1 طوال الوقت كنت أنتظره . لم أتضايق من الانتظار ، ولا أستطيع الامتناع عن ذلك . لماذا هو هناك ، وأنا هنا ؟ لماذا يكون الانتظار إلى هذا الحد ونحن لا نعرف شيئا ، هل سيتم اللقاء أم لا ؟ لا أحد داخل بصري إلا هو ، وأنا لا أفوت نظري عنه ، لا أفوته البتة . في الصيف والشتاء ، وما أن ألفظ اسمه بيني وبين حالي حتى أراه . نعم ، صحيح ودقيق، وقبل التلفظ بالاسم يتحرك بلعومي نحوه ، فيدخل بؤبؤ عيني وأنا أسأله ؛ هل أنت على ما يرام ؟ هل صرت على ما يرام ؟ هل ما زلت ساحراً ، ربما، ومنذ كنت أنت، كنت ساحراً . تماما ، أقول هذا ولا أحد يتهمني بالمبالغة ، ولم يفت الأوان أن تظل هكذا ، وان تبقى فوق تاريخ السحر فلا أود الإيضاح أكثر لأنني لا أعرف . وفاء ، صديقتي حين شاهدت الصور ، أول وآخر صورك ، كنت مبتسماً ، كنت هكذا وأنت تقف على شرفة أو سطح مبنى ، وكانت هناك ابتسامتك، ومهما تقادم العهد والزمن كان الضحك والفكاهة يستحمان داخل فمك إلى هذا وذاك الحد الذي بقيت وفاء تردد : اللهم ،ولا أله ، والصلوات وكل الديباجة الرحمانية ، ولا كلمة يقولها أحدهم عنك فات أوانها . النعوت تلائمك ولا أظن أنها كبيرة عليك ، تملأ الصدر ، وتكفي لاتساع قميصك القطني الذي كنت ترتديه حين حصلت الحادثة فلم يظهر انه فضفاض عليك ، فاشم رائحة عرقك حين الثمك وبسرعة من رأسك فتغمرني وتدع الاكتاف ، اكتافنا تتحدث غير هيابة . كان هذا صحيحا بصورة نهائية ، هو نفس الشيء حين كانت الولادة ، ولادتك ذات التعادل التام فلم يبق مني ومنك إلا هذا التحقق ؛ ان جعلت مني في تلك الليلة الحزيرانية أن أبلغ سن الهناءة ؛ صرت والدة . منذ ذلك المساء وما بعده كان الأمر يستحق نوعا من الإبلاغ ، صرت امرأة أيضا ، وكأني ما كنت امرأة في أحد الأيام . كان الأمل الوحيد ان أبقى حاضرة أمام جسمي الجديد ، وجسمك الوليد ونحن معا في مهب الجمال . 2 كنت أرى ، فنرى سويا الأشياء ونفهم معا ، اننا نحب هذه الحياة حتى نرى سيولها تغمرننا وتسيل على ذقوننا ، فنصغي إلى وجيب دمنا ونحن نثب بين الشمس والريح والبحر . وكنت أتعلم منك ان الاعراس نادرة والاملاح مقيمة ، وأن هذا الحب ، ومباشرة هو ملكي وملكيتي أكثر مما ينبغي فلا أشكو لمجرد أنك تنسى قليلا ككل الأبناء ، كلا ، كثيرا ، وربما دائما . على حافة الحب ينتظم النسيان ، يتلذذ به الأبناء ، أحيانا بجلبة ، وعلى وجه التحديد بضمير مرتاح . لا ، أنا لم أقم بدوري على الوجه الأكمل . لأنني لا أعرف هذا المعنى فعلا .ولكن ، بضربة واحدة أحمل جميع عطايا الله لي واضعها بين ذراعيك ، واحملك بين ساعدي وأشم رائحة حليبي بين لهاتك ، لا رائحة تشبه تلك ، هذا ما نقول عنه ؛ نعمة الولادة ، والميلاد والوليد ، أما الوالدة فهي تبقى في حالة انتظار. وهذا ، ربما ، ليس كل شيء مقابل ما حدث لها . لا يفيد أي شيء ، فاقول لك إنني لا أعرف كيف اغمض عيني حين سمعت بمرضك ، وهل كان بمقدوري ان اصرخ فقط ، أما خوفي فقد كان مهيبا ينظر إلي بإلحاح واتجاوب معه حتى اتلاشى . . ذاك الشاب اللطيف هل سيعيش ويبقى تحت الانتظار، انتظاري الأخير؟ فدائما ، في الخوف تكون المغادرة مترجرجة . أنت تعرف هذا جيدا ، أنت الوالد أيضا ، وأنا الوالدة وأنا لا اجيد الاستغاثة ، وبمن ؛ أنت في حالة تامة من الخطر. كيف يكون الولد بدون غد . أنت مريض ، وتنتقل من الأسوأ إلى ما لا تقدر ان ترويه ، وعملية القلب المفتوح تخترع حبكات بوليسية في البدء أو حُسن الختام . فعلى الارجح صرخاتي لا تسمع فتبدو متخيلة في نص روائي ضعيف جدا . أجل ، يتحكم القلب بكامله ويستدير للوالدة ويتجمد هناك وأنا أتسول المزيد من الخوف فالذي لديَ لا يكفي أن أكون برمتي صاحبة القصة إياها .. فهل .....أردد ؛ لا ولد بعد اليوم ، وهو في الأصل ولد وحيد ، ولا والدة تعيش أطول أو تموت وحيدة فيستيقظ من حولها الموتى . 3 وقفت في الطابور أمام مبنى القنصلية الكندية . كانت الأمطار خفيفة وشارع ملوك الموضة هادىء . الثياب نائمة ، ما زالت وضجرة على أجساد اصطناعية . الحقائب مفخخة بفتنة لا تقاوم في الالتفات إليها . الملف المطلوب مني بيدي كامل العدة والعدد . الحب أمر بديهي ، أليس كذلك ، والمرض وغد موضوعي ، وصوتي وأنا أمام الموظفة المهذبة : نعم كان على الحافة ... يخيم صمت ثقيل والآن ... نجا لكنه مازال يتأرجح .. و .. حسنا انتظري من فضلك . . أنا أمام الزجاج ، دائما بيننا وبينهم هذا الزجاج أو الرصاص ، الإقصاء واللامبالاة ، أو القليل من الإصغاء والإنصاف . ونحن نحضر الأوراق ، ياه ، كم من الأوراق حضرَت طوال وجودي هنا أو في كندا أو انكلترا . أوراق لم تكن الا بعض من زوارق نجاة لي ولولدي الذي اجتاز معي الغصص والقارات وكنا وما زلنا نقف تحت الشبهة ، والشبهات جميعا . حسنا ، أنا وهو لا نروق لهم ، ولماذا نروق لهم ؟ ماذا نفعل لكي نروق لهم . لا نشبهم ولا نعرف الكراسي الهزازة فقدميّ غالبا ما يهتزان فوق هذه الأرض ، وهي الوحيدة التي تصدر قرارها عليّ ؛ إنني بذلت جهدي . فعلت ذلك ولم استسلم قط . حضرت السيدة . كانت تبتسم : احضري غدا في الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا . 4 كان عبداللطيف ، أو آدم بعد أن غيره إلى اسم أبونا العظيم ، مصورا جيدا . يقول، ما زلت هاويا يا أمي. يلتقط صورا للمناظر الطبيعية ولأصدقاء والديه ، فيرسل للوالدة بعضها فأضعها أمامي ، ألصقها فوق سطح الثلاجة الطويلة هي وباقي أفراد العائلة ، فأقابلهم لحظويا وجميعا . هو ليس الواجب ، كان نوعا من الايمان بأنك تنال الحماية من هؤلاء . لكن الصور ، صورنا جميعا لا تظهرنا كالسكان الأصليين حتى لو ارتدينا البلو جينز وقبعات القش العريضة والصنادل المذهبة الخ فاننا لا نقترب منهم ، ربما نقترب من الموت أكثر من هؤلاء القوم . جميع الصور في حوزتي وكنا نكتم فيها الصبا والفتوة ، وكانت صفوف العوائل العراقية من حولنا موجودة وشديدة الوضوح . إنني أعني هناك ، في بلدي ، في تلك التي لا تسمى بعد اليوم . كانت المدينة منزوية بين اهدابنا وتنفسنا البطيء ، والناس لم تمح ملامحهم كما هم اليوم ، وكأنهم وراء أنفسهم ، خرجوا من التجانس الوراثي ولم يمروا في صيرورة السلالات فيما يخص مبدئي التشريح والوراثة . يارب العالمين ، لا نشبه هؤلاء ولا أؤلئك ،. لا المكياج يبدو متقنا ، ولا التشويه غدا تاما ، ونحن ، ولدي ، وأولادنا ، نحن وغيرنا نهذي ضمن جلال هذا الكون وقد لا نحصل على ميتة مسرحية متماسكة حتى . كندا