ركّز الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات "جيبكا" على عمليات القرصنة البحرية ومخاطرها المتزايدة في إطار فعاليات "مؤتمر سلاسل التوريد الثالث" الذي نظمه الاتحاد مؤخراً في أبوظبي؛ حيث التقت نخبة من الخبراء، والهيئات الحكومية، وأبرز قادة القطاع، واستفاضوا في مناقشة هذه المشكلة التي تشكّل خطراً كبيراً على الاقتصادات الصناعية الرئيسيّة في المنطقة. وشهد المؤتمر إجراء مسح استقصائي أظهر أن ما يزيد على 83% من المشاركين يعتبرون القرصنة خطراً حقيقياً مؤثراً على شركاتهم ومؤسساتهم؛ إذ تكبّدهم مزيداً من التكاليف المختلفة على كافة الأصعدة، وتتسبب بمشكلات في خدمات العملاء، إلى جانب المخاطر البيئيّة والتحديات المتعلقة بسلامة وحماية طواقم البحارة. وأكّد 20% من المشاركين في المسح بأنهم كانوا ضحايا فعليين لعمليات القرصنة المنظّمة والمباشرة، بينما يعتقد 53% منهم أن الهجمات ستواصل ارتفاعها بمرور الوقت إذا لم يتم بذل جهود تذكر أو التدخل لإيجاد حل ناجع وفعال لهذه المشكلة. وأشار عدد من المتخصصين بالبحوث الدوليّة من شتى أنحاء العالم إلى ازدياد عمليات القرصنة في خليج عدن بوتيرة كبيرة خلال السنوات ال5 الماضية؛ كما أكدت "المنظمة البحرية الدولية" أن هذه الوتيرة تواصل ارتفاعها منذ عام 2005 مشيرةً إلى تسجيل موجات ارتفاع هائلة وضخمة لعمليات القرصنة منذ عام 2008. وقد سجلت عمليات القرصنة البحرية اليوم مستويات غير مسبوقة مع توسيع القراصنة نطاق هيمنتهم وعملياتهم ابتداءً من السواحل الشرقية لإفريقيا، ووصولاً إلى مدخل الخليج العربي ومنطقة الساحل الهندي. وإلى جانب توسيع نطاقهم الجغرافي، يتبع القراصنة اليوم طرقا مختلفة وأساليب معقدة للهجوم على السفن والقيام بمختلف أنشطة القرصنة البحرية. وقال الأمين العام لاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات الدكتور عبد الوهاب السعدون: يختطف القراصنة اليوم السفن الكبيرة ويتخذونها قاعدة رئيسية للهجوم وتنفيذ عملياتهم، كما يقومون بأسر طواقم البحارة على هذه السفن وأخذهم كرهائن، وهذا يمثل تطوراً خطيراً يزيد الأمور تعقيداً وصعوبة. ويعتبر خليج عدن- البالغ طوله 900 كيلومتر وعرضه 500 كيلومتر تقريباً- أحد الممرات المائية الاستراتيجية لحركة الشحن الدولية، وهو يشكل مع البحر الأحمر ممراً مهماً بين أوروبا والشرق الأقصى ولاسيما بالنسبة لنقل النفط والسلع، حيث تمر بهذه المنطقة نحو 11% تقريباً من شحنات النفط العالمية المنقولة عبر البحر. ومن الجديد بالذكر أن عمليات وأنشطة القرصنة قد تفشّت بشكل كبير في خليج عدن على طول سواحل إقليم بونتلاند الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال شرق الصومال، ناهيك عن تعرّض الكثير من السفن واليخوت إلى عمليات القرصنة والهجمات ضمن منطقة خليج عدن والبحر الأحمر بشكل عام. ويشير تقرير صادر عن الأممالمتحدة مؤخراً إلى أن عمليات وأنشطة القرصنة بلغت مستويات قياسية العام الماضي؛ حيث تم تسجيل 445 حادثة قرصنة، و53 عملية اختطاف للسفن، و1181 حادثة اختطاف للأفراد. ويسود اعتقاد بأن عصابات القراصنة تشن هجماتها انطلاقاً من السواحل الشمالية للصومال في خليج عدن، وذلك نتيجة قرب هذه المنطقة من الشاطئ، وسهولة الوصول بسرعة إلى السفن العابرة لقناة السويس. وقد بلغت نسبة حوادث الاختطاف قبالة السواحل الصومالية 92% من مجموع حوادث الاستيلاء على السفن في العام الماضي. وأضاف السعدون: "تعتبر ناقلات البترول والمنتجات الكيماوية الأهداف الأكثر سهولة بالنسبة للقراصنة؛ فهي تسير من منطقة الخليج إلى البحر الأحمر محمّلة بالكامل، مما يجعلها بطيئة السرعة وأكثر انغماراً بالمياه، مما يجعلها بالتالي هدفاً سهل المنال للقراصنة؛ ومع الأسف باتت جميع السفن اليوم أهدافاً محتملة لعمليات القراصنة". وإلى جانب أثرها السلبي على السفن بشكل عام، تتسبب عمليات القرصنة بتأثيرات اقتصادية سلبية يمكن تلمسها على امتداد سلسلة القيمة الرأسية في قطاع النقل البحري، وأي قطاع آخر يعتمد الخليج العربي كممر لنقل البضائع الصادرة والواردة. وعلى سبيل المثال، يتم شحن ما يزيد على 17 مليون برميل نفط يومياً عن طريق مضيق هرمز وتعبر نحو 30 ألف سفينة خليج عدن سنوياً. وفي حال لم يتم إيلاء الاهتمام المطلوب لهذا الأمر، فإن نمو القرصنة يشكل تهديداً جدياً للحفاظ على استقرار عمليات التصدير في هذه القطاعات، وقد يشكل خطراً كبيراً بالنسبة للمنتجين والعاملين في مجال السلع الاستهلاكية، وهو ما يهدد بالتالي الاقتصاد العالمي الضعيف الذي ما زال في طور التعافي. وقال الدكتور السعدون: "يجب على قادة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودول مجلس التعاون الخليجي أن يتعاونوا سوياً على إيجاد حل فعّال لتوفير منافذ بديلة لمرور السلع والمنتجات. وفي حال لم يتم وضع حد لنشاطات القرصنة، فلن يقتصر ضررها على قطع طرق التجارة الإقليمية فحسب، بل ستؤدي أيضاً إلى قطع الطرق التجارية الآسيوية-الأوروبية. إذاً فالمسألة ليست محصورة بدول مجلس التعاون فقط، بل هي شأن عالمي أيضاً". وتتسبب الحالة السلبية الراهنة على صعيد عمليات القرصنة في زيادة حجم التكاليف نتيجة ارتفاع أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب، والتكاليف الإضافية للتأمين عن حوادث الخطف وقيمة الفدية. أضف إلى ذلك أنه غالباً ما تنتظر الكثير من السفن فترات تصل إلى 5 أيام لكي يتاح لها الانضمام إلى إحدى القوافل العسكرية التي تمر عبر خليج عدن، الأمر الذي يتسبب بتأخير مواعيد تسليم الشحنات والبضائع، وتكبد التكاليف اللوجستية في سلسلة القيمة التجارية، ناهيك عن تكبد التكاليف الإضافية للتخزين الإضافي، واستهلاك الوقود، وعمليات الاستئجار اليومية خلال فترات الانتظار. وتم أيضاً تسجيل تراجع ملموس في كميات الحمولات الإقليمية نظراً لتخوف عدد متزايد من المالكين من إرسال سفنهم إلى المنطقة، وهو ما أدى إلى تراجع استطاعة الشحن في الخليج العربي وساحل البحر الأحمر. كما ترفض بعض طواقم السفن الإبحار عبر البقاع الخطيرة مخالفةً رغبة المالكين، والذين بدورهم يتعاملون مع هذه الإشكالية عبر دفع علاوات سخية وحوافز مالية أخرى للطواقم الجريئة، ولكن ذلك يشكل عبئاً إضافياً على مالكي السفن الذين يتكبدون تكاليف متنامية أصلاً. وأبدت الوفود المشاركة في "مؤتمر جيبكا لسلاسل التوريد" استعداداً كبيراً لاتخاذ خطوات عملية للحد من هذه المشكلة، إذ يفكر 78% من المشاركين جدياً باعتماد إجراءات وقائية لمكافحة القرصنة ناهيك عمن اعتمدوها أصلاً. ومع ذلك، يعتقد أعضاء "جيبكا" بوجوب بذل مزيد من الجهود المشتركة بهدف حماية السفن والاقتصادات الإقليمية من هذا التهديد، فقد أكدوا مجدداً استعدادهم التام للتعاون مع الجهات الحكومية، والقوى البحرية، ووزارات الصناعة والتجارة، والغرف التجارية، وسلطات الموانئ للعمل على اتخاذ كافة التدبير الكفيلة بتقليص هذه المخاطر. وقال الدكتور السعدون: "نحن نرغب بالتواصل مع منتجي البتروكيماويات، وشركات النفط والغاز، ومالكي السفن، وشركات التأمين لكي ندعوهم إلى التعاون مع لاعبي قطاعنا، لأن هذه الأطراف المؤثرة تتشاطر جميعها الحرص على المساهمة بشكل مستقر في الناتج الإجمالي المحلي". وأكّد مؤتمر جيبكا لسلاسل التوريد التزام أعضائه بتعزيز الجهود المبذولة على هذا الصعيد. واختتم الدكتور عبد الوهاب السعدون حديثه بالقول: "يتمثل هدفنا الرئيسي في مواصلة تبادل البيانات المتعلقة بمدى فعالية الإجراءات المتخذة حتى الآن، ومناقشة الحلول المطورّة التي تتيح التعامل مع الحالة بنجاح لكي تستطيع السفن والبضائع الوصول بسلام إلى الوجهات المطلوبة.