "المرجلة" تكمن في انتزاع حقك بيدك، وتزاد تلك التصرفات في المجتمعات التي يقل فيها مستوى التعليم، إضافة إلى ضعف الوازع الديني، مما يتطلب تقوية ذلك من خلال عقد حوارات لمعرفة طرق تفكيرهم وإيجاد الحلول المناسبة، داعياً المعلمين إلى الاهتمام بذلك الموضوع للطلاب من خلال التوضيح لهم أن ممارسة التصرفات العنيفة ربما تؤدي بهم إلى أقصى العقوبات. مرحلة مراهقة وأوضح "محمد أبوزيد" -باحث وناشط اجتماعي- أن للمشكلة عدة أسباب أهمها طبيعة مرحلة المراهقة التي تتسم بالنزوع إلى إثبات الذات، فالشاب في هذه مرحلة يعتقد أنه لم يعد طفلا يحتاج من يدافع عنه أو يأخذ له حقه من الآخرين، منوهاً أن العنف لا يقتصر على عمر معين، إذ تبدأ من الطفولة والمراهقة وقد تمتد لأوقات أطول، محملاً الأسر مسؤولية عدم الاعتراف بحق المراهق في التعبير عن ذاته بشكل يتناسب مع قدراته العقلية والجسدية، فتارة تتعامل معه على أنه طفل ولا يسمح له بالنقاشات الخاصة بالكبار، في الوقت الذي يطلب فيه أن يكون كبيراً في بعض تصرفاته فمثلاً عندما يحاول أن يستقل في قراراته الشخصية كاختيار ملابسه وأصدقائه أو التصرف كالكبار يجابه من قبل الأهل بعبارات محبطة مثل "ترى انت بعدك طفل ليش شايف حالك!"، وإذا تصرف مثل الأطفال يقال له "أنت لسا تتصرف تصرفات الأطفال؟.. أنت كبرت على هالتصرفات"!. وقال:"هذه التصرفات تجعل الشاب لا يعرف ماذا تريد منه الأسرة والمجتمع؛ فيلجأ إلى إثبات ذاته باستعراض عضلاته بدلاً عن عقله وفكره المحصور داخل البيت والمدرسة، ولم يسمح له بالتعبير عن كينونته العقليه ونموه النفسي والعاطفي بشكل سليم، إلى جانب غياب مفهوم العدالة الاجتماعية في المؤسسات الأمنية والحقوقية، فشعوره بعدم وجود نظام عادل يأخذ له بحقه ممن يظلمه ويعتدي عليه يجعله يتصرف بأسلوب عنيف وبلطجي". وأضاف: يشعر بعض المراهقين أن المجتمع ضدهم بسبب نظرة البعض تجاههم بريبة وتوجس، ما يجعله عرضة ردة فعل انتقامية وإجرامية جراء عدم شعورهم بالأمن النفسي يدفعهم لحماية وجودهم من الكبار، إلى جانب سبب آخر مهم يكمن في أن تعرض الشاب للتغذية المرتدة التي تتسبب فيها وسائل الإعلام حيث إن الشاب يتعرض لتوجيه سلبي من خلال مضمون الرسالة الاعلامية للفيلم والمسلسل والبطل الذي يعشقه (المثل الأعلى).