أحدث الرحيل المفاجئ لصاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز الذى انتقل الى جوار ربه في آخر جمعة من شهر رجب الحرام هزة عنيفة لدى من عرفوا الامير الراحل، او تابعوا حياة هذه الشخصية العربية الفذة وما حفلت به من أدوار وانجازات ومواقف وما قدمته من اسهامات سواء اكان ذلك على صعيد بناء المجتمع السعودي وتأمين مسيرة نهوضه ام على النطاق العربي وخدمة قضايا الامة. اقول ذلك من وحي ما تحتفظ به الذاكرة عن اللقاء الوحيد الذى جمعني بالامير الراحل وذلك عندما شرفني قادة العمل الاعلامي العربي بالحديث نيابة عنهم في الاجتماع المشترك مع قيادات الاجهزة الامنية العربية والذى عقد بالرياض في شهر نوفمبر عام 2007م برئاسة سمو الامير نايف بن عبدالعزيز وهو الاجتماع الذى كان مخصصاً لبحث مخاطر تفشي الجريمة وظاهرة التطرف والارهاب في المنطقة العربية، ودور المؤسسات العربية في مواجهة هذه الانحرافات الخبيثة التى تنخر في جسد مجتمعاتنا.. وبالنظر الى حساسية مثل هذه الموضوعات التى يناقشها الاجتماع فقد كان ذلك باعثاً لاقتناص فرصة الاستراحة التى اعقبت الجلسة الاولى للحديث مع الامير الراحل والوقوف على رؤيته وتصوراته حيال مايتصل بمكافحة الجريمة والتصدي لظاهرة الارهاب. ومن عباراته الاولى التى استهل بها الامير نايف حديثه فقد اكتشفت ان من أجلس الى جواره ليس فقط قياديا محنكا ورجل دولة من الطراز الاول نجح في توظيف كل امكاناته وقدراته وملكاته الابداعية في مصلحة شعبه وبلاده والامة التى ينتمي اليها وإنما وجدت نفسي اقف امام عقلية جمعت بين التواضع الجم والرؤية المستنيرة وكذا الوعي وسعة الاطلاع حيث ان ماسمعته منه وعدد من الزملاء الاعلاميين الذين احتشدوا الى جانب طاولته لم يكن حديثاً عادياً بل تشخيصاً دقيقاً للاسباب والعوامل المؤدية للجريمة ونوازع الارهاب والتطرف .. وفى هذا الصدد فمازلت اتذكر ان الامير الراحل قد بدأ حديثه بالقول : إن من العيب ان يعتقد البعض خارج العالم الاسلامي ان ديننا الحنيف الذى يدعو الى السلام والتعايش والوئام الانساني هو دين يشجع على الارهاب فيما ان الحقيقة المؤكدة ان من انغمسوا في اعمال التطرف والارهاب هم أعداد قليلة من الجهلة انحرفت عن معاني الدين الاسلامي لتعشعش في رؤوسها تلك الجهالة لتبتعد عن جادة الحق والصواب مثلها مثل كل المنحرفين الذين لاتخلو منهم أمة من الامم او مجتمع من المجتمعات. وحالة كهذه من غير الجائز وصمها بدين او ملة او جنس او عرق. فالجنوح الى العنف والتطرف موجودان منذ بدء الخليقة ولاتوجد هناك مدينة فاضلة في الارض على الاطلاق ومع ذلك فلا احد في العالم العربي والاسلامي يقبل بما تفعله او بما يقترف بعض المحسوبين على هذه الامة من افعال اجرامية او ارهابية بدليل المتابعة المستمرة لهؤلاء الذين نعول على العلماء الافاضل تقويم انحرافاتهم وإخراجهم من مهاوي الضلال الى فضاءات الخيروالرشد والاتزان. وفي رأي الامير نايف فإن كبح جماح الارهاب والتطرف يقتضي تحركاً جماعياً من كافة الدول العربية والاسلامية والمجتمع الدولي عموماً حتى يتسنى محاصرة هذه الآفة واجتثاث منابتها والحد من شرورها التى ألحقت الضرر البالغ بالمسلمين وأساءت الى الاسلام وقيمه العظيمة التى تنبذ الغلو والتطرف والعنف والتشدد وتحث على الوسطية والاعتدال والتسامح والسلام .. وتساءل الامير نايف في معرض حديثه كيف يمكن ان يكون عناصر تنظيم القاعدة على ملة الاسلام وهم من يسفكون دماء المسلمين في اكثر من مكان ظلماً وعدواناً ليس لشيء وانما لمجرد اشباع نهمهم في القتل والتدمير والتخريب بعد ان استبدلوا الحق بالباطل والنور بالظلام والايمان بالكفر. ومن خلال هذا الطرح المتعمق والمتفحص فقد امكن لي التعرف على بعض المفاتيح التى ادار بها الامير نايف رحمه الله المعركة ضد الارهاب في بلاده وكيف نجح في كسر شوكة اولئك الارهابيين الذين ارادوا جعل تلك المعركة الاكثر دموية والاكثر تدميراً .. ولماذا ايضا رفض المساومة على امن بلاده وترك ارض الحرمين فريسة سهلة للعناصر المتطرفة وادواتها التخريبية والارهابية. وسيسجل التاريخ للامير الراحل انه قد تحمل تبعات هذا الموقف الصارم برضا وقناعة لإيمانه الراسخ بأن أمن المملكة بموقعها الحساس كقبلة يؤمها جميع المسلمين هو خط احمر ولايمكن القبول بأن يعبث به مجموعة من الطائشين والمغامرين والجهلة والمتطرفين والارهابيين.. ذلك هو الامير نايف الذى يسهل التعرف عليه في وقت وجيز لانه كما يصفه الكثير كتاب مفتوح يقرأ من عنوانه .. وبرحيله فقدت الأمة واحدا من ابنائها الافذاذ.