تتزايد المخاطر التي تؤثر في منظومة التوريد في الشرق الأوسط حالياً، وذلك نظراً لعدم وجود بدائل للالتفاف حول المناطق البحرية المعرضة لأعمال القرصنة. وقد طرح تقرير مشترك أعده "الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات" بالتعاون مع شركة "A.T. Kearney" الاستشارية تحت عنوان "إدارة مخاطر منظومة التوريد : فهم تهديدات القرصنة"، والذي تم الكشف عنه أثناء فعاليات مؤتمر جيبكا الرابع لمنظومة التوريد، ثلاث تبعات محتملة لتزايد مخاطر القرصنة خلال العقد القادم. وتعني محدودية البدائل المتاحة في النقل البحري لتفادي المرورفي المسارات الخطرة بأن منظومة التوريد في الشرق الأوسط تواجه مخاطر متنامية بفعل القرصنة، الأمر الذي قد يؤدي إلى ثلاث نتائج محتملة مرتبطة ببعضها؛ وهي انتشار موجة جديدة من أعمال القرصنة، وتصعيد استخدام القوة في مواجهتها، والحل الدائم لهذه القضية. ويشكل العام الحالي نقطة تحول في أعمال القرصنة، فعدد قوارب القراصنة التي تم ضبطها خلال العام 2011 أقل بنسبة 50% من عددها خلال العام 2010، مع توقعات باستمرار العدد بالانخفاض خلال السنوات القادمة. كما يتناسب التراجع في نسب نجاح ضبط قوارب القراصنة عكسياً مع عدد حالات طلب الفدية التي تشهد ارتفاعاً مطردا، في حين أصبح القراصنة الصوماليون أكثر عنفاً وتأثيراً استراتيجياً. وقد بدأ القراصنة يوسعون نطاق نشاطهم بعيداً عن سواحل الصومال، وهم اليوم يمارسون أعمال القرصنة في خليج عمان ؛ أي أنهم أعادوا تنظيم صفوفهم إلى مواقع أقرب من خطوط سير السفن التجارية. ومن هنا تنبع حاجة المعنيين بقطاع النقل البحري إلى تحديد السبل الكفيلة بالحد من القرصنة وآثارها السلبية. ويتيح الفهم المعمق لنشاطات القرصنة البحرية أمام المعنيين بالقطاع فرصة دراسة تأثيرها ومخاطرها، ومساعدة التنفيذيين العاملين في منظومة التوريد في دول المنطقة على وضع خطط أكثر مرونة وأبعد مدىً. وبهذا السياق، قال الدكتور عبد الوهاب السعدون، الأمين العام ل"الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات": "نوصي باتخاذ الاجراءات الوقائية اللازمة في وقت قياسي حيث يتعين على شركات البتروكيماويات الخليجية ومجتمع الشحن الدولي بحماية استثماراتهم عبر اعتماد التخطيط الشامل والانضمام إلى مالكي السفن في دعمهم للإجراءات الحكومية المتخذة". وتشير التوقعات الموضوعة وفق سيناريو موجة القرصنة الجديدة إلى تزايد كثافة الهجمات خلال العقد القادم من الزمن، مدفوعة في ذلك بعدم توافر مصادر الدخل البديلة في الصومال، الأمر الذي يؤدي إلى استقطاب المزيد من القراصنة الجدد، وتوسيع دائرة نشاطات القرصنة كنتيجة لذلك.أما بالنسبة إلى سيناريوهات تطويق هذه الظاهرة، فمن المرجح أن تلعب الإجراءات الدولية المتخذة لمكافحة القرصنة، ويضمنها الجهود الحالية لأكثر من 30 دولة، دوراً محورياً في احتواء نسبة تتراوح بين 30% و50% من الوتيرة الحالية لأعمال القرصنة، وذلك باستخدام قوة الردع على الأغلب. وكنتيجة لذلك، من المتوقع أن تتراجع نسب نجاح القراصنة في الاستحواذ على السفن التجارية، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض عدد حالات الاختطاف الفعلية واستحواذ القراصنة على السفن المستهدفة. وعلى خط موازٍ، سوف يعمد القراصنة إلى الرد على المخاطر المتزايدة باتباع التكتيكات العنيفة والتسلح، مما يقود إلى تصعيد الصراع المسلح ووتيرة سباق التسلح بين القراصنة والحرس المسلحين من أعضاء طواقم السفن التجارية. وقد ينتج عن هذا السيناريو أضرار أخرى تترافق مع عدم القدرة على تجنب خسائر بشرية في صفوف البحارة والمدنيين العزل، ومع تزايد الضغوط الدولية عبر التغطية الإعلامية لهذه الأعمال، مما يحد من فعالية استخدام القوة في مواجهة هذه الظاهرة. أما سيناريو الحل النهائي، فيطرح آلية للقضاء على القرصنة في المنطقة كلياً خلال العقد، وذلك عبر اعتماد مجموعة من المبادرات البحرية والبرية التي تحد من انتشار مخاطر القرصنة بشكل مستدام. وتتضمن هذه المبادرات تحسين الفرص الاقتصادية في الصومال لضمان التخلص من الأسباب التي تدفع إلى ممارسة القرصنة. وأضاف الدكتور السعدون: "تعتبر تضافر الجهود الدولية ومشاركة دول مجلس التعاون الخليجي بصورة فعالة عاملاً محورياً في نجاح سيناريو الحل النهائي، الأمر الذي تحرص كافة الأطراف المعنية بمنظومة التوريد في الشرق الأوسط على تحقيقه". وحتى في أفضل الأحوال، أي عندما يتم تطبيق كافة الإجراءات المقررة بنجاح لتطويق العوامل التي تؤدي إلى القرصنة، يحتاج التخلص من المخاطر الفعلية لأعمال القرصنة إلى 10 أعوام على أقل تقدير. وبصرف النظر عن السيناريو الذي يتم تطبيقه على أرض الواقع، يؤكد التقرير على الحاجة إلى الجمع بين الحلين القصير والبعيد الأمد، بما يتضمن وضع استراتيجية لتنمية اقتصاد الصومال. وبدوره قال دان ستارتا، المدير التنفيذي، "A.T. Keaeney": "يتراوح حجم نفقات الشحن البحري حول القرن الإفريقي بين 3 و6.5 مليارات دولار من مجمل الأضرار الناجمة عن القرصنة، في حين تشير السيناريوهات المتوقعة إلى استمرار التأثير السلبي لهذه النشاطات على قطاع النقل. لذا ينبغي على المسؤولين التنفيذيين تقبل احتمال تزايد الأوضاع سوءاً قبل أن تبدأ بالتحسن".ترتبط ظاهرة القرصنة بالمأزق الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الصومال، لهذا يرتبط النجاح في القضاء عليها إلى حد كبير بالمستقبل الاقتصادي لدول شرق أفريقيا. وفي نهاية الأمر، يتوجب أن يتضمن الحل طويل الأمد يقوم على إعادة بناء الدولة وتقديم الفرص الاقتصادية البديلة للمرشحين للانخراط في أعمال القرصنة واقتلاع المشكلة من جذورها، أي التخلص من الفقر الذي يعانيه الكثيرون من القراصنة الصوماليين. أما المشكلة الحقيقية الناتجة عن أعمال القرصنة، فيمكن حلها من خلال دعم المجتمع الدولي على عدة مستويات، وبما يتضمن قيام الحكومات بالانخراط في العمل وتقديم الدعم المالي للمعنيين بالقطاع الذين يعملون على إعادة بناء الصومال؛ فالجهود المشتركة هي الحل الوحيد لاستئصال القرصنة على المدى البعيد.