لم يدر بخلدي يوما أن أكتب عن هذا الرجل فضلاً عن أن أؤبنه، فلم تكن لي به صلة قرابة أو جوار ولكني كنت أسمعه يوميا خمس مرات يناديني من جامع الشيخ ابن سليمان وينادي أهل الحي، بل أهل الدرعية جميعا أن هلموا إلى الصلاة، وفجأة ودون سابق إنذار انقطع ذلك الصوت الشجي إلى الأبد! نعم، لقد أسلم عبدالله بن إبراهيم الداوود روحه إلى بارئها، بعد سنين طويلة قضاها بين أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وعمل خيري وأذان، فأنعم بها من أعمال وأجمل بها من طاعات، نسأل الله أن ينور بها قبره وأن يعلي بها درجته. ومعرفتي بهذا الرجل - رحمه الله - طويلة جدا منذ نعومة أظافري وأنا أسمعه يدور في البلدة كل فرض بسيارة الهيئة ينادي الناس للصلاة دون كلل أو ملل، بل إنني وبحكم وجود منزلنا السابق بالقرب من شارع المدينة الرئيس كنت أسمعه في ليالي الشتاء الباردة والمطيرة ينادي لصلاة الفجر جيئة وذهابا (الصلاة يا عباد الله، أذكروا الله) تلك الليالي التي لو أعطيت آنذاك آلاف الريالات ما فكرت أن أعمل مثله، فما الذي كان يدفع هذا الرجل إلى الأذان في مسجده ثم امتطاء سيارة الهيئة والناس متدثرون في فرشهم الدافئة، لكي يوقظهم إلى الصلاة؟! إنه الإحساس بالمسؤولية أمام الله - عز وجل - عن إخوانه المسلمين وحبه لهم ورغبته في أن ينالوا الأجر العظيم بالصلاة في وقتها، بل إنه - رحمه الله - كان شديد الحرص على الأذان الأول - ذلك الأذان الذي يسبق صلاة الفجر بساعة واحدة تقريبا- كي يوقظ من أراد أن يتهجد في ثلث الليل الأخير. وحين تقاعد من عمله في الهيئة، لم ترق لروحه الشابة حياة الراحة، فأسس جمعية خيرية أشرف عليها من ألفها إلى يائها بمفرده، وأخذ يجمع المال من الموسرين ويفرقه على فقراء البلد بكل همة وعزيمة، فكانت تلك الجمعية فيما بعد نواة لجمعية الإمام محمد بن سعود الخيرية. ثم واصل عمله الخيري بعد تأسيس الجمعية واكتمالها بطاقمها الإداري بالعمل الفردي، فكان يقوم بمواساة الأرامل والضعفة إيمانا منه أن أعمال البر لا تتوقف مادامت الروح في الجسد. وحين حضرت جنازته تنادت البلدة من أطرافها وجاء الجميع، من عرفه ومن لم يعرفه، الكل يريد أن يشارك في الصلاة عليه ووداعه، وامتلأ المسجد وفناؤه الخارجي والشوارع المحيطة به بالمصلين، ولم أر جمعا غفيرا مثل هذا الجمع قد خرج في وداع أحد من أبناء الدرعية مثلما خرج الجميع ذلك اليوم، فتذكرت قول الإمام أحمد - رحمه الله - موعدكم يوم الجنائز. نسأل الله أن يرحم الشيخ عبدالله بن إبراهيم الداوود رحمة واسعة ويلهم أهله الصبر والسلوان. * الدرعية