في روايته الهامة "أورا" ، وعبر استيهامات حلمية ، تحت ضوء شاحب لقمر حائر ، كانت العجوز تتحول بين ذراعي الشاب إلى صبية في ريعان عمرها ، مفعمة بالعطر والجمال الخارق ، وكان الشاب يدفن رأسه في الجسد الخائر غير عارف : هل كانت "لونسلو" أمراة شابه بالفعل ، أم هي أحدى النساء العجائز الطافيات على ضوء القمر؟ ! . هكذا كان "كارلوس فوانتيس" واحدا من أصحاب الخيال العظيم ، الذين شاركوا في تطوير فن الرواية اللاتينية منذ منتصف القرن الماضي ، وحتى رحيلهم عن الدنيا!! وكان واحدا من كتاب أعادوا للاسطورة قيمتها الابداعية ،أسطورة أحياء الماضي ، والاحتفاء بالرموز والحكايات الشفاهية التي تمثل التعبير عن الشعوب!! رحل "فوانيتس" في 15/5/2012 بعد ان اثرى الأدب المكسيكي بأدب يمثل بالفعل طليعة الاكتشاف لأدب صنع تاريخ القارة ، وقدم نماذجه الآسرة لهؤلاء الذين امتلكوا حياة تعبر عنها الميثولوجيا والأساطير ، وسريان التاريخ للوصول بالفن الى المنطقة الأكثر شفافية في روح الإنسان!!. في روايته "موت ارتيميو كروث" التي حلق بها بعيدا في سماء اللغة الاسبانية ، نحن في مواجهة رجل محتضر ، وعبر هذا الاحتضار يستدعي ماضيه ، ويغوص في عمق هذا الماضي متذكرا مباذله ، ومفاسدة ، ومظالمة ، واللحظات الباقية لا تساعده علي تطهير روحه ، وحين يسأل "كروث" : هل أحصيت أيامي ؟ تكون الأشياء بعدها اختلطت عليه هو لا يعرف .هل هو أنا .هل كنت أنت هو .هل أنا ثلاثتنا ..أنا أحملك داخلي وسوف تموت معي ..يا الهي ..سيموت معي ..وحيداً . يعيد "أرتيموكروث" في موته "تفعيل الماضي" ، عن طريق خلق أسطورته ، وتجسيد روح وطنه المكسيك ، وابراز الصراعات بين الجماعات المختلفة التي تريد تحييد الوطن ، ومصادرته لنفسها . واعتبر فوانتيس طريقه في الحياة موازيا لطريقه في الأدب ، وكان دائما ما يقول "أنه بذات القدر من الاهمية حينما عرفت بأنني أن لم اكتب فإن الموت لن ينجزه لي . أنت تبدأ العيش بالكتابة .أنت تنتهي بالكتابة وذلك كي لا تموت" . ولد "كارلوس فوانتيس" في العام 1928 بالمكسيك عاش طفولته في واشنطون مع والده الدوبلوماسي .منذ وعيه قارن بين حياة أهله في المكسيك ، وبحث عن الفروق والاختلاف بينهم وبين سكان الولاياتالمتحدة هؤلاء المتخمين بالغنى والقوة والمظالم !! كان يسافر منذ شبابه عبر بلدان امريكا اللاتينية ، وعقد العديد من العلاقات الانسانية والابداعية مع كتاب الطليعة اللاتينيين ، شعراء وروائيين ، أمثال بابلو نيرودا – جورج امادو – خوليو كورتا ثار- انفانتي.. ليما – جبرييل جارسيا ماركيز – ماريو فاراجاس ايوسا ..الخ الخ.. هؤلاء الكتاب الذين غيروا وجه الأدب في العالم ، والذين بذلوا الجهد ليرتقوا بالفن الروائي حتي الصدارة . كما كتب فوانيتس رواياته ، الجهة الأكتر شفافية 1958 موت ارتميو كروث 1962 غنائية العميان 1964 اورا 1962 الجرينجو العجوز 1985 ، ولقد انتجت هذه الرواية فيلما سينمائيا مثله الممثل الكبير جريجوري بيك ، وشاركته البطولة جين فوندا ، وكان لفوانتيس اهتمامات اخري تمثلت في كتابة المسرحيات ، وانجاز بعض سيناريوهات السينما ، وتعاون مع رائد السينما الاسبانية لويس بانويل واهداه روايته الضمير الحي. كما كان لفوانتيس انشغالات بالفكر والنقد وكتب فيها منزل ذو بابين 1970 الزمن المكسيكي 1971 كما حصل علي ارفع الجوائز الاسبانية مثل جائزة سيرفانتيس ، وجائزة امير استورياس ، الجائزة الوطنية المكسيكية. عاش يعرف حضارة الاسلام ، ويدرسها بعناية ، ويمجدها ، وقرأ تراثها عبر الأندلس ، وكان دائما ما يقول "من الأسباب التي دفعت الأدب اللاتيني الي الأمام تاثره بثقافة وحضارة الأندلس . وكان يؤكد دائما ما يقول : في الوقت الذي كانت فيه أوربا مريضة ويتم علاجها بالرقى والتعزيم والتعاويذ كانت الاندلس تدخل الى اوربا العديد من التأثيرات الهندسية والمعمارية الموريسكية. لقد عاش ومضي كارلوس فوانتيس وهو يؤمن بعمق الروح اللاتينية ، بقيمة الزمن التي استهدفت المنطقة الأكثر شفافية ، كما ظل طوال عمره يمجد شعر نيرودا الشاعر الشيلي الكبير. في لقاء سمع جموع الشعب الشيلي يغنون اشعار نيرودا فاقترب منهم بعد ان انتهوا من الغناء وقال : انه سعيد جدا بسماعهم وهم يغنون شعر نيرودا الا أن الجمهور نظر له بدهشة وأجابه : اي نيرودا ؟ نحن لا نعرفه !! وهنا تأكد فوانتيس من تغلغل نيرودا في روح الشعب الشيلي الذي يحفظه عن ظهر قلب .