الصبر ينفذ كثيراً عندما يوقظ عبدالله أبناءه لصلاة الفجر، والذهاب سوياً للمسجد. إمام مسجد الحي(صالح) يتفقّد جماعته بعد كل صلاة فجر، يعدهم فرداً فرداً.. بعضهم من يعرفه ويعرف التزامه، إذا لم يجده من ضمن جماعته، أحدهم يأمر الآخرين بالسؤال عنه، ويقول( عساه خير ).!، ابناء الحارة عندما يرون الإمام في الحي، يتهامسون.. شف ( عساه خير )، من هنا اختصر اسمه واصبح ( خير). كالعادة عبدالله يوقظ ابناءه من بعيد:( يالله يعيال..انهجوا للصلاة)، هم يتقلبون على مطارحهم كالأفاعي، الشتاء قارس كل منهم يسحب ( الكنبل)-البطانية- من أخيه، لا يسمعون والدهم، لكنه يصرخ عليهم:(قّم قامت عصّبك..ماتوحون جعلكم الماحي.! ). هنا الصلاة لا يمكن التهاون بها عند عبدالله وغيره.(يالله اطمرو.. خلونا نلحق على الصلاة). عبدالله يذهب إلى المسجد، هم يتبعونه، كالعادة بعد كل صلاة( صالح- خير ) يبدأ في عد المصلين باسمائهم. هي العادة في ذلك المسجد لكن في الحارة يتساوى الجميع غنيهم وفقيرهم إمامهم وجماعته.! يفرش العم مبارك (زولية) مقلمة تحت جدار مكتب قديم أعده لتاجير المنازل وبيعها، يجتمع حوله كبار السن من اهل الحي حتى إمامهم في كل يوم من الضحى، يحتسون إبريق شاي وقهوة يعدها هو أو ياتي بها احدهم كالعادة. لا تنقطع سواليفهم في كل شيء، الا الحديث عن السياسة الداخلية كما يظنون. كلما اتى احدهم يفتح فاه وقال:( متى بيفرشون شارعنا بالسفلت بذا الرعاصات )نهض عليه احدهم، وقال (انت ما تدري ان الجدران تسمع)، حديثهم وعن السياسة الداخلية كان على هذا المنوال. جماعة مبارك لا يعرفون من الجغرافيا الا الرياض وما حواليها والقبلة في مكة، لكن عندما يعود عبدالله بعد صلاة الظهر لبيته يطلب من زوجته ان تحضر الغداء، يسأل عن الأولاد، تقفز فوراً لتطل برأسها من باب المنزل:( حسن.. حميد.. الصلحي), حتى لو لم ترهم بعينها، هناك من بالحي يسمع صوتها فيطلبهم:(روحو لأمكم تبيكم ). هذه الحارة أو الحي، متعاونين بشكل تام، لا يكدر معيشتهم الا صاحب الدكان الذي لا( يصبرهم) يدينهم.!. حسن ولد عبدالله عندما يأتي الصيف- القيض - يتغير حالة، كلما قام مع اخوته بفرش-مطارحهم – في سطح المنزل، أخذ برهتاً –يتزحلق- فوق سطح الدرج أو ان يتفرج على جيرانهم وهم نيام. والدته دائماً ما نهره:( يعنبوك.. ورى ما تعقل وتفك الناس من شرّك.. تراني بعلم ابوك يمزع ظهرك)، لا يكترث بتهديد والدته، لانها أكثر من يخاف عليه من سطوة والده عبدالله. في يوم أصابة الم شديد في ركبه واسفل ساقة, ذهبوا به الى المستشفى-الصحية- لكن علاج(البنسلين) لم يخفف الألم، طلبوا من إمام المسجد صالح الملقب ب( خير) بعلاجة بالقرآن. طلب وفي كل يوم ياتي يقرأ عليه ويدهن أرجله، حسن، يكلم والدته:( يووه.. لعد تجيبون خير، كل يوم ينفث ومهنا فايده ). بعد صلاة الفجر، يطلب صالح من عبدالله ان يدخل مع ابنه في الخلوة ( مكان يجهز للصلاة في فصل الشتاء تحت الأرض ). صالح جهز النار وطنب وضعه ليحتمي، الغرض ان يعالج حسن بالكي، وهي التي كانت سائدة في ذلك الوقت. يصرخ حسن من هول ما رآه، الا ان والده عبدالله - يربطه - بشماغه ويمسكة لصالح الذي عالجه بالكي في أسفل قدميه ثم فخذيه ونهاية المطاف في آخر فقرات العمود الفقري، كانوا يسمونها( عتراه). يقول صالح - خيره- (ترى الولد فيه عرق نساء)، بعدها شك حسن ان مرضه كان بسبب نظراته على نساء الجيرانه عندما ينامون في السطح.. حسن بعد هذا العمر الطويل، كلما صادف إمرأة يرتبك وعينه (تدور)، بسبب الشيخ خيره، الذي شوه و( رقع) جلده من (العترى للكراعين).